الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


درايات نساء منطقة تيغسالين في صناعة الزربية التقليدية

والغازي العثماني

2014 / 4 / 26
الادارة و الاقتصاد


مقدمة إشكالية
يلعب الوسط الطبيعي أهمية بالغة في إعطاء المجالات المغربية نوع الأنشطة المهيمنة على كل مجال، وقد كان للإنسان عبر التاريخ درايات بكيفية تدبير مجاله قصد ضمان العيش والحفاظ على الوسط لتحقيق الاستمرارية، هذا شأن المناطق الجبلية التي تعتمد بشكل عام على الأنشطة الرعي زراعية وكل ما يتفرع عنها كنشاط الزربية التقليدية. تشكل منطقة تيغسالين أهم المواقع الجغرافية الملائمة لاحتضان نشاط الزربية التقليدية، فقد تراكم هذا التراث في هذا الوسط، و شكل وما زال أحد الأعمدة الاقتصادية والاجتماعية والفنية ونتيجة لمختلف التحولات الوطنية والدولية، فقد أصبح لزاما أن تتكيف الزربية التقليدية مع هذا التحول للحفاظ على استمراريتها.

1ــ درايات النساء في صناعة الزربية التقليدية بمنطقة تيغسالين.
تتوفر بمنطقة تيغسالين موارد طبيعية مهمة كالصوف، الذي يعتبر المادة الأساسية لصناعة المنسج، ويعود الفضل في توفر المنطقة على هذه المادة إلى وجود مراعي هامة وحضارة رعوية عريقة استقرت بالمنطقة. والمنسج كنشاط نسائي يتطلب قوة جسمانية هائلة، والصوف لوحدها تتطلب مسلسل طويل ومعقد ابتداء من موسم الجز في شهر ماي حيث تلتجئ النساء بشكل جماعي في الصباح الباكر إلى الأودية المجاورة ( دونة، سرو) لغسل الصوف فوق صخور كبيرة مسطحة ويبدأن بضربها حتى تصير رطبة وبعد ذلك يتم تمددها فوق الصخور، وبفعل حرارة الصيف المرتفعة تجف الصوف تحت أشعة الشمس الحارقة ليتم حملها في المساء إلى منازلهن.
بعد عملية الغسل تبدأ عملية تحويل الصوف كلما سمح للنساء الوقت بذلك، حيث تكون العملية الموالية تفكيك الصوف بواسطة آلة تقليدية تسمى "القرشال" الذي يسهل عملية تحويل وتمديد الصوف إلى خيوط بواسطة آلة تقليدية خشبية تسمى " إزدي"، كل ذلك يتم في فصل الصيف لتأتي مرحلة الصباغة الطبيعية في فصل الخريف، وقلنا طبيعية لأن النساء يحضرنها من مواد نباتية محلية كنبات ثروبيا وقشرة شجرالبلوط الأخضر للحصول على اللون الأحمر ونبات الجاج وغيرها من النباتات للحصول على ألوان مختلفة. مرحلة الصباغة تتم بخلط مستخلصات النباتات مع الخيوط في إناء ضخم مليء بالماء فوق النار، وبعد الحصول على الألوان المناسبة تترك الخيوط فوق جذور النباتات والأشجار حتى تجف وبعد ذلك تقوم النساء بعملية تركيب المنسج عبر عمليات هندسية دقيقة ومضبوطة ويكون العمل بين النساء بالتناوب والتعاون بعيدا عن منطق الربح المادي. ما إن تنتهي النساء من هذه العمليات حتى يحل فصل الشتاء حيث تقل أعمال النساء في الخارج، ليصطفن وراء المنسج ويكون عدد النساء حسب طبيعة وحجم المنسج، إذ الزربية المعقدة والضخمة تحتاج إلى حرفي ماهر يسمى" أمزداو"، الذي يقوم بعملية التوجيه ومد النساء بالخيوط.
الزربية التقليدية لوحة فنية تتضمن رموزا متنوعة "إلقيظن" تمرر فيها المرأة شعرها وكل ما لا تستطيع المرأة البوح به، ومن أهمها رمز " الهات"، "إلي"، "عاودلي"، " ثوغمسث نثاغاط" ... إنها رموزا تخاطب الطبيعة بشكل عام، أما الزربية التي يطغى عليها اللون الأحمر " إيشظف"، فهي تدل على الحب، وتخصص للضيوف الأعزاء كتعبير عن قمة الترحيب والاستقبال، كما تهديها العروسة لعريسها كرسالة صامتة تمرر فيها مشاعرها لزوجها.
يتم من خلال المنسج معرفة الفتيات الأكثر إبداعا وعطاء وبالتالي فهن المحظوظات للزواج، أما غير الفتاة غيرالمتعلمة لصناعة المنسج فغالبا ما يتمحور عليها شعر وأغاني النساء ك " مرداتوزضى الكسوث خف إفكاكن أتقيمث أثاحيوط أورتيليث ثينم" ومعناه " لو تتم صناعة الكسوة بالمنسج لبقيت الحمقى بدون كسوتها"، لذلك كان التنافس حادا بين الفتيات والنساء في إظهار الإبداع والجديد، والأنكى من ذلك أن التنافس يتجاوز حدود القبيلة الواحدة، حيث كانت قبائل المنطقة تتنافس أثناء الحفلات الوطنية لتزيين الخيم بالزرابي التقليدية، إذ تقوم كل قبيلة بتزيين خيمتها بالزرابي التقليدية لإضفاء الطابع الجمالي للخيمة، وهو ما يضفي نوع من التنافسية بين نساء القبائل في الإبداع الفني.
إلى جانب المميزات الثقافية والاجتماعية للزربية التقليدية، فهي كذلك احتياط اقتصادي للعائلة، تنفرذ به النساء لكسب المال وغالبا ما تصرف في شراء الحلي ومختلف حاجياتهن حسب الوضعية السوسيواقتصادية للعائلة.
1ــ التحول الذي مس الزربية التقليدية بمنطقة تيغسالين
ساهمت مجموعة من العوامل في تراجع مكانة الزربية التقليدية بالمنطقة، حيث تم إغراق السوق بالزربية العصرية الجاهزة رغم رداءة جودتها إلا أن انخفاض تكلفتها المادية ساعد الساكنة على تجهيز المنازل بالمنتوجات العصرية ، من جهة أخرى يعد تراجع الخلف من العوامل الرئيسية في تراجع نشاط الزربية التقليدية، وذلك بسبب اللجوء المتزايد للفتاة إلى المدرسة وتزايد ظاهرة الهجرة القروية نحو المراكز الحضرية المجاورة، الشيء الذي أدى إلى ظهور العمل التعاوني لإنقاذ الزربية التقليدية من التلف، وفي هذا الصدد تم تأسيس تعاونية تهتم بهذا النشاط " تعاونية إيسمون للطرز والخياطة والنسيج"، سنة 2003، وجعلت من التضامن والتعاون بين النساء هدفها الأول وذلك قصد ضمان استمرارية الزربية التقليدية باعتبارها إحدى المكونات الثقافية بالمنطقة، جذير ذكره أن هذا الاهتمام جعل التعاونية تتجه في منحى الاقتصاد التضامني والاجتماعي، (وجود شرط الحاجة والهوية) والتي تنوع من منتوجاتها حسب طلب السوق، إذ أنها تتوفر على منتوجات تلاءم الفئة المحدودة الدخل والفئة المرتفعة الدخل، أما التسويق فغالبا ما يكون في عين المكان، وبعض المعارض المحلية والجهوية والوطنية، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود إكراهات تهدد بقاء واستمرارية التعاونية، من أهمها ارتفاع تكاليف التسويق والمنافسة من الزربية العصرية وكذا محدودية هامش الربح اليومي بسبب اختلاف مجهودات النساء في العمل ( نساء مؤهلات وغير ذلك) إضافة إلى عامل الخلف. ورغم الاكراهات التي تواجهها التعاونية ، فإنها تبقى مبادرة توفر دخلا قارا ــ رغم محدوديته ــ لعدد مهم من النساء ( 32 شغيلة) .
خاتمة
تعد الزربية التقليدية بالمنطقة إبداع فني ووثيقة تاريخية تحمل في طياتها رموزا تحتاج إلى التفكيك والتأويل، باعتبارها من المكونات الحضارية التي تنقل لنا حقائق إرث الماضي من ثقافة وتاريخ وجغرافيا، بالمقابل فهي خزان المعلومات والأسرار لذا نرى أن دور المؤرخ في تحليل هذه الوثيقة يبقى محتشما، إذ من خلالها يمكن إعادة كتابة تاريخ الثقافة الأمازيغية بشكل عام بعيدا عن تشويهات وطمس التاريخ الرسمي للثقافة الأمازيغية، وبواسطة البحث يمكن للزربية أن تسترجع هيبتها ومكانتها التاريخية في التنمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعمير-تامر بولس رئيس قطاع المبيعات بشركة كورنر ستون وحديث حو


.. تعمير - على هامش فعاليات معرض عقارات النيل.. لقاء مع د. أحمد




.. تعمير - د. باسم كليلة يوضح فكرة عقارات النيل في نيوجيرسي


.. تعمير - إزاي تم التسويق لمعرض عقارات النيل داخل امريكا؟.. د.




.. تعمير - لقاء مع د. باسم كليلة رئيس مجلس إدارة شركة اكسبو ومن