الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر النيوليبرالية: الثورة المختطفة

حسام عامر

2014 / 4 / 24
الادارة و الاقتصاد


جيسون هيكل/ ترجمة:حسام عامر

-الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) والسياسة الاقتصادية في مصر:

طبقت النيوليبرالية في مصر في البداية كجزء من التحالف الطويل بين مبارك والولايات المتحدة. منذ تولى مبارك السلطة في عام 1981, منحت الولايات المتحدة مصر مساعدات يصل مجموعها الى أكثر من 60 مليار دولار.

أشار محللون الى أن معظم تلك الأموال كانت قد قدمت على شكل مساعدات عسكرية تبلغ قيمتها السنوية 1.3 مليار دولار, حيث باشرت الولايات المتحدة تقديمها بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979. خصصت تلك المبالغ لمساعدة مصر في شراء معدات عسكرية أمريكية مثل المدرعات والدبابات وقنابل الغاز المسيلة للدموع من أجل سحق التمردات الداخلية (بالمناسبة, تابعت الولايات المتحدة ارسال الأسلحة لمصر لتمكين نفس قيادة الجيش التي كانت موجودة تحت حكم مبارك من مواصلة العنف ضد المتظاهرين السلميين بعد سقوط مبارك).

لعل ما هو أهم من ذلك, ان الولايات المتحدة قدمت مساعدات اقتصادية لمصر يبلغ متوسط مقدارها 815 مليون دولار سنويا, وزعتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) لغرض أساسي أطلقت عليه اسم "تعزيز حرية السوق". ويستمر تدفق تلك المساعدات في حقبة ما بعد مبارك.

تقدم المساعدات الأمريكية دائما كمساعدات مشروطة. ووفقا لما تدعيه الوكالة فانه كان من المفترض أن تخصص تلك الأموال التي قدمت لنظام مبارك من أجل دعم مبادرات تسهم في "خفض معدلات الفقر" و"خلق المزيد من الوظائف" و"تعزيز الاستقرار الاقليمي". لكن اذا ما القينا نظرة عن قرب فسنرى أن الغرض الأساسي من تلك المساعدات هو فتح الاقتصاد المصري أمام مصالح الشركات الأمريكية والأجنبية مع مراعاة ضئيلة لمصالح الشعب المصري.

تعززت السياسات النيوليبرالية في مصر عام 1991, ويعتبر ذلك العام نقطة تحول في تاريخ الاقتصاد المصري, حيث قام مبارك بتوقيع اتفاقيات تعديل بنيوية مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي, وتعززت تلك التعديلات في السنة التي تلتها بعد المنح التي قدمها برنامج اصلاح سياسات القطاعات (SPRP) التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID), ومع احتساب تلك المنح, يبلغ المجموع الكلي لما أنفقته الوكالة من أجل تحرير الاقتصاد المصري 2.3 مليار دولار.

حتى أن الولايات المتحدة تولت أمر القيام بتعيينات في مراكز سياسية مهمة في مصر. في عام 1994 بدأت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بمتابعة أعمال مبادرة الشراكة الأمريكية المصرية للتنمية الاقتصادية والتطوير, والتي ترأسها في ذلك الحين نائب الرئيس الأمريكي ال غور, وسعت تلك المبادرة الى اجراء تعديلات وزارية في الحكومة المصرية والى تعيين رئيس وزراء جديد, وهو كمال الجنزوري, والذي يؤيد رؤية اقتصادية نيوليبرالية للتنمية الاقتصادية التي تسيرها صادرات القطاع الخاص (Private Export Oriented Growth), (تجدر الاشارة الى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية, وهي الطغمة العسكرية
التي حكمت البلاد بعد تنحية مبارك, قامت باعادة تعيين الجنزوري بمنصب رئيس مجلس الوزراء). بعدما تولى الجنزوري وفريقه الوزاري مهامهم في الحكومة المصرية, قامت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بالثناء عليهم في رسالة ارسلتها للكونغرس, وجاء في الرسالة: "المجلس الوزاري الجديد ملتزم بتحرير الاقتصاد عبر تحرير القطاع التجاري, وملتزم بزيادة التنافس في القطاع المالي وبتسريع السير في عملية الخصخصة".

نتج عن التعديلات البنيوية وتحرير السوق مكاسب كبيرة للشركات الأجنبية ولأثرياء المصريين, لكنهما دمرتا الاقتصاد المصري: حيث انخفض معدل الناتج المحلي الاجمالي للفرد (Per Capita GDP) من نسبة مقدارها 4.1% قبل عام 1990 الى نسبة مقدارها 2.7% خلال عهد النيوليبرالية. ويعيش الان ثلث المصريين تحت خط الفقر.

أظهر الاستاذ في جامعة كامبريدج ها جون تشانغ أن ما حدث للاقتصاد المصري يوازي بشكل عام ما حدث لاقتصادات الدول النامية الأخرى, حيث تقلصت فيها معدلات النمو منذ الثمانينيات الى النصف نتيجة للسياسات الاقتصادية النيوليبرالية. وعلى الرغم من وجود هذا الدليل الساطع, قام حسن مالك مؤخرا باصدار تصريح باسم جماعة الاخوان المسلمين قال فيه أن سياسات السوق الحر التي تبناها مبارك كانت على الطريق الصحيح.

-أعطي وخذ-

من أجل دفع عملية التغييرات النيوليبرالية الى الأمام, قامت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) باعطاء الحكومة المصرية منح سنوية قيمتها 200 مليون دولار من أجل تشجيعها على "متابعة خفض التعريفات الجمركية" ولمتابعة خصخصة ما تبقى من شركات القطاع العام ال314(1). وبالاضافة الى ذلك, قامت الوكالة بتخصيص 25% من ميزانيتها لبرامج استيراد السلع (CIPs) والمصممة لمساعدة مصر على شراء بضائع أمريكية ولتعزيز التجارة الثنائية.

جرى برهنة الأثر المدمر لبرامج استيراد السلع (CIPs) على المصريين: حيث ساهمت في اضعاف الصناعات المحلية, وتشجيع الاحتكارات الأجنبية, وتركيز الثروة بأيدي مجموعة من السياسيين, وبالنتيجة تكون قد ساهمت في ارتفاع معدلات البطالة التي (واعتمادا على المعايير المستخدمة في قياسها) قد ارتفعت الى 25% في السنوات الأخيرة وتصل الى 30% بين الشباب.

تعرض قطاع مصر الزراعي لبعض اكثر الاجراءات النيوليبرالية تطرفا. اشترطت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) أن تقوم مصر بنقل امكاناتها الزراعية الهائلة من انتاج الأغذية الأساسية الى تصدير محاصيل أخرى مثل القطن والعنب والفراولة مقابل تقديم الوكالة للمساعدات التنموية, لكي تتمكن مصر من تحصيل عمل أجنبية لتسديد ديونها المتزايدة للولايات المتحدة.

وفقا لتيموثي ميتشيل الأستاذ في جامعة كولومبيا, بدأت الوكالة تلك العملية في الثمانينيات عبر مشروع مكننة الزراعة (AMP), والذي صمم للعمل على تطوير القدرة الانتاجية لزراعات مصر التصديرية بواسطة تمويل شراء معدات زراعية أمريكية.

وفي النهاية -وعلى الرغم من توقعات الوكالة المغايرة- لم يستفد المزارعين المحليين الا القليل جدا. وبدلا من ذلك, استفاد بعض ملاّك الأراضي الكبار الذين كان باستطاعتهم توفير المبالغ اللازمة لأخذ القروض, بينما انخفض الطلب على العمالة الزراعية وهبطت بحدّة رواتب الفلاحين.

من أجل دفع تحول القطاع الزراعي الى التصدير, أجبرت الوكالة الحكومة المصرية على فرض ضريبة مرتفعة جدا على الأغذية الرئيسية التي ينتجها المزارعين المحليين, وأجبرتها على الغاء مخصصات الدعم الحكومي للمواد الأستهلاكية الأساسية مثل السكر وزيت الطبخ ومنتجات الألبان, والغاية من ذلك هو افساح المجال للشركات الأمريكية والأجنبية لتتمكن من المنافسة.

للتخفيف من حدّة الفجوة الغذائية التي نتجت, قام برنامج الوكالة الذي يحمل اسم "الغذاء من أجل السلام" بتقديم قروض بالمليارات لمصر لتقوم باستيراد القمح الأمريكي المدعوم, مما يزيد من اضعاف المزارعين المحليين. كانت نتيجة كل تلك الاجراءات التي يطلق عليها اسم "الاصلاح الزراعي" ارتفاع أسعار الأغذية بشكل حاد وغير مسبوق وأدى ذلك الى المزيد من الزعزعة لسبل العيش, مما أجبر الكثير من القوى العاملة على قبول العمل في ظروف عمل مهينة ولا انسانية. وساعد الاحباط الاجتماعي المنتشر والناتج عن هذه التغيرات في اشعال شرارة ثورة يناير 2011.

طبقت أشكال مشابهة من الصدمات النيوليبرالية على قطاع الخدمات العامة. دفعت الوكالة بشدة نحو تنفيذ اليات يطلق عليها اسم "استرداد التكاليف", وهذا الاسم هو بمثابة تلطيف تعبيري لعملية نقل التعليم والصحة من القطاع العام الى القطاع الخاص, أي الى مؤسسات تسعى فقط الى الأرباح. تقوم الوكالة اجمالا بانفاق قرابة نصف ميزانيتها التعليمية والصحية -أكثر من 100 مليون سنويا- لغايات الخصخصة.

كان ذلك مفيدا جدا للشركات المتعددة الجنسيات التي تعمل في المجال الطبي,
حيث نتج عن ذلك اعتماد أكبر على الأدوية والمعدات المستوردة. لكن ما تعنيه الخصصة بالنسبة الى المصريين هو أن عليهم دفع مبالغ كبيرة من أجل الحصول على الرعاية الصحية والتعليم. قام الاستاذ ميتشيل باظهار أن تلك التكاليف -ونسبة الى دخل الأسر المصرية- تصنف على التوالي كثاني وثالث أعلى كلفة على مستوى العالم.

وما يزيد من الأمر سوءا, وضّح ميتشيل أن خفض الوكالة لميزانيات الخدمات العامة دفع معدلات رواتب العاملين في المستشفيات والمدارس للانخفاض الى أقل من مستوى التضخم, مما تسبب في احداث عجز عميق في مدخولات أسر الطبقة العاملة.

تحاول الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) أن تحجب هذه السياسات عن طريق نشرها لخطاب مغاير. وفقا لموقع الوكالة, تدعي الوكالة أنها ساعدت مصر لكي تصبح "قصة نجاح في التنمية الاقتصادية", وتشيد ب"تحسن" جودة التعليم, ومما يثير الدهشة انها تشيد ب"الحكم المصري العادل" (تناقض صادم, حيث قامت الولايات المتحدة بتمويل الجهاز العسكري القمعي وانتهاكاته الواسعة لحقوق الانسان خلال فترة حكم مبارك).

تسببت عملية تحرير السوق المصري في جذب الاستثمار الأجنبي وفي ارتفاع الناتج المحلي الاجمالي (GDP), لكن لم يستفد من تلك المكاسب في مصر الاّ الأثرياء جدا, بينما شاهد بقية المصريين تقلص حصتهم من الفطيرة الاقتصادية بشكل ملحوظ خلال نفس الفترة.

(1) دراسة من مكتبة الكونغرس باسم (Egypt-United States Relations) صادرة عام 2005. وجاء فيها أنه منذ عام 1994 قامت مصر ببيع 119 شركة من الشركات ال314 التي كانت مملوكة من قبل القطاع العام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنك المركزى: ارتفاع احتياطى النقد الأجنبى لـ41 مليار دولار


.. سعر جرام الذهب الآن فى مصر يسجل 3100 جنيه لعيار 21




.. -ذا تليجراف-: قاعدة سرية في إيران لإنتاج المسيرات وتدريب عنا


.. -ذا تليجراف-: قاعدة سرية في إيران لإنتاج المسيرات وتدريب عنا




.. برنامج الإصلاح الاقتصادي في تركيا يواجه مشاكل وغضب