الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يكون المذبوح واحد منا

هويدا طه

2005 / 7 / 16
الارهاب, الحرب والسلام


لفترة ليست قصيرة منذ اندلاع (خليط) المقاومة والإرهاب في العراق.. كنا قد (اعتدنا) ذلك المشهد على شاشات التليفزيون، ملثمون يحملون البنادق والرشاشات.. خلفهم يافطة كبيرة كتبت عليها آية قرآنية أو اسم ذو طابع ديني إسلامي لجماعة مسلحة.. وأمامهم يركع مختطف.. عاري الرقبة.. مشدود اليدين إلى الخلف.. معصوب العينين.. تضج بالرعب باقي ملامح وجهه الظاهرة.. يتلو بارتعاش ما أملي عليه.. أو يجتهد مذعورا وربما باكيا.. طالبا النجدة من مصيره المنتظر، تفاصيل المشهد من حادثة خطف إلى أخرى لم تكن تختلف كثيرا.. فقد كان ذلك المشهد ينقل إلينا أحيانا صورة مختطف واحد وأحيانا مجموعة من المختطفين.. ملامح آسيوية مرة وملامح أوروبية مرة وملامح عربية مرات، المختطفون موظفون دوليون أو معاونون لجيش الاحتلال أو سائقو شاحنات أو عمال بائسون أو صحفيون.. حتى كادت صور المختطفين في العراق من كل ملة ولون.. تصبح واحدة من مكونات (الثقافة العربية الحديثة) التي فرضتها ليس فقط ظروف الحرب في العراق.. وإنما فرضتها أيضا ظروف الخلخلة الحادثة في العالم العربي، لكن في جميع المشاهد السابقة كان المخطوف بالنسبة إلينا هو (الآخر).. يرفض بعضنا الأمر ويتحمس له البعض الآخر منا.. لكن الرفض أو القبول ظل في كل الأحوال موقفا من ذلك الآخر، إذ أن العمال والسائقين العرب الذين تم اختطافهم وتصويرهم قبلا.. أفرج عنهم أو سرحوا.. فبقي (المخطوف المذبوح) هو فقط ذلك الآخر، الآن.. وبعد ذبح السفير المصري إيهاب الشريف.. بدأت (ثقافة الذبح عربية الهوية) تتعرض على الملأ لأول امتحان.. لأن المذبوح هو من بيننا.. لحمه من لحمنا.. بغض النظر عن (موقفنا السياسي منه).. بدأنا حالة مراجعة لأثر الصورة في تكوين الرأي العام.. فالسفير المصري عرضت صورته معصوب العينين عاري الرقبة جاهز للذبح.. ربما مرة واحدة خلال ذروة تغطية الخبر.. ثم اختفت تلك الصورة رغم استمرار الحدث عنوانا كبيرا لنشرات الأخبار.. وظلت التغطية لخبر ملاقاته حتفه تتعاطى مع صور رسمية قديمة له.. برابطة العنق وعلى مكتبه بين أوراقه وتليفوناته.. من راجع الأمر.. ولماذا الآن وليس قبلا؟ ربما تلك المراجعة ليست بالضرورة (قرارا فرديا) لمسؤول عن صور نشرات الأخبار في التليفزيونات العربية.. قد يكون قرار عدم عرض صورته معصوب العينين عاري الرقبة.. جاء تعبيرا عن تلك الخلخلة الحادثة في العالم العربي.. خلخلة التغيير.. من ثقافة متكاملة متمكنة من نفس العربي.. عبّر عنها الذبح في العراق وهتك الأعراض في القاهرة والتعذيب هنا وهناك في جميع أنحاء العالم العربي.. كثقافة مشتركة بين السلطة العربية الجائرة والمنظمات العربية المتطرفة وأيضا..أفراد المجتمع.. إلى ثقافة أخرى ملامحها لم تتضح بعد.. لكن تباشيرها في ظهور.. الآخر يظلمنا نعم.. يعتدي علينا نعم.. لابد من مقاومته نعم.. بل حتى لابد أن نقاوم بالسلاح عندما يكون الآخر (جنود احتلال) وليس فكرا أو أفرادا مدنيين.. لكننا في العالم العربي في حاجة إلى تدشين ثقافة (المقاومة السلمية) التي جربتها شعوب أخرى.. وانتقلت بها من حال حضاري إلى حال حضاري مغاير أكثر أنسنة.. في حاجة إلى غرس تلك الثقافة في أعماق الأجيال الجديدة.. في حاجة إلى تعليم أبناءنا أن ليس بالسكين فقط يمكن مقاومة الظلم.. وإن كان ضروريا في حالة المواجهة مع (آخر) يحمل هو أيضا سلاحا.. لكن الاكتفاء بالسكين وحده.. حدا واحدا قاطعا.. سوف يجعل من تلك الأجيال القادمة مشروع شعب من الوحوش، أحد بشائر مخاض ثقافة المقاومة السلمية.. هو فورة (المظاهرات) التي تطالب بالإصلاح والديمقراطية والتغيير في أنحاء متفرقة من العالم العربي.. وخاصة في مصر التي فاجأت الجميع بذلك الخروج الشعبي السلمي.. ليس الأمر هنا متعلقا بالتساؤل(هل تجدي تلك المظاهرات نفعا؟).. فهي إن لم تجدِ نفعا فوريا في مواجهة سلطة فاسدة مستبدة.. يتشبث أصحابها بموقعهم.. فسوف تجدي في التكوين البطيء لتلك الثقافة.. ثقافة المقاومة السلمية، فاستهجان ذبح السفير المصري الذي عم الشارع العربي.. حتى لو كان عاطفيا لأن المذبوح لحمه من لحمنا.. وحتى لو كان في جزء ٍ منه عنصريا لأن المذبوح عربي.. فهو مقدمة لاستهجان كثير من الأشياء في ثقافتنا العادية.. تماما كما تحول موقف الشارع العربي من وضع أسامة بن لادن في مرتبة البطولة الخارقة أيام هجمات نيويورك وواشنطن.. إلى استهجان شعبي للهجوم على قطارات لندن.. نحن إذن نتغير.. نحتاج إلى وقت.. لكننا نتغير.. فكما بدأت الهوية الفرنسية لثقافة (الاستعمار المتوحش) تتلاشى من ذاكرة البشر.. ربما نكون نحن أيضا بدأنا طريقنا الطويل.. إلى جعل البشرية تنسى.. أن هوية ثقافة الذبح... عربية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بكاء رونالدو حديث المنصات العربية • فرانس 24 / FRANCE 24


.. التشكيلة المتوقعة للجمعية الوطنية الفرنسية بعد الجولة الثاني




.. كيف يمكن للديمقراطيين استبدال بايدن في حال قرر التنحي وما ال


.. حاكم ولاية مينيسوتا: نحن قلقون بسبب التهديد الذي ستشكله رئاس




.. أحزاب يشكلون الأغلبية في الحكومة والبرلمان الجزائري يطالبون