الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحالف -الاشتراكيين الثوريين- مع الإخوان: مأساة أم مهزلة؟

شريف يونس

2005 / 7 / 16
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


أثار تحالف مجموعة تطلق على نفسها "الاشتراكيون الثوريون" مع الإخوان ضجة إعلامية وانزعاجا سياسيا، وترك انطباعات سيئة عن اليسار ككل فى أوساط ليبرالية ونسوية ومسيحية، وغيرهم من الفئات المضطهدة، أدهشها هذا الموقف بقدر ما أزعجها.

وبداية على اليسار أن يؤكد لكل الليبراليين وأنصار الحرية أن هذا الموقف لا يمثل سوى جماعة محدودة من اليسار، لا يميزها اتساع نفوذها وإنما علو صوتها. لقد تشكلت هذه الجماعة فى أوساط الجامعة الأمريكية فى البداية، وحملت ربما بحكم نشأتها هذه تراثا خاصا، جعل منها من جهة شلة معينة لها عادات وتقاليد بعينها، ومجتمعها الخاص المعزول إلى حد كبير عن أوساط اليسار، وعن العمال وكل الفئات الكادحة، فضلا عن تأثر بالميل القومى الذى يركز ينطلق من قضية البحث عن هوية محلية مفتقدة بفعل انعزال مجتمع الجامعة الأمريكية إلى حد كبير، والذى يؤثر على قطاعات واسعة من طلابه ويدفعهم لتبنى أفكار الهوية العربية أو الإسلامية كرد فعل لشعور بالاغتراب.

وبرغم أن هذه الجماعة فى البداية لم تتجه وجهة قومية مباشرة، بل اعتبرت نفسها جزءا من حركة اشتراكية دولية، فإنها بنمطها الانعزالى، سواء فى النشأة أو بعدها، مالت تدريجيا إلى تبنى استراتيجيات التحالف مع القوميين أو الإسلاميين، بحس النخبة المعزولة التى تبحث عن "رافعة للتقدم"، وهكذا امتلأ سجلها بنشاطات قومية، بينما خلا سجلها من نضالات طبقية. وبرغم أن الجماعة فى تطورها نجحت فى ضم عناصر أخرى من اليسار، فإن نجاحاتها كانت محدودة فى ذلك إلى حد كبير، واعتمدت أساسا على جذب العناصر الأكثر سخطا على الأوضاع السيئة لليسار الباحثة عن نظرية شاملة وجذرية، تتيح إدانة الماضى اليسارى بأكمله.

وللأسف لا نستطيع أن نقول أن هذا التشكيل بهذه التوجهات فريد من نوعه فى تاريخ اليسار. ففى 1950 تشكل داخل الحركة الشيوعية تنظيم اعتبر نفسه متشددا، وأطلق على نفسه "الحزب الشيوعى المصرى"، باعتباره فى نظر أعضائه يضم الشيوعيين الوحيدين الذين يستحقون هذا الاسم. أما بقية الشيوعيين (الغالبية الساحقة)، فأطلقت عليه "الراية"، نسبة للمجلة السرية التى كان يصدرها. ومثل الاشتراكيين الثوريين، تشكل حول شخصين جاءا من فرنسا بأفكار جذرية تطالب بثورة اشتراكية، هما إسماعيل صبرى عبد اللـه وفؤاد مرسى. وتوسع التنظيم عن طريق الأعضاء الساخطين فى تنظيم حدتو الكبير الذين ساءتهم كثرة الانشقاقات، وعزوا كل مشاكل الحركة لغياب نظرية مستقيمة واضحة وجذرية. كما ضم عديدا من العناصر من الفئات الاجتماعية العليا المغتربة الباحثة عن انتماء. وقد ظلت "الراية" تيارا أقلويا فى الحركة الشيوعية حتى حل الأحزاب الشيوعية عام 1965. وبالمثل، تحالف هذا التيار مع "النظام الخاص" لحركة الإخوان، وقاما بنشاط مشترك ضد حكم الضباط الأحرار عام 1954، بينما تحالفت التنظيمات الشيوعية الأخرى مع الوفد والطليعة الوفدية.

وبصفة عامة يمكن الربط بين وجود مجموعة معزولة اجتماعيا وسياسيا فى أوساط اليسار، وبين الميل إلى تبنى شعارات جذرية، تفضى فى نفس الوقت، بسبب العزلة، فى التطبيق العملى إلى تصورات شعبوية، وبالتالى إلى تحالفات مع الاتجاهات القوموية والإسلامية السلطوية المحافظة بحثا عن شرعية أوسع، وتلاحقها التنظيرات التى تجعل من الإخوان وغيرهم من الاتجاهات السلطوية حربة الديمقراطية، وأوهام حول إمكان تحويل هذه التنظيمات من داخلها، أو إحداث انشقاق بها، أو ببساطة تعليق الآمال عليها فى نقل البلاد لأوضاع أفضل. وتصبح الجذرية هى القوموية بعينها، ويصبح بالتالى معيارها هو معاداة "الإمبريالية"، والطبقة الحاكمة، لا باعتبارها مستغلة، ولكن باعتبارها حلفاء الإمبريالية المحليين.

يقول هيجل أن الأحداث تتكرر أحيانا فى التاريخ مرتين. وأضاف ماركس أنها فى المرة الأولى تكون مأساة، وفى الأخيرة مهزلة. كانت المهزلة واضحة فى التحالف الأخير.. فشهد الجمهور تجاهلا واحتقارا متعمدا من قبل نائب مرشد الإخوان لممثل الاشتراكيين الثوريين على منصة التحالف فى نقابة الصحفيين، الذى وصل إلى منحه الكلمة بعد القاعة، ومقاطعته ومنعه من إكمالها، دون أن يبدى أى رد فعل. أما الجانب المأسوى من المهزلة، فهو الهوان الذى أصاب رشاشه اليسار عموما.. فعادة ما يحسب الإخوان وغيرهم من التيارات السلطوية حسابا كبيرا لممثلى اليسار، ولو كانوا أقلية، لما لهم من قدرة على المواجهة، وإثارة القضايا المسكوت عنها، والاهتمام بمخاطبة الرأى العام، قبل اتفاقات الغرف المغلقة. وسوف يحتاج الأمر مجهودا مضاعفا لتذكير الإخوان مرة أخرى أن مثل هذه التصرفات مع اليسار مكلفة.

غير أن المسألة لا تقتصر فى الواقع على ما حدث على المنصة، بل تمتد إلى شكل التحالف نفسه. لا يمكن أن يقوم تحالف على أسس محترمة بين "قوتين سياسيتين" – إن جاز التعبير بالنسبة للاشتراكيين الثوريين – تكون النسبة بينهما فى العضوية واحد إلى عشرة آلاف على أقل تقدير. ويفوق فارق الانتشار الجغرافى، والموارد المالية والاجتماعية بينهما هذه النسبة. المسألة فى الواقع أن الإخوان بحثا عن شرعية غير مشروطة تتيح لهم تنفيذ برنامج أبعد ما يكون عن الديمقراطية تحت شعارات ديمقراطية يحاولون الحصول على تمثيل رمزى لقوى هامشية تبعد عنهم تهمة الطائفية والعزلة عن بقية تيارات المجتمع المدنى. وفى سبيل هذا يوظفون أناسا معزولين مثل رفيق حبيب (المعزول فى طائفته نفسها) ليكون ممثلا لمسيحيى مصر.. وهو ما ينطبق بحذافيره على هذه المجموعة المحدودة من اليساريين. فكل منهم لا يلعب موضوعيا دورا أكثر من دور "حلية" على صدر الإخوان؛ ذريعة للتظاهر بأنهم قوة مدنية ديمقراطية قابلة للتعاون حتى مع الشيوعيين المتطرفين مثلا، أو المسيحيين.

وقد سبق لمجلة البوصلة أن نشرت موقفا أكثر توازنا من الإخوان قبل وقوع هذه الأحداث، فلم تتخذ من الإخوان موقفا عدائيا مطلقا يطالب بتصفيتهم تماما مثلا، بل أوضحت أن ثمة إمكانية وفائدة فى إدماج الإخوان فى نظام سياسى ديمقراطى، شرط أن يكون ديمقراطيا بالفعل، لا على غرار ديمقراطية الإخوان الاستبدادية على طريقة القرآن دستورنا. غير أن تحقيق ذلك لن يكون ممكنا بغير نمو القوى الديمقراطية نفسها على اختلافها، وفرض إيقاعها الخاص فى الحياة العامة.. وهى المهمة الأولى والأساسية على عاتق جميع الفصائل الديمقراطية.

أما بالنسبة لليسار، فلا شفاء له من هذه الميول الشعبوية، ما لم يسع إلى بناء قواعد حقيقية له بين قوى المجتمع الحية، بدلا من تبنى آخر صيحة من الشعارات "الشغالة" بين قطاعات المعارضة، وإيهام النفس بنصر تأتى به "ظروف التجذر الموضوعية".

القضية يطول شرحها.. ولكن التنصل من هذا الحدث بدا لى واجبا الآن.. تجاه كل القوى الديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب يطالبون


.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين يطالبون بإسقاط نتن




.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين يطالبون بإسقاط نتن


.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية وأهالي الرهائن المتظاهرين




.. علاقة إيران والبوليساريو.. بدايات التضامن والدعم