الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السجل الأسود للنفط: الديمقراطية والحروب الأهلية

فلاح رحيم

2014 / 4 / 24
العولمة وتطورات العالم المعاصر


كتاب الألمانيين توماس زايفرت وكلاوس فيرنر "السجل الأسود للنفط: تاريخ من الجشع والحرب والسلطة والمال" (بيروت: المكتبة الشرقية، 2007) ت: إبراهيم أبو هشهش حافل بالمفاجآت والأسرار. نعلم مثلا أن الوثائق التي كشفت في بريطانيا عام 2004 تُبيّن أن الولايات المتحدة قد وضعت نصب عينيها هدف احتلال السعودية والكويت عام 1973 أثناء أزمة النفط وطالبت البريطانيين في مراسلة موّثقة بالاستعداد لاحتلال أبو ظبي (ص 76)، ونعلم في مكان آخر أن جبهة التحرير الوطنية الجزائرية التي قاتلت قوة الاحتلال الفرنسية الكولونيالية حصلت على مال وسلاح من ائتلاف النفط الايطالي ENI مقابل الوعد بتأمين مصالح هذا الائتلاف في العقود النفطية المستقبلية (241)، ونعلم أن خسائر العراق وإيران في حربهما العقيمة الطويلة بلغت 600 مليار دولار بحسب تقديراتٍ أكاديمية معتمدة وأن النكتة التي سادت بين الدبلوماسيين الأمريكان حينها أن أسوأ ما في هذه الحرب أنها يمكن أن تنتهي في نهاية المطاف (ص 98). النفط يتخلل برائحته العفنة أدق زوايا النسيج السياسي والاجتماعي والاقتصادي لحياتنا ولأننا سئمنا تكرار هذه الحقيقة فإن حواراتنا غالبا ما تغفل عنه تماما للنبش بحثا عن شخصية عراقية قارةٍ وثابتة تقبع في حفريات تاريخ بلاد الرافدين، أو عبر تدقيق مرضي بتفاصيل الفتنة الكبرى، أو بالحديث عن شخصية عربية أصيلة تقع خارج متغيرات التاريخ والزمان ولا تأبه إلا للكرامة.
وقفتي هذه مع الكتاب ستركز على موضوعتين رئيستين هما من أهم مشاغلنا في عراق اليوم الذي تقرّ جميع الأطراف أنه وصل طريقاً مسدوداً، هما الديمقراطية والحرب الأهلية. وقد خصص لهما الكتاب فصولاً شيقة وهامة. السائد بيننا أن فشلنا في إقامة مجتمعات ديمقراطية يعود أساساً إلى طبيعة تاريخنا المشرقي الاستبدادي، ومن المؤكد أن للتاريخ الثقافي أثره العميق في صناعة الحاضر والمستقبل. ومن السائد بصدد الحرب الأهلية أن ما يزيد من مخاطرها في العراق تحديداً الانقسام الطائفي الذي لا ترى أعداد متزايدة من العراقيين أن له حلاً يسيراً يخلو من إراقة الدماء. لابد أن لا نستهين بهذه العوامل ونواجهها بمسؤولية وشجاعة. لكن ما تندر الإشارة إليه علاقة هاتين المعضلتين ( الديمقراطية والحرب الأهلية) بالنفط وما يسميه مؤلفا هذا الكتاب "لعنة الموارد".

النفط والديمقراطية
نعلم من الكتاب أن بعض الأكاديميين المرموقين قد كرسوا جهدهم لإثبات فرضيات قد تكون جديدة على ميدان السجالات اليومية في حياتنا السياسية. كتب الاستاذ الأمريكي مايكل روس Michael L. Ross دراسة نشرها عام 2001 في مجلة World Politics بعنوان "هل يعرقل النفط الديمقراطية؟" حاول فيها إثبات فرضيته في وجود عداء وتنافر بين زيادة الثروة النفطية في بلد ما وحظوظ ذلك البلد في الحصول على نظام ديمقراطي منفتح. كان من شعارات الثورة الأمريكية "لا ضرائب دون تمثيل نيابي" أي أن المواطن لن يدفع ضريبة لدولة لا تحقق له تمثيلاً نيابياً عادلاً. ويرى روس أن دول النفط تقلب هذا الشعار رأساً على عقب فتقول الدولة لمواطنيها "لا تمثيل لكم لأنكم لا تدفعون ضرائب". ومعنى هذه المفارقة أن الدولة الديمقراطية مجبرة على احترام حرية المواطن الذي يساهم في رفد خزينتها بأهم مواردها، فإذا ما استغنت عنه بما لديها من موارد كالنفط منعت عنه الحريات وحولته إلى مستلم للصدقات الحكومية. تدعم الأرقام هذه الفرضية: تمثل الضرائب نسبة 46.7 % من إجمالي الناتج القومي في النمسا، و 36.4 % في ألمانيا، و 34.5% في سويسرا. بالمقابل تمثل الضرائب نسبة 3.6% من إجمالي الدخل في الكويت، و 1.8% في الإمارات، ولا يتجاوز معدل الضرائب في كافة الدول النفطية العربية أكثر من 5%.
لا يتفق روس مع من يجادل أن الديكتاتورية في العالم الثالث تعود إلى طبيعة تقاليدها المتوارثة بوصفها معيقة للحريات، ولا إلى ماضيها الكولونيالي الذي عرقل تطورها الديمقراطي بل إلى لعنة الموارد. ويستدل على ذلك أن دولاً إسلامية عانت من الكولونيالية تتمتع بمستوى من الحريات الديمقراطية يفوق كثيرا غيرها من الدول الإسلامية. تتمتع ألبانيا، والبوسنة، وتركيا، وبنغلاديش، وباكستان بديمقراطيات تفوق كثيراً ما تتمتع به الدول الإسلامية الغنية بالنفط. والمغرب بين الدول العربية مثال على دولة فقيرة بالنفط (احتياطيها 1.6 مليون برميل ولا تكاد تنتج 200 برميل يومياً) لديها من الشفافية المالية والتعددية الحزبية ما تتفوق به على أي من دول النفط في المنطقة. ويشير الكتاب إلى أنه "ليس بين قائمة بيت الحرية Freedom House من الدول التي وُصفت بأنها "حرة" من دول أسيا (وهي الهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، وتايوان، وتايلند) أي بلد مصدر للنفط." (ص ص. 236 ـ 237).
وتظهر نظرة في فهرس التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP أن الدول المستوردة للنفط مثل الأرجنتين (المرتبة 34)، وتشيلي (43)، وكوستاريكا (45)، وأورغواي (46)، وبنما (61)، قد سبقت جميعاً الدول المصدرة للنفط مثل فنزويلا (68)، البرازيل (72)، كولومبيا (73)، الأكوادور (100)، بوليفيا (114). وهو ما يعلّق عليه المؤلفان " من الجلي إن عائدات تراخيص النفط لا تتحول إلى رفاه وتطور." (ص 238). في نيجيريا يعيش 66% من النيجيريين تحت خط الفقر بينما دخل البلاد من النفط خلال ربع القرن الأخير بلغ أكثر من 300 مليار دولار. وقد كشفت السجلات أن الرئيس سامي أباشا قد حول إلى حسابه عشرة مليارات من أصل 30 مليار خلال التسعينات (ص. 257). فضلا عن ذلك تأتي نيجيريا في المرتبة ما قبل الأخيرة بين 146 دولة في قائمة مجموعة الشفافية العالمية.

النفط والحروب الأهلية
إذا انتقلنا إلى العلاقة بين النفط والحروب الأهلية وجدنا الصلة وثيقة مدعمة بالوقائع التاريخية الفاجعة. بالرغم من أن النفط يقع بين أحد أهم الأسباب فإنه ليس السبب الوحيد دون شك. هنالك عوامل أثنية ودينية ونزاعات حول المياه والأراضي وهنالك التمييز والطمع في السلطة. لكن النفط هو الشرارة التي تشعل النار في هذه العوامل. يذكر الكتاب مثال السودان، أنغولا، اليمن، كولومبيا، بورما، اندونيسيا، نيجيريا، الجزائر، الكونغو. ولم يأت الكتاب على ذكر العراق لأنه صدر عام 2007 بينما حرب العراق الأهلية تؤكد فرضيته بسطر فاجع جديد. لقد توصل بول كولير Paul Collier ، وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة اوكسفورد ومدير مجموعة بحث تابعة للبنك الدولي، إلى أن دولة متوسطة التطور تنطوي في ذاتها على خطر اندلاع حرب أهلية بنسبة 14%، وإذا كان الاقتصاد معتمدا في قسم كبير منه على صادرات المواد الخام ـ أي أنها تدرّ أكثر من 30% من دخله ـ فإن خطر اندلاع الحرب الأهلية يصل إلى 22%، أما إذا كان النفط هو الثروة الطبيعية فإن الخطر يصعد إلى 40%. بالمقابل فإن الدول التي لا تعتمد إطلاقا على صادرات المواد الخام يهبط فيها خطر الحرب الأهلية إلى 0.5% (ص. 239).
هنالك أمثلة مأساوية كارثية على هذه القاعدة. في نيجيريا رفض ياكوبو غوون الذي نصب مرة أخرى رئيسا للبلاد بعد قلاقل عام 1966 اقتراحا باللامركزية فأدى رفضه هذا إلى إعلان شعب الأغبو دولة بيافرا واندلع نزاع دموي. أما الخسائر فهي مئة ألف قتيل بين الجنود، وحوالى المليون بين المدنيين. كان الدافع المركزي للحرب هو السيطرة على حقول النفط في بيافرا وقد سيطر غوون عليها بالفعل وأعلن أن عوائدها ستؤول برمتها إلى صندوق الدولة (ص. 340).
لمايكل روس المذكور آنفا هو الآخر بحوث في الصلة بين النفط والحرب الأهلية. يرى أن الحروب الأهلية كانت قادرة دائما على تمويل نفسها بطرق الدفع الآجل، وكان المال يأتي غالبا من ائتلافات الشركات النفطية لتضمن به الحصول على حقوق حصرية بعد الانتصار. انظر دراسة روس "الموارد الطبيعية والحرب الأهلية: نظرة عامة" (2003). لدينا كمثال على دور الشركات النفطية في تمويل الحرب الأهلية الكونغو وحربه الأهلية عام 1997 التي قتل خلال الأشهر الأولى منها أكثر من عشرة آلاف وهجّر أكثر من 800 ألف ودُمرت العاصمة برازافيل تدميراً كاملاً. وقعت الحرب عندما استعرض رئيس الكونغو الجديد باسكال ليسوبا قوات حكومية مرّ بها أمام منزل منافسه الرئيس دينيس ساسوـ نيغيسو الذي كان رئيساً للكونغو بين عامي 1979 ـ 1992 وكانت آماله في العودة إلى السلطة قد خابت. يومها اشتبكت الميليشيا التابعة له مع القوات الحكومية. واتضح أن ساسوـ نيغيسو كان يحصل على التمويل من شركة ألف توتال الفرنسية مقابل بيع حقوق إنتاج نفط آجلة لمنع الشركات الأنجلو ـ أمريكية من السيطرة على العقود بدعم من الرئيس الجديد (241 ـ 242).
يخلص الكتاب إلى قاعدة بسيطة "حيثما عُثر على ثروات أرضية في منطقة من المناطق، فإن هذه الثروات الجديدة تحمل معها مزاجاً انفصالياً، فلماذا يقسّم المرء الكعكة إذا كان بالإمكان الحصول عليها كاملة؟" (ص. 243)
تسمى هذه المتلازمة الحزينة بين النفط والاستبداد والحرب الأهلية "لعنة الموارد" أو "المرض الهولندي" في إشارة إلى ما حدث في هولندا خلال ستينات القرن العشرين عندما اكتشف فيها الغاز من إضعاف للقطاع الخاص وإرباك للاقتصاد. هنالك أيضا تسمية "لعنة ميداس" في إشارة إلى ميداس ملك فريجيا الذي كان ضحية استجابة الآلهة لأمنيته في أن يتحول كل ما يمسه إلى ذهب فصار طعامه وشرابه ذهباً وهيهات أن يغني معدن من جوع أو عطش.

نشر هذا العرض للكتاب ورقياً في مجلة الكوفة الفصلية المحكمة العدد 3، 2013











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE