الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بداياتُ الديمقراطيةِ وتصحيحها

عبدالله خليفة

2014 / 4 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


شهدت بعضُ البلدان العربية انتخابات بشكلٍ متقاربٍ في مشهد يوحي بأن عملية الديمقراطية تزدهر في عالمنا الذي تكلس طويلاً.
لكن ترافق هذا مع مشكلاتٍ وصراعاتٍ حادة بل مع عنف لم تعرفه بعض هذه البلدان أثناء الحياة السلمية الهادئة الطويلة.
شهدنا تراجعات في نسبِ المشاركين وحدث ذلك بشكلٍ مقلق، فالفرحُ القديمُ والانتعاشُ السياسي الجماهيري اختفى، وغدتْ العملياتُ روتينية، وكأنها أجزاءٌ من سيرِ الآلةِ البيروقراطية، وذهبت جماهير غفيرةٌ في بعض البلدان إلى السياحة والإجازة مستفيدة من (العرس) الديمقراطي للسياحة والنزهة!
من الواضح إن ثمة أحساساً بالخيبة لدى هذه الجماهير العربية وكأنها تصورتْ أن صناديقَ الانتخابات صناديقٌ سحريةٌ تقوم بالتغيير وإنتاج مطر صناعي سياسي يغدق عليها الخيرات.
لا شك أن الدعايات المصاحبة لهذه الانتخابات المصَّورة لها كإنقاذٍ شعبي، وكعمليةٍ خيرية مجانية، أو كأنها إحسان سياسي يُقدم لها على طبق من ذهب لعبت دوراً كبيراً في ذلك، ولم تدرك أن المسألةَ محفوفةٌ بصراعاتٍ هائلة وأن الوعي المتكلس لدى هذه الجماهير هو السببُ الرئيسي في ضياع الأصوات، وفي جمود الديمقراطيات الأولية، وعدم حصول تقدم معيشي لها.
هناك عدم دراية بالكتل وجذورها، وعدم وعي بالأحزاب، وعدم فهم طبيعة العصرين الديني والحديث، وعدم معرفة لما تعنيه كلمة كتلة أو مجموعة من دور متعدد مركب، فالناخب الذي يتقدم لا يعرف السياسة ومطلوب منه أن يشارك في عمليةٍ سياسيةٍ معقدة صعبة.
ولهذا فإن الناخبين يغدون أدوات لكتلٍ وجماعات تخدرها وتقودها لمصالحها.
أغلبية الناس تريد قوى قريبة لجذورها العقدية والمذهبية ولمصالحها متصورة الوحدة بينها، ولا تعرف طبيعة هذه المذهبية أو القبلية التي عاشت عليها طوال حياتها. فلم تقم العمليات السياسية الفكرية بتنوير وتغيير حال الجماهير فجأة مطلوب منها أن تقرر!
في حين أن المسألة السياسية مختلفة ومرتبطة بمصالح اقتصادية، وبعيش الجمهور وأجوره ومؤسساته الاقتصادية وحين يخيب أمله في هذه الجماعات يرجعها لعدم تطبيق المذهبية الأمينة أو لعدم مراعاة الذمة لدى قادة العشائر.
لكن المسألة تعود لتقليدية الوعي السياسي لدى هؤلاء الناخبين ولدى هؤلاء المنتخبين وتمثيلهم شرائح ضيقة في المجتمع وعدم تعبيرهم عن القوى الاجتماعية الأساسية في كل بلد، ولهذا فهم ليست لهم دراية بالاقتصاد الحديث، ويتركز انشغالهم بالروحانيات أو بالحياة العادية السطحية وليس لهم معرفة بالعلوم المدعمة لتطور السياسة، أي بعلوم كشف الإفقار وبأسباب تدهور الأرياف الاقتصادي وعجز البوادي عن التنمية وكيفية تكوين المدن الحديثة الصناعية التجارية في عصر العولمة واقتصاديات السوق الكونية الآن.
إن الجمهور البسيط الذي لم يُستوعب ثقافة سياسية يُجر لمهمات فوق مستوى وعيه، لأغراض سياسية عديدة مختلفة ومتداخلة، وتُقدم له كتل في حدود شعائره الدينية وانتمائاته القبلية، ويجد أن من واجبه الديني أن يصوت، وأن من واجبه الوطني أن يدعم التطور السياسي السائد بين قبيلته ومذهبه، وهذا وعي مغايرٌ تماماً للديمقراطية!
اتضح ان الانتماءات القبلية والعائلية المتنفذة والطبقية الاستغلالية والمذهبية السياسية هي السائدة الناجحة في المجالس المنتخبة يأتي بعدها تجارٌ وسياسيون مغايرون قليلون.
وتعكس هذه التقسيمات استمرار التخلف الاجتماعي السياسي، وسيطرة الأرياف والبوادي على المدن المُهَّمشة والقليلة التصويت واليائسة من هذه المجالس المحددة سلفاً بتقاسم السلطة التشريعية بين ممثلي القبائل والمذاهب!
أي أن القضايا الكبرى من تطوير الاقتصاد ومن نشر التحديث والعلاقات الديمقراطية في المؤسسات والحياة الأسرية وفي الثقافة سوف تُجمدُ لوقتٍ لاحق.
أي أن عمليات الحشد القبلية والطائفية هي الآلياتُ الكبرى في مثل هذه الديمقراطية، والجمهورُ ينتخبُ للزعيم القبلي وللقائد الديني وليس للنواب.
قد تكون إحدى المشكلات الكبيرة الناتجة من ذلك هي تهديد الخرائط الوطنية، وتكوين قوى متضادة، تنزعُ للاهتمام بمناطقها وعزلها عن خريطةِ الإصلاحات الديمقراطية الوطنية العامة، ومن أجلِ تكريسِ نفوذِ تلك القيادات السالفة الذكر، وبالتالي لن يكون لهؤلاء النواب من قدرةٍ تحليلية سياسية على الاهتمام بقضايا الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
أي أن المشكلةَ المحورية من هذه الديمقراطية الأولية العربية هي تكثيرُ السلطاتِ وتنازعُ إختصاصاتها، وتوجهها لما هو ثانوي ومناطقي، وعدم قدرتها على مقاربة مصالح الطبقة الوسطى وظروف الطبقة العاملة لتشكيلِ عملية التحديث الديمقراطية في الاقتصاد وفي الحريات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وهي المهمات العالمية الديمقراطية الموحدة وما عداها ضياع وخراب، وهي العمليةُ التي تسهمُ في تعميقِِ الديمقراطية بينما تشتيتُ السلطاتِ على قوى قبائلية وطائفية ليس من شأنه سوى تضييع الأموال العامة وتحول الإقطاعيين الكثيرين إلى أصحابِ نفوذٍ معرقل لتقدم الديمقراطية مستقبلاً والعودة للوراء.
إنه صراعُ الفسيفساء الأهلية العربية المتخلفة، وهذا هو مستوى أغلبية الجمهور العربي الذي يصوتُ مدفوعاً ومنجراً والورقة الانتخابية لم تصلْ بعد إلى قرارهِ الحر وتطوره العقلاني الديمقراطي التحديثي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غانتس يهدد بانسحاب حزبه من حكومة الائتلاف ما لم يصادق نتانيا


.. مراسلتنا: استهداف موقع الرمثا الإسرائيلي في مزارع شبعا |#الظ




.. السعودية تشترط مسارا واضحا نحو إقامة دولة فلسطينية مقابل الت


.. الجيش الإسرائيلي يواصل تصعيده ضد محافظات رفح والوسطى وغزة وا




.. إلى ماذا تؤشر عمليات المقاومة في رفح مستقبلا؟