الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنتاجُ الفكري وضياعُهُ

عبدالله خليفة

2014 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


مثل أي إنتاج لا بد له من مادة الحياة، أي من مواد حقيقية، لكن ليس من مطاط وجلود ومياه بل من مشاعر وأفكار وتحليلات إبداعية.
ومثل الإنتاج المادي الإنتاج الثقافي ينحرف، ويصب في أسواق ناضبة من المشترين، ويتورم في إنتاج هزيل رغم المظاهر الخارجية الفاتنة والدعاية الخلابة.
الإنتاج الحقيقي والعميق والمتصل بجذور حالات الإنسان وقضاياه لا يجد له سوقاً مزدهرة؛ لأن المشترين يعيشون هم كذلك في حالات من الغربة والضياع عن الإنتاج الوطني، مهمشون أو فائضون عن الحاجة في أجهزة دول متضخمة في الثانوي، محدودة فيما هو جوهري وغائبة عما هو تصنيعي وتحويلي للتخلف، تشكل استقطابات بين الغنى والفقر، بين المدينة والقرية، بين المادة والثقافة.
ولهذا هم يتراكضون نحو هامشيات الحياة، نحو الماديات التي تهترئ، نحو أوقات التسلية المضيعة للعقل، وتصاب الروحيات بالجفاف واللامبالاة والهامشية واليأس والأحزان والأفراح الفارغة والضياع.
غياب الإنتاجيات الحقيقية في أي بلد يدفعه للأزمات، الذهب يذهب إلى الخارج، والعملة الوطنية تترنح وتتضخم أوراقها وتقل قيمتها، ويتكاثر الوسطاءُ البيروقراطيون الحكوميون وتجار العملة والأجهزة والخدم والتضخم.
في أزمنة الكفاح يجد المنتجون الثقافيون أنفسهم في حالة خصب إبداعي، فهنا توازن بين تحليل الحياة ومعرفة عناصر إنتاجها وقوى تغييرها، ووجود قراء ومشاهدين مشاركين يعتبرون هذا الإنتاج جزءًا من وجودهم الجماعي، ويغدو الشاعر صوت (القبيلة) الحديثة بنضالها ومآسيها وأفراحها، ويغدو القاص كاشفاً للنقاط السلبية والإيجابية في الناس والحياة، يقيم جدل التغيير، يحس القراء أنه بينهم، يراقبهم، يشاركهم، ينفعل بما يحدث لهم، يكشف لهم ما لم يروه، يساعدهم على التطور، يغذونه هم أيضاً بملاحظاتهم، ينفعلون لأخطائه، يصوبون صوره.
ويمكن أن يطير الإنتاج الثقافي نحو التجارب والابتكارات ليكشف مناطق جديدة، ودائماً هناك مشكلة القفزة عن مستوى المتلقين، فقد يتغربُ الإنتاجُ الثقافي، ويعجزُ الناسُ عن فهمه، ويعجز المنتجُ عن الوصول إلى المستهلكين، مثل مواد الإنتاج المادي من فواكه وأزهار وحرير، قد تؤخذ للحريق، ويتم أعدامها من أجل أن يبقى مستوى الأسعار عالياً رغم أن المنتج الثقافي بحاجة إلى أبسط أدوات العيش.
ويمكن كذلك أن يصير الإنتاج الثقافي منحرفاً عن طبيعته، طبيعة التلاقي البشري، وطبيعة التأثير وخلق الجمال في الحياة، فيصيرُ أمراضاً بدلاً من علاج وسمو ومتعة ونضال مشترك. الجمال في الثقافة يصبح القبح في الحياة الاجتماعية!
هنا تزدهر الأشكال الخارجية التي لا ترتبط بحقل منتج، تطلق أشباحاً تسبب الأمراض.
أغلب النقد لا يريد أن يتفاعل مع معارك الحياة، النقاد أغلبهم أساتذة جامعات وموظفون، يتطلعون إلى تحسين مستوى عيشهم وإلى الارتفاع في أجهزة الدول، ولهذا هم يبتكرون النقد الذي لا يكشف الصراعات الاجتماعية، والسياسية، والذي لا يتوغل في أمراض البشر، ويُنزلون على النصوص هياكلَ خارجية تفضي بهم إلى عدم قراءة الواقع ومصائبه ومشاركة الناس التغيير.
مثل ذلك مثل وعي الجامعات العام لا يقيم جدلاً مع البناء الإنتاجي ولا يكشف الهدر الاقتصادي فيه، فلا يريد أن يتعرض هنا لمساءلة الجهات المتحكمة في هذا الإنتاج المادي.
ومع عقم الثقافة يزدهر الجدب والمظاهر الخارجية الخلابة المحدودة المضامين، وتكثر الاستعراضات، والمنتج الذي فقد العلاقة مع الواقع، والذي لا يعني أن يركب «باصاً» ليدون ملاحظاته على التذاكر، بل أن يكشف المشكلات العميقة في الحياة، أي الأزمات الداخلية غير المرئية التي تحيل حياتهم حروباً وفقراً أو بذخاً على حساب المنتجين.
عقم الثقافة يتجسد في صعود التضخمات الروحانية والاستعراضات الصوفية وفي تفاقم كم الإنتاج على حساب كيفه أو غيابه تماماً وهو أمر يعكس فقدان الروح بسبب المادة وتوسع حبسها، ويؤدي لتيبس الكلمة، وعدم ارتعاشاتها بالصراع والتطورات وبالفضح والسخريات وتنوع أشكالها وغياب تجريبيتها النوعية المتغلغلة في حياة الجمهور ودينه وواقعه، في تأمله المفارق ومستنقعات حياته المغمورة بالدماء.
يغدو الإنتاجُ عاقراً حين يكون مرتبطاً بجهات عليا فاسدة أو بمصالح ذاتية متورمة، صادراً عن كليشيهات مسبقة، معدومة التحليلات الموضوعية، وعن فورمات ينتجها أقطاب المذهب، الديني أو السياسي أو الأدبي، أو الفني، أو تحدث بسبب متابعة الموضات المفيدة تجارياً، والتي يتلبسُ بها ادعاءات العملقة والابتكارات المذهلة وهي خاوية.
موجات الثقافة السياسية والأدبية المتصاعدة المتراكمة النمو تتعلق بمدى جرأتها في تحليل الواقع ونقده، وهو الشرط الحاسم في بقاء الكلام أو اندثاره، فإذا تلكأت أو تراجعت يتضح ذلك في النتاج المتكرر العقيم.
ولعل التطرف ومحدودية الثقافة وعدم القراءة الواسعة هي التي تجعل الكتاب والمبدعين ينضبون من دون أن تتفتق عقولهم عن ابتكاراتٍ ومواقف وتجسيدات ذات ذكاء تجمع بين تأصلهم واستفاداتهم من نتاجهم ومن ارتفاع مكانتهم.
وهذا يحدث حين يجدون صيغاً ذكية، فيها الطموحات الشخصية والالتزام بتعرية الواقع الفاسد، والابتكارات الفنية التي تغدو ذات شعبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفكرة
رائد الحواري ( 2014 / 4 / 27 - 17:40 )
انت تقدم اهم مشكلةيعاني منها العرب بطريقة سهلة، يمكن لاي منا ان يثار، وهنا يكمن اهمية اسلوبك في طرح الفكرة،


2 - الفكرة
رائد الحواري ( 2014 / 4 / 27 - 17:40 )
انت تقدم اهم مشكلةيعاني منها العرب بطريقة سهلة، يمكن لاي منا ان يثار، وهنا يكمن اهمية اسلوبك في طرح الفكرة،

اخر الافلام

.. غانتس يهدد بانسحاب حزبه من حكومة الائتلاف ما لم يصادق نتانيا


.. مراسلتنا: استهداف موقع الرمثا الإسرائيلي في مزارع شبعا |#الظ




.. السعودية تشترط مسارا واضحا نحو إقامة دولة فلسطينية مقابل الت


.. الجيش الإسرائيلي يواصل تصعيده ضد محافظات رفح والوسطى وغزة وا




.. إلى ماذا تؤشر عمليات المقاومة في رفح مستقبلا؟