الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتصل ب0900 (تأثيرات الربيع العربي على الحركة العمالية)

مختار سعد شحاته

2014 / 4 / 26
ملف الأول من أيار 2014 - تأثيرات الربيع العربي على الحركة العمالية وتطورها عربيا وعالميا


حمى الحظ واتصل تكسب:
انتشرت حمى الاتصالات التليفونية، وبرامج المسابقات في وطننا العربي، وقبل ما يُعرف بالربيع العربي بلغت إلى حد يسترعي الانتباه وضرورة التأصيل لتك الظاهرة وما لها من آثار على العقلية العربية بشكل كبير. ربما كانت المنطقة العربية في مطلع النصف الثاني من القرن الماضي تشهد زخمًا وتوجهًا يساريا بشكل ما، جعلت من التجربة الناصرية في مصر واحدة من أبرز ملامح تلك الفترة، والتي توازى معها الكثير من حركات التحرر ونشاط الحركات الشيوعية والاشتراكية في الوطن العربي، ليشمل مناطق الشام والعراق هي الأخرى ضمن تلك التجربة، وبقى الخليج العربي والذي أكلته الرأسمالية واليمين بكل توجهاته وتمرغت في باطن أرضه حتى صار النخل فيها يثمر تمر اليمين والرأسمالية، إذ تمركزت مصالح الشركات العملاقة هناك وبدأت خططها في تهيئة المنطقة لبسط نفوذها، وعاش الخليج العربي باستسلام تام لتلك الممارسة، والتي استدعت في بعض الأحيان تحريك جيوش ما بشكل ما وخطط ما، ربما تكون حرب الخليج وتحرير الكويت واحدة من حلقات سلسلة السيطرة تلك هناك، وبقى الأثر الاستهلاكي لتك الثقافة يزحف رويدًا رويدًا على مناطق الشام ومصر وقد ضمن أكل العراق بعد سقوطها.

ما بين البئر والثورة:
تعتبر هجرة الأيدي العاملة المصرية والشامية (سوريا/ لبنان) ومعها النزوح الفلسطيني إلى منطقة الخليج أمرا يراه البعض منعشًا لاقتصادات تلك الدول وما ينتج عن تحويلات بنكية وتعاملات مصرفية في هذا الخصوص، وهو ما لا يمكن أن نعتبره غير ذي أثر بغيض على ثقافة البلاد التي جاءت منها تلك العمالة الوافدة، بشيء من التمحيص ستجد أنها كتلة يسارية عربية آخذة في التآكل بعدما وقعت في شرك التعاقدات في منطقة الخليج، ونتيجة لانحرافات القادة والمؤسسات في تلك البلدان، وهو ما حرك الباعث إلى الانتقال من هذا اليسار المعتدل المؤمن بقيم الاشتراكية بل والشيوعية في كثير منها إلى النزوح نحو منطقة النفوذ الرأسمالي. لقد وجدت الرأسمالية بغيتها في منطقة الخليج معتمدة على تلك العنتريات التي قادت الحركة اليسارية في مناطقها العربية، وهو ما تمخض عن مؤسسات مثل الاتحاد الاشتراكي في مصر والبعث في العراق وسوريا بكل نفوذها داخل لبنان، ولا يخفى ما انتهت إليه تلك المؤسسات، وهذه الكيانات، وهو ما يطرح السؤال عن مدى مناسبة تلك البلدان للفكر اليساري؟ وعن سر السقوط الكبير أمام أخطبوط الأمبريالية اليميني المتمركز في أبار النفط وحولها؟
ربما سقطت تلك الحركات ونخرها السوس منذ اللحظة التي قرر فيها عبد الناصر في مصر محاكمة قادة الاضرابات العمالية في 1954 بغزل ونسيج كفر الدوار، وهو ما لا يقل في فداحته عن تصفيات تعرضت لها النقابات العمالية في سوريا والعراق، والتاريخ لا ينسى، وإن استمرت تلك اليسارية بشكل عام إلا أنها وفي ظلها أنتجت أسوأ ما يصرخ منه طبقة العمال في عالمنا العربي، إذ سلمت برأي الزعيم الاوحد، وأنتجت مراكز قوى، ودولة داخل الدولة لها من بوليسية أنيابها ما استغله اليمين الرأسمالي، ودفع بإنتاج وتصدير يمين ديني متطرف ليدخل طرفًا في الصراع هناك، وقد صنعه بمهارة في جوار آبار النفط حيث اتسعت الصحراء هناك للكثير من هذا التشدد الذي تختفي في طياته رأسمالية تسيطر وتقوى يومًا بعد الآخر، لتضمن وأد ثورات العرب قبل قيامها، ومتى قامت ستحمل أسباب فشلها بين طياتها بخبث.

اليسار يغرد بعيدًا:
استمر اليسار يغرد على استحياء في واقع تلك البلدان التي كانت محسوبة على الكتلة الشرقية، حتى رغم انبطاحها أما غزو الرأسمالية، إلا أن ثلة من أبنائها وعمالها ظلت تقاوم، وليست النقابة العمالية بحلب في سوريا ببعيدة عن ذلك الأمر، لكن اللافت أنها كانت تقمع قمعًا بالغ القسوة من قبل حكوماتها التي ادعت الإيمان بقيم الاشتراكية والشيوعية في مرحلة ما، وباتت تعد قادتها اليساريين رموزًا منيرة في تاريخها الحديث، وهو ما زاد قلق اليمين فقرر خوض تجربة جديدة واعتماد تكتيك جديد لتمرير ثقافته الاستهلاكية التي تعزز وجوده، وتقضي بلا نبل على الرمق الأخير من فارس اليسار العربي، وتدفنه بلا رحمه وللأبد في داخل مقرات أحزاب هشة ومنظمات باتت تنفصل في واقعها عن الأرض، وهو ما تمخض في سيطرة مراكز القوى داخل المؤسسات العمالية والنقابية، وتم تفريغها تماما من كل ذرة يسارية قد تومض شرر الانتفاضة ضد تلك السيطرة.
استمرت تلك الخطة في مسيرتها، لم ينغصها وقفات عمالية ما، أو مطالبات صورية نقابية عن نقابات باتت موالية للحكومات التي تحولت بانفتاحها المزري إلى حكومات منحازة تحارب كل ما يحلم بها عمالها من الطبقات المتوسطة التي تآكلت وظلت حتى اختفت للأبد. هكذا استمر الوضع الذي أنتج مزيدا من الغليان عززته ثقافة الفوز السهل والربح السريع من خلال إغراق العالم العربي بموجة من برامج الترفيه والجوائز حتى حلت علينا نقمة ( اتصل بـ0900) لتكسب، ونجحت بتحويل أعظم القيم اليسارية العمالية من العمل والكد إلى ثقافة الحظ وضربته، وظل الوضع يتفاقم وتسيطر قيمه العفنة حتى أحرق البوعزيزي جسده في تونس، ليشعل النار في جسد المنطقة ويثخن جلدها المزيف المستبدل، وتوالت ثورات الربيع العربي، بما كان لها من دلائل ومؤشرات سابقة لعل أبرزها مظاهرات العمال في المحلة الكبرى بمصر، والتي انتهت إلى ثورة 25 يناير لتلحق بثورة تونس، وتتصاعد نبرة القيم اليسارية من جديد في ظل الثورات التي اجتاحت المنطقة، وبدأت تهدد فعليًا أهرام الأمبريالية في المنطقة، فألزمت كل تيارات اليمين بتخطيط جديد وتدبير ليل يناسب تلك المرحلة.

عنترية جوفاء:
ولما كانت للثورات طبيعتها وظرفها التاريخي الذي يوجب المراوغات والابتكار والإبداع في مواجهة آليات هذا الـ"غول" الرأسمالي، وهو ما لم تنتبه له حركات اليسار والحركات العمالية التي رأت في الربيع العربي قبلة حياة من جديد، لكنها لم تُحسن استغلالها، فقررت التعاطي بمنطق قديم، وباستعلاء مقيت على واقع الشارع العربي، فانفصلت انفصالا مشينًا عنه إلا في النذر اليسير من أحداث الشارع العربي، وهو ما يؤكد أن خطاب اليسار والحركات العمالية في المنطقة في حاجة ماسة إلى تجديد مستنير، يمكنه أن يقاوم مراوغات وهجمات الرأسمالية، ولك أن تجيب بنفسك بالنظر إلى واقع العمالة العربية والشارع العربي، والذي لم يتغير في واقع معاناته شيء إنما زاد الطين بلة، حين ظل من اعتقدوا أنفسهم قادة ومناضلين عماليين على نفس وتيرة القديم، يُصدر خطب حنجورية عنترية لا يقدم ولو رغيف خبز جيد أو تصون كرامة عامل لا يشمله التأمين الصحي في بلده، واكتفت بالتنظيرات البالية، واستراحت في حربها الكلامية لا الضاغطة على حكومات الثورات التي التفت على كل أسباب ثورات الربيع العربي، لتصدر نفس الوضع وأقسى مما كان. باختصار شديد فشل سمت الاستعلاء للشخوص وسمت التنظير في أن ينزل إلى واقع الشارع العربي والشارع العمالي، واكتفى بعيدا في شاشات تلفاز رأسمالي إلى ثقافة بكائية وترويجًا لمظلومية تاريخية، دون انتباه لواقع بات يحتم سياسة جديدة وأنماط مبتكرة في تلك الحرب الممتدة لأجل انتزاع الحقوق العمالية والاجتماعية لشعوب أقل ما توصف به أنها مقهورة حتى النخاع لعقود.

الإبداع هو الحل:
استطاعت الرأسمالية أن تتطور من نفسها ومن منهجها التكتيكي لأجل ضمان مصالحها التي تضمن بقائها، في حين انهمكت الحركات اليسارية بالتنظير حتى نخاعها، وانجرت إلى معارك كلامية حول القيم والمؤسسات، وانشغلت عن حربها الأم لأجل مجتمع له ثوابت وقيم اليسار باشتراكيته وشيوعيته، وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة أمام التاريخ عن سر هذه الهزيمة رغم المزاج الثوري الذي ساد في دول الربيع العربي، والتي انتهت إلى انشغال تلك الأحزاب والنقابات والمؤسسات بحروبها الشخصية كانها مازالت تحارب لأجل هويتها، وانغمست في ذلك، وهو ما جعلها بلا استثناء تغرد بعيدًا في يوتوبيا عجيبة بعيدة عن واقع الشارع العربي المستهلك حتى النخاع، لتؤكد أن الحاجة ماسة إلى تغييرات جذرية في أنماط التفكير، وآليات العمل على أرض الواقع.
يحتاج التاريخ العربي في تلك الفترة إلى كثير من الاجابات عن سر هذا التشتت والانقسام الذي نجح النخبة اليسارية في نقله إلى كوادر مؤسساتها وأحزابها، فصارت تكرارا لحكايتها المريرة التي انبطحت فيها بعد الانفتاح في مطلع الثمانينات، وكأننا لا نقرأ التاريخ، ولا نتعلم من الأخطاء، وهو ما استغلته القوى الرأسمالية وراحت تزكيه بشتى الطرق، فقد علمت أن قضية بقاء وحياة لا قضية تنظير واستعلاء ونخبوية جوفاء تعجز عن إبداع حلول مستنيرة لشعوبها تحقق طموحاتها في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة التي طمح كل من هتف في ثورات الربيع العربي آملا وحالمًا بها أن تكون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النظرية والتطبيق
محمد بن عبد الله ( 2014 / 5 / 12 - 13:26 )
هكذا يزعجنا الاسلاميون بخطابهم السخيف عن أن الحل في الدين رغم الفشل الواضح لكل دولة في العالم ارتضت الاسلام دينا منذ قرون

يقولون لك العيب في الناس أو العيب في التطبيق

لا يا سادة كل نظرية تفشل أمام التطبيق العملي هي نظرية لا قيمة لها ولا فائدة منها قد يكون مؤلفوها من حسني النية أو من اللاهين في عالم النظريات الوهمي أو حتى من عصابات المجرمين والصعاليك وقطاع الطرق

كلامي ينطبق أيضا بالطبع على الشيوعية والماركسية فبكل لأشكال والألوان التي طبقت بها جلبت الموت والمجاعات والمعتقلات والخراب
من لينين إلى ستالين إلى بريا ومولوتوف وماو وبول بوت وكاسترو وكيم إبايل زفت

هذه النظريات لم تعد تصلح إلا للمتاحف فنتعلم أن اللت والعجن واللغط وكثرة الدجل لا يسمن ولا يشبع من جوع

اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د