الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الخضر- مخطوفا وقديسا لإنجلترا

خالد الحروب

2014 / 4 / 26
القضية الفلسطينية


في قلب اسبوع الفصح المقدس الذي يمر بنا الآن ثمة قصة فلسطينية (وغربية) لها مذاق خاص. انها قصة "سيدنا الخضر" او "مار جرجس" ابن مدينة اللد الفلسطينية والمنشورة كنائسه في قلب البلاد بدءا من مسقط رأسة مرورا بالطيبة ثم, اهمها, في قرية الخضر, سميته, غرب بيت لحم. في الثالث والعشرين من نيسان كل عام يحتفل العالم المسيحي بعيد القديس "مار جرجس" الذي تحولت رايته مع الزمن إلى علم انجلترا, وبعد ان صار معروفا بإسمه الغربي "سانت جورج". يرفرف هذا العلم المعروف الآن بإسم "علم القديس جورج" في طول وعرض المدن الاوروبية, وصورته المشهورة وهو يصارع الوحش الكبير ويصرعه وهو على فرسه تحولت الى ايقونة منحوتة في الوجدان الشعبي على كثرة ما هي منتشرة ومطبوعة في كل مكان. في انجلترا لوحدها هناك ما يزيد عن مائة بلدة وقرية اسمها "سان جورج", وذات الشيء في اوروبا كلها. على مدى ما يقارب من الف عام حارب الانجليز تحت راية سان جورج" كل حروبهم, ومن اجله مات كثيرون. الراية البسيطة التي ظلت مرفوعة في المعابد الفلسطينية منذ القرن الرابع الميلادي وهي تعلي من شأن هذا القديس الذي استشهد شابا دفاعا عن معتقداته, بحسب الرواية المسيحية, او تعلي من شأن "العبد الصالح" بحسب الرواية الاسلامية, تم اختطافها مع الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر, وترحيلها إلى الغرب, وإعادة انتاجها إلى راية حروب ودماء بعد ان كانت راية حب وسلام. صورة الفارس المحارب التي ضخمتها المخيلة الشعبية الغربية عن "مار جرجس" كان الهدف منها تسويغ الحروب الوحشية التي كانت دوافعها السيطرة والنفوذ والسياسة وتجميع الثروات تحت مبرر تحرير القدس من سيطرة الكفار.
الإرث الحقيقي ل "مار جرجس" او "سيدنا الخضر" في فلسطين والمنطقة هو خليط العيش المشترك والبسيط ومقاومة الشر والوقوف في وجه الإعتداء والمعتدين. اعمق ترجمة لذلك الإرث هو تداخل الروايات الدينية والتاريخية حيث جوهر القصة ذاتها, والشخصية نفسها, يتم تقديمها في سردية دينية هنا وسردية هناك: "سيدنا الخضر" هو "مار جرجس", المسلمون والمسيحيون يقدسون الشخصية ذاتها كل بطريقته. على الارض تجاورت الاديرة والمعابد والجوامع ومقامات الاولياء وتبادل الجميع زيارة المزارات جميعا والتبرك فيها. العيش المشترك ظل ديدن الناس حيث انمحت فوارق كثيرة إلى درجة اذهلت الرحالة الاوائل إلى فلسطين في القرون اللاحقة حيث لم يتمكنوا من معرفة المسيحي والمسلم في فلسطين. والد "مار جرجس" جاء من تركيا, وامه فلسطينية من اللد, وهو ولد هناك وبقي في المنطقة إلى ان قُتل.
عندما سقطت القدس في ايدي الغربيين في القرن الحادي عشر, وتحت تحالف المصالح بين ملوك الغز وبابوات الكنيسة الطامعين بالثروات ايضا, اعملت جيوشهم السيف في رقاب بشر القدس وبيت لحم والمنطقة كلها, وشهدت المدن الوديعة انهارا من الدم لم ترها من قبل. حزن "سيدنا الخضر" وحزن "مار جرجس" وانكرا فعلة الدم التي قام بها الغزاة والناهبون. لم يتوقف الامر عند نهب الثروات وبسط السيطرة والجبروت, فقد أراد الغزاة ان يسوغوا فعلتهم بتبرير ديني فأشاعوا ان "مار جرجس" ظهر للجنود الغزاة وهم يقتلون ويذبحون ووقف إلى جوارهم وباركهم. انتشرت القصة كالنار في الهشيم, ثم تطورت وزيد عليها مرويات ومبالغات, وأحيل الفوز بالمعارك كله إلى القديس الذي كان يرعى الجيوش. تحول "سيدنا الخضر" و"مار جرجس" إلى جنرال كولونيالي يرافق جنودا غزاة, ويبارك لهم سفح الدم وسرق اموال الناس واغتصاب نسائهم.
حمل جنود اوروبا راية "مار جرجس" من اللد والطيبة وبيت لحم بعد ان نقعوها بالدم وعادوا بها إلى بلدانهم ورفعوها في كل مكان. صار "امير الشهداء" كما يُعرف في اللاهوت المسيحي بسبب صموده الاسطوري في وجه الامبرطور داديانوس وتحمله العذاب ثم استشهاده, اميرا للحرب والغزو والتوحش. وتم اختطاف سيرته وتاريخه وتكفلت المخيلات الشعبية الخصبة بإكمال الصورة الخرافية وإعادة التأهيل الاوربي للقديس الشرقي. وعندما زحفت العقود اكثر نحو حقب الكشوفات الجغرافية وخاصة البحرية كانت راية "سان جورج" تعلو السفن الاسبانية والبرتغالية التي جابت البحار, من شرق الاطلسي نحو الجنوب التفافا حول رأس الرجاء الصالح, ثم شمالا واحاطة بالقارة السمراء, وغربا نحو العالم الجديد واكتشاف الامريكيتين. "سيدنا الخضر" او"مار جرجس" وصل امريكا مع كريستوفر كولومبس وبقي هناك مرافقا للاوروبيين البيض يحضهم على طحن السكان الاصليين من الهنود الحمر ويبرر لهم سفح دمهم والتخلص منهم.
في غزواتهم وتوسيع مناطق نفوذهم الشاسعة عبر المحيطات ثم بلدان الداخل الافريقي إلى الهند ومرورا بالخليج كانت راية "سان جورج" ترفرف ايضا فوق السفن الحربية البرتغالية. تقف السفن قبالة اية مدينة افريقية ساحلية ثم تنصب مدافعها بإتجاه الناس المتجمعين المندهشين من المركب الكبير والهياكل الحديدية المستطيلة التي تحملها, المدافع, ويبحلقون فيها طويلا, وما ان تتجهز وتصير مستعدة لقذف الموت والدمار حتى تنهال عليهم بحمم النار, بينما قادة السفن والجيش يبتسمون تحت راية "سان جورج". وفي قرون الاستعمار المباشر وانتقال راية غزو العوالم غير الاوروبية الى البريطانيين والفرنسيين والطليان انتقلت على تلك الراية صورة القديس الشاب الفارس وهي يطعن التنين برمحه الطويل. تحول "سان جورج" إلى قديس الهوية الانجليزية والبريطانية وصار احد اهم اساطيرها المؤسسة.
حان الوقت ايها القديس البريء ان تطالب بك مدنك الوادعة: اللد, والطيبة, وبيت لحم, والخضر, والقدس. وحان الوقت للقول ان الحرب الاهم التي خضتها كانت ضد ذلك الوحش الذي احتل نبع البلد وحرم الناس من الوصول إلى الماء. صاروا يقدمون له اطفالهم بعيدا عن النبع ويذهب كل يوم لتناول طعامه اليومي فيترك النبع للناس ساعة او ساعتين ليأخذوا ماءهم. كان عليهم ان يقدموا فلذات اكبادهم قربانا للوحش كيف يستمروا على قيد الحياة. كان سيدنا الخضر او مار جرجس هو من قرر وضع حد لهذه المأساة, فواجه الوحش وحيدا على فرسه واخضعه ثم قتله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مار جرجس القديس المخطوف من كاتب المقال
محمد بن عبد الله ( 2014 / 4 / 26 - 18:28 )
ردي على المقال:

مار جرجس قديسا مسيحيا مخطوفا من خالد الحروب

أيها اللاعبين بالسياسة دعوا لنا قديسينا والعبوا لعبة غيرها


إن كنت حقا ترفض الغزو والاستيلاء على أراضي الغير بالقوة فابدأ بادانة خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب وغيرهم من الناهبين
(فتحتم) بلادنا دون استئذان واستوليتم على أراضينا وعلى أجمل كنائسها لكن لن تستطيعوا نهب تراثنا وعقيدتنا فهذه في القلوب بعيدة عن الغازين والظلمين


2 - الخلط بين جرجس والخضر الياس
سيلوس العراقي ( 2014 / 4 / 26 - 19:09 )
ألا تعتقد أن هناك خلط بين القديس جرجس والقصة الاسطورية حوله
وبين ايليا النبي الاسرائيلي ـ اليهودي
الملقب من قبل الشرقيين مسيحيين ومسلمين
بالخضر أو بخضر الياس ؟
تحية


3 - يعني بضاعتنا جيدة وبضاعة الغير سيئة
بشارة ( 2014 / 4 / 27 - 10:25 )
هذا هو ملخص المقال: الغربيين اهل سوء ونحن الخير كله: لا بد انه هنالك سبب لهذه الهرتلة...اترك للقاريء الاستنتاج,
وادعو الكاتب الى فحص الضمير ان كانت الجزيرة ابقت له بعضا منه

يا استاذ سيلوس : انا على حد علمي انك محق...انا ذهبت عدة مرات لمار الياس في حيفا هناك مزار قريب للدروز يسمونه الخضر لمار الياس نفسه

الاستاذ محمد بن عبد الله
تكلمت بمداخلتك بلسان حالي: وفرت على جهد الكتابة


4 - جلجامش وقتله لوحش الشر خمبابا
مثنى حميد مجيد ( 2014 / 4 / 27 - 14:37 )

الكاتب المحترم
تحية طيبة لكم ومشكور جهدك في تعرية جرائم السلطات المستبدة وخاصة الرأسمالية في إستغلال قيم الشعوب ورموزها الثقافية وتشويه معانيها لصالح أطماعها ولكن هذا لا يعني أنه لم يكن هناك أساس لإسطورة الخضر أو جرجيس في أوربا فالأساطير تتشابه في ثقافات الشعوب وقد إستنتج جيمس فريزر1941-1854 في مؤلفه الغصن الذهبي عبر دراسته لكم كبير من الأساطير أن الدين هو ظاهرة ثقافية واحدة لدى كل الشعوب وإن الأسطورة تنشأ مستقلة لدى كل شعب رغم تشابهها مثلاً أسطورة المخلّص أو المُنقذ أو أسطورة الرجل القوي الذي يقتل التنين موجودة لدى السومريون والبابليون - مثلاً البطل جلجامش وقتله لوحش الشر خمبابا الذي يحكم غابة الأرز - لكن هذا لا يعني أن الأسطورة السومرية قد إنتقلت إلى فلسطين دون أن يكون لها أساس في ثقافة الكنعانيين..


5 - كفاكم كذباً بنسبة أساطيركم إلى الله!
مثنى حميد مجيد ( 2014 / 4 / 27 - 15:05 )
ربما من المفيد أن أنقل هنا معادلة إستخلصلتها في دراستي - جذور حضارة شيتل طابا - لأسطورة المسيح وأصولها الثقافية الأصيلة في الحضارات القديمة والتي يطلق عليها ، جهلاً ، الأصوليون من أتباع ما يُسمى بالأديان السماوية بالوثنية :

أنكي السومري - بتاح المصري - يوحنا السامي
دوموزي السومري - أوزريس المصري - المسيح السامي
انانا السومرية - إيزيس المصرية - مريم السامية
أريدو أنكي - منف بتاح - أورشليم يوحنا
أنليل ،خليفة أنكي - حورس ،خليفة أوزريس - البابا ،خليفة المسيح
.
مع ذلك لا نقول لهؤلاء الأصوليون المتزمتون من مسيحيين ويهود ومسلمين إنكم إنتحلتم بل وسرقتم أساطيركم من ثقافاتنا القديمة الأصيلة بل نقول: كفاكم تزمتاً وكذباً وإدعاءاً بنسبة أساطيركم إلى الله!والسبب أن البحث العلمي لا يؤيد مزاعمكم.
تحياتي للأخ خالد الحروب وشكراً لإتاحته الفرصة.


6 - إلى الأستاذ بشارة
محمد بن عبد الله ( 2014 / 4 / 27 - 15:36 )
أشكرك على تعليقك

تقول أنني عبرت عما أردت قوله وأرد بأنك في العبارة التالية كشفت عما أثارني في المقال:

(((ملخص المقال: الغربيين اهل سوء ونحن الخير كله)))
لم يرى الأستاذ الحروب حقيقة أن الحروب الصليبية لم تكن إلا رد فعل لما سمي الغزوات الاسلامية..الحروب الصليبية كانت حروب استرداد تماما كما في اسبانيا

أتمنى من كتابنا المسلمين الجادين أن يرجعوا إلى قراءة تاريخ الحروب الصليبية كما كتبه المؤرخين الأوروبيين المعاصرين لها (لا مؤرخي اليوم) فما يحدث اليوم ضد ملايين المسيحيين في الشرق من المواطنين أو الوافدين وجرائم الارهاب الاسلامي في أنحاء العالم إعادة لما أثار مسيحيي العالم الحر حينئذ فلم يجدوا حلا سوى الحضور إلى الشرق لتأمين (الأراضي المقدسة) وأخشى أن يعيد التاريخ نفسه فينهض المارد من سباته الطويل ثائرا لاسئصال عقيدة الشر

وأؤيد أيضا رأي الأستاذ سيسلوس ولا ننسى اعتقاد شعوبنا بالتوراة فهى نبعت من هنا فعكست طبيعة الناس ثم ساهمت في تشكيل الثقافة الجمعية وتركت أثرها إلى اليوم

اخر الافلام

.. الشيف عمر يبدع في تحضير جاج بالفريكة ????


.. ما تأثير وفاة رئيسي على السياسة الخارجية الإيرانية؟ • فرانس




.. كيف سقطت مروحية الرئيس الإيراني رئيسي؟ وما سبب تحطمها؟


.. كيف حولت أميركا طائرات إيران إلى -نعوش طائرة-؟




.. بعد مقتل رئيسي.. كيف أثرت العقوبات الأميركية على قطاع الطيرا