الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة الشرعية ونخب الميتافيزيقيا

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2014 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


تنتمى أغلب النخب، منذ السادات ومبارك، إلى المعارضة الشرعية، وهى النخب المصنوعة من بعض المثقفين والكتاب والأدباء وبعض رجال الدين والفقه والقانون، وبعض أساتذة الجامعات والأكاديميين، الذين لا يستمدون المعرفة من حياتهم الحية بين الناس بل من نظريات الكتب والمفكرين الأجانب.


إنها النخب العاجزة عن تحريك أى ثورة فكرية أو ثقافية فى مصر، لكنها قادرة دائماً على القفز على أى ثورة شعبية وإجهاضها.


قام الشعب المصرى بعدة ثورات فى التاريخ، كانت فى أغلبها مؤقتة، تهب وتنطفئ (بسبب غياب القيادة الفكرية الثورية) تنتهى بكتابة دستور وانتخاب رئيس وبرلمان جديد، قد يكون أسوأ من السابق، كما حدث بعد ثورة يناير ٢٠١١.


لم تمس الثورات صلب النظام الفكرى، وهو حجر الأساس الذى يقوم عليه الحكم. عجزت الثورات المصرية عن إسقاط النظام، وإن نجحت فى تغيير الرئيس أو الحكومة أو الدستور، لكنه يظل تغييراً سطحياً، لا يمس الحجر الأساسى للنظام، وهو الفكر والقيم الاجتماعية الثقافية والأخلاقية، ولهذا تجهض الثورات (بسهولة) بالحكومات الثورية التى تأتى من بعدها.


أما الذين ماتوا فى الثورات وأريقت دماؤهم فلا ينالون إلا النسيان، والأحياء منهم يتم حبسهم أو مطاردتهم، حتى يهب أولادهم وبناتهم وأحفادهم فى ثورات مؤقتة يتم إجهاضها أيضاً، طالما أنها لم تمس الفكر والقيم والثقافة.


تلعب وزارات التعليم والثقافة والإعلام دوراً كبيراً فى تثبيت الفكر الحاكم المتحكم فى عقول الملايين، ومنهم النخب بالطبع، ولهذا نرى أستاذات بالجامعة محجبات ومنتقبات، وعمداء وأطباء يؤيدون الأحزاب السلفية، وأدباء وعلماء يروجون للدولة الدينية.

السؤال يظل بلا جواب: أين الشباب الذين قاموا بثورة يناير ٢٠١١ وأسقطوا حكم مبارك بعد ثلاثين عاماً من الاستبداد؟ وأين الشباب الفدائى الذين حاربوا الإنجليز فى القنال ومهدوا لقيام ثورة يوليو ١٩٥٢ وإسقاط الحكم الملكى الفاسد؟

كنت طالبة فى كلية الطب حينئذ، وكان لى زملاء سافروا إلى جبهة الحرب فى القنال، كتائب الشباب الفدائية تم تنظيمها وتدريبها بواسطة حكومة فؤاد سراج الدين باشا، التى خدعت الشباب وصورت لهم (عن طريق النخب من الصحفيين والأدباء والشعراء وقيادات الأحزاب) أنها حكومة وطنية جادة فى حربها ضد الاستعمار البريطانى، دفعت هذه النخب (مع الحكومة) الشباب الوطنى إلى الحرب، ثم عقدت الصفقات من وراء ظهرهم مع جيش الاحتلال، ضحت الحكومة ونخبها كعادتهم بالشباب الفدائى الوطنى، مات منهم من مات برصاص الإنجليز وبعضهم (الذين عادوا أحياء) تعرض للسجن والمطاردة من البوليس.

أغلب هذه النخب تعاونت مع الحكومات (تحت اسم المعارضة) ضد الشعب المصرى على مدى العقود، كما حدث مع الحكومات المتعاقبة بعد ثورة يناير ٢٠١١، التى صورها أغلب المثقفين والأحزاب على أنها حكومات ثورية، وهى تعمل على إجهاض الثورة بطرق مختلفة، منها قتل الشباب الثورى فى الشوارع، أو حبسهم، أو تشويه سمعتهم، واعتبارهم بلطجية، يسعون إلى هدم الدولة.


أراقت نخب المثقفين الكثير من الحبر على الورق، والكلمات الرنانة فى الفضائيات، عن البلطجية الذين يهدمون الدولة، حتى بدأ الشعب نفسه يتبرأ من ثورته وشبابها وشاباتها.


■ بعد نشر مقالى فى (٢١ إبريل ٢٠١٤) بعنوان عبودية القرن الواحد والعشرين، جاءنى صوت أحد أساتذة النخبة يقول:

أختلف معك تماماً فى أن مشكلة الفقر والفساد ناتجة عن النظم السياسية والاقتصادية، المشكلة فى الإنسان، فهو مخلوق ناقص تتحكم فيه الغرائز والشهوات، مثل الأكل والجنس والمال والسلطة، وعلى مدى التاريخ فشلت كل النظم السياسية فى تحقيق السعادة والعدالة ، قانون القوة يحكم، وسوف يحكم إلى الأبد، فالمشكلة ميتافيزيقية يا دكتورة.

يعنى إيه ميتافيزيقية يا أستاذ؟
ميتافيزيقية يعنى ميتافيزيقية يا دكتورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الغباء
السودانى الحائر ( 2014 / 4 / 28 - 23:02 )
الغباء هو ان تكرر ذات الشئ وبنفس الادوات وتنتظر نتائج مختلفه....احبك يادكتوره.....اتمنى ان يطول بك العمر حتى تشهدى ثمرات التنوير التى زرعتيها فى مجتمعك..شكرا


2 - المعارضة
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 4 / 28 - 23:42 )

لا يمكن للتغيير أن يتم إلا بتغيير العقليات . وما دام التغيير لا يتم بين عشية وضحاها إذن فالأمور سوف تظل كما هي . إن التغيير الجذري في العالم العربي من الصعب تحقيقه لأن العقلية العربية لازالت تمتح من الموروث الثقافي ومنه الدين طبعا . فتحقيق الدولة المدنية الحديثة لا يتم إلا بالعلمانية وهذه العلمانية ليس معناها تهميش الدين لأن الدين لا يمكن تهميشه على الإطلاق وإنما وضعه في مكانه المناسب . فالغرب مثلا في العصور المظلمة كان يعاني من نفس المشكلة التي نحن الآن بصددها بحيث كان الأساقفة هم من يوجه الملكيات القديمة التي كانت مستبدة وتمنع الحرية عن الناس لكي تفكر كما تشاء وبحرية تامة وكان التآمر على الشعوب بين الكنيسة والدولة مسألة ثابتة


3 - المعارضة
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 4 / 28 - 23:44 )
وبخروج الأحرار عن التفكير الديني وكشف الحقائق العلمية جعل بعض المفكرين يتعرضون للقتل والإعدام . وكانت الكنيسة تبيع صكوك الغفران كما يحدث عندنا اليوم حيث صارت مفاتيح الجنة بيد الشيوخ . وكانت الحروب الصليبية التي أشعلتها الأفكار الفاشية بين شعوب تختلف في الديانات . كل ذلك تنبهت له الشعوب في الغرب بواسطة مفكريها وعلمائها الأحرار ووقعت ثورات جاءت بعصر ما سمي بالأنوار وأصبحت الشعوب الغربية حرة . بعد أن إستفاذت من الأخطاء والجرائم في حق المفكرين الأحرار . وظهرت كوكبة واسعة من الأدباء والمفكرين والشعراء غيرت مجرى عقلية الشعوب . وتم وضع الدين في مكانه الصحيح بفصله عن السياسة واختفت النواعر والفتن من هذه المجتمعات . وأطلقت الحريات وأصبح الإنسان متحررا . ومع ذلك لم تختف الأديان بل
حافظت على أتباعها الذين باتت عقليتهم تساير التغيير وأصبح الإنسان الغربي حرا في اعتناق ما يريد دون أن يفقد احترامه ومكانته ومواطنته وكرامته وحريته . فانتشرت روح التسامح واحترام الرأي الآخر حتى ولو كان خاطئا . ذلك ما سنصل نحن العرب إليه أيضا لكن بعد تسديد فاتورة التحرير هذه حتمية تاريخية .

اخر الافلام

.. أبرز القضايا التي تصدرت المناظرة بين بايدن وترامب


.. الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه ترامب يتبادلان الاتهامات بع




.. هل يتنحى بايدن؟ وأبرز البدلاء المحتملين


.. توثيق اشتباكات عنيفة في رفح جنوبي قطاع غزة




.. آيزنكوت: يجب على كل الذين أخفقوا في صد هجوم السابع من أكتوبر