الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف الفلسطيني وأزمة الهوية القومية من خلال قصة -الغريب- لعدلي شبيطة

أحمد كامل ناصر

2014 / 4 / 27
الادب والفن



لا بد للباحث أو الناقد للظواهر الاجتماعية أو السياسية من منهج ينطلق منه، دون أن يكون مقيدًا به حتى لا يقع في خطأ قراءة منحازة ذاتية فيفقد مصداقيته. من هذا المنطلق، رأيت ألاّ أخوض في مغامرة نقدية لقصة "المهم الاّ تقرع الأجراس" قد لا تعطي هذا العمل قيمته الأدبية واكتفيت بالتعليق على هذه القصة بصورة بانورامية شاملة مع الإشارة إلى أزمة المثقف الفلسطيني وقضية الهوية القومية.
لقد نشرت مجلة الإصلاح في عددها الأخير (العدد 1، المجلد الثاني عشر، نيسان 2013) قصة للكاتب الطيراوي عدلي شبيطة بعنوان "المهم ألاّ تقرع الأجراس" ترجمة أمجد شبيطة. ولعله من المفارقة الغريبة أن يكتب المثقف العربي الفلسطيني مثل هذا النوع من القصص باللغة العبرية، ولا ندري ما السبب الحقيقي الذي جعله يتوجه لجمهور القراء الاسرائيلي الذي لا يعرف حقيقة تراثنا العربي، ولا يحسن فهم مضامين القصة العربية الذاتية إلاّ من خلال جدران المعاهد والجامعات.
على كل حال، لقد استفزتني هذه القصة السردية البيوغرافية بصورة صارخة، ربما لأننا لم نعد نقرأ مثل هذا النوع من القصص التي تثير وتحرك وتهز مشاعرنا، وربما لأننا نحن العرب ما زلنا نقبع تحت تأثير أزمة نفسية عصيبة تميزت بالقلق والتغير والفوضى، بفعل التغيرات السياسية والتطورات الاجتماعية التي طرأت على بنية المجتمع العربي في إسرائيل منذ النكبة الكبرى التي جثمت على صدور أبناء الشعب الفلسطين وحصرتهم في زاوية مظلمة لا يعلم شدة سوادها إلا الله، وربما لأننا ما زلنا نحاول الخروج من جوف هذا الليل المدلهم ومن ترسبات الماضي الموجع، آملين أن نبعث الأمل في القلوب والعقول من جديد.
يقدم كاتب هذه القصة سردًا واضحًا لمعالم التهجير التي طغت في فترة تعتبر ابلغ وأشد مراحل تاريخنا المعاصر قسوة، ولعل مصطلح النكبة أعجز من أن يصف قسوتها وبشاعتها. هذه الكارثة العظمى "النكبة" وإن اختلف فيها الباحثون وتعالت حول معالمها بعض الآراء، فإنها تبقى شاهدًا راسخًا على سياسة همجية وبربرية كان جلّ اهتمامها اقتلاع الإنسان العربي الفلسطيني من أرضه بحجج دينية قديمة واهية، وأيديولوجيات فكرية وهمية تبنتها جماعات صهيونية مسلحة لتحقيق مآرب استعمارية.
ونعتقد أن عدلي شبيطة في قصته "المهم الا تقرع الأجراس" قد وفق، بل نجح إلى حد كبير في رسم ملامح التجربة القاسية للنكبة التي شردته مع أهل قريته ليستشعر قساوة التهجير ومتاعب التغريب. وأنّ قراءة متأنية لهذه القصة البيوغرافية تكشف أنّ شبيطة قد تسلح بالكثير من الوسائل الفنية التي تلزم القاص المتمرس، ومما لا شك فيه أن إثارة هذه القضية في يوم إحياء الذكرى السنوية لنكبة الشعب الفلسطيني (1948) ، وسط أجواء مشحونة بأيدلوجيات حزبية وسياسية تتبنى أغلبها قضية الصراع العربي الإسرائيلي، إلى جانب التغيرات الثقافية والاجتماعية الحاصلة في بنية مجتمعنا العربي عامة تحتاج إلى جرأة كبيرة وتعامل واقعي، وجدية لا تهادن المجتمع الذي يعيش فيه الكاتب، وإن كان هذا المجتمع لا يزال تقليديًا.
"المهم ألاّ تقرع الأجراس" قصة عائلة أجبرت على ترك القرية عام 1948 عندما سمع الناس أن هناك مجموعات مسلحة صهيونية تقوم بقتل الرجال وترهيب النساء والأطفال وتهجير الناس من قراهم ومدنهم. تركت العائلة القرية على أمل الرجوع بعد انتهاء المعركة وتحقيق الانتصار المزعوم... وما تجدر الإشارة إليه، أن هذه القصة وإن اقتصرت على وصف لهجرة عائلة واحدة مشردة، فإنها يمكن أن تشكل تمثيلاً معقولاً ونموذجًا جيدًا يصلح لإبراز القضايا الهامة التي تشغل بال العديد من الباحثين والنقاد العرب المهتمين بتاريخ فلسطين عامة ، وبأحداث النكبة على وجه الخصوص.
هذه التجربة الأدبية السردية - البيوغرافية التي خاضها شبيطة، فيها من التحدي ما يوجب الالتفات وإعادة النظر في قراءة تاريخنا القديم/ الحديث، ومن ثم العمل على صياغة بنية اجتماعية جديدة تتناسب مع وجودنا كأقلية عربية وتطرح قضايانا المستقبلية في هذه البلاد. ومما لا شك فيه أنّ ضياع فلسطين عام 1948 وهزيمة العرب المهينة عام 1967 وضع المثقف الفلسطيني المهجّر في أزمة حضارية حادة أوقعته بين أمرين لا مجال لاختيار ثالث غيرهما: إما الخضوع وتقبل الأمر الواقع المؤلم الذي يشير إلى أن قرانا ومدننا المهجرة اختفت عن الوجود دون رجعة، وإما التشبث في الأرض والتأكيد على أحياء هذا اليوم في كل سنة كي لا ينسى الأبناء حقهم في العودة. ونثبت "للبناغرة" أنّ الكبار يموتون ولكن الصغار لا ينسون.
والعودة إلى أحداث القصة تبين أنّ الكاتب لا يقبل أن يرى مستقبله إلا بالعودة إلى قريته المهجرة التي أبت آثارها أن تمحى وبقيت شامخة صامدة أمام التحديات مدة تزيد عن الستين عامًا. وعلى الرغم من هذا الزخم في فوضى الحياة الصاخبة التي ما زالت أجراسها تقرع في أذنيه، بقيت هواجس شديدة الوقع تدفع به غير مستأذنة لتدخل بوابة الذكريات حيث جدته "المهووسة" التي ماتت دون أن تسقط مفتاح البيت من قبضتها، أبوه القلق والخائف الذي يحمل في كلماته كل المعاني الصادقة، الأم العاملة المطيعة لزوجها، الراعي أحمد الذي لم يفهم مغزى إزالة الأجراس عن أعناق البهائم. وأخيرًا عبس الكلب الذي شغل حيزًا هامًا في تطور أحداث القصة.
إنّ أكثر ما يلفت النظر من ناحية الأسلوب وتقنية اللغة في قصة "المهم الا تقرع الأجراس" هو المستوى اللغوي الذي مزج بين واقعية الكلمة وبين رمزيتها، بحيث ما نلبث أن نلمح المستوى الواقعي حتى يطفو على السطح المستوى الرمزي. نحن هنا امام لغة غادرت دلالاتها المعتادة وأخذت تلعب دورًا غير مألوف. فما الجدة إلا رمز لتاريخ فلسطين الصابرة القابضة على مفتاح العودة كمن يقبض على الجمر. وما الأب والأم إلا رمزان للتراث العربي الأصيل المثقل بأعباء الماضي، وما الراوي إلا ذاك الشاب التائه الحائر الذي لا يطيق الانكسار على عتبة المستقبل الغامض المجهول ولا يستطع أن يعود إلى الماضي المفتت. لم يتردد كثيرًا، عاد إلى الأطلال في قريته ليجد صديقه عبسًا مقتولاً؛ فدفنه في التراب ووضع فوق قبره خمس حبات من البرتقال لتكون شاهدًا على رفاته التي اختلطت بتراب الأرض. وما لبث أن رجع إلى حيث المسكن الجديد مثقلاً تعبًا، يجرجر أذيال الهزيمة ويتجرع مرارتها؛ كالأسير الذي حاول أن يعبر الحواجز دون أن يكسر القيود.
ولعل هذه القصة جاءت لتطرح حقيقة الأزمة الاجتماعية والسياسية التي مر بها المثقف العربي في إسرائيل والبقاء في دائرة الصراع النفسي الشديد، والبحث الاستحواذي لإيجاد السبيل من أجل تحقيق الذات وتثبيت الهوية القومية. ولا غرو في ذلك، فمنذ النكبة حتى أيامنا ما زال المثقف العربي يسعى ويبحث عن هوية قومية ضاعت منه في خضم الأزمات السياسية والاجتماعية القاسية التي عصفت به ... ولا بد لنا أن نعترف أنّ هذا الفشل المتكرر في امكانية وجود حل للصراع القومي أو ما عرف بالنزاع العربي الإسرائيلي على مدى تعدى الستين عامًا، أصاب الأمة العربية عامة والعرب الذين يعيشون في اسرائيل أو فلسطينيي الداخل بخاصة، بالإحباط والنكوص الفكري. مما جعلهم يبحثون عن بدائل تعيد لهم عزتهم وكرامتهم المسلوبة. ومن ناحية أخرى، أصبح في حكم المؤكد أنّ اندفاع المثقفين العرب نحو تثبيت هويتهم القومية قد أثقل كاهل المجتمع العربي في بلادنا بأيديولوجيات فكرية ودينية كان هدفها الأساسي، على الأغلب، هدفًا سياسيًا ... لم تتبن جميعها قضية الصراع الديني والفكري فحسب، بل تبنت قضية الصراع العربي الإسرائيلي بصورة خاصة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص