الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا مجال لاستجلاب الهزائم إلى المعركة

سماح هدايا

2014 / 4 / 28
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لعل المثير للشّك، في سلامة النية والهدف، هذا التناقض الصارخ في مواقف الذين يدعون تمثيل مشروع الحرية والثورة....فالجميع يتغنّون بحب سوريا؛ لكنّهم، بنتائج أفعالهم وخطابهم، يجعلون سوريا مسخا ذليلا،. سوريا الفتنة المتواصلة سوريا المتردية باستمرار. سوريا التشرذم والانقسام؛ لكي يعيدوا رسمها على شاكلة مصالحهم.
عندما يخطبون في الحرية والوطنية أبلغ اللفظ، ثم يدوسون بأقدامهم مشروع الحريّة. لينفذوّا ما ينفع مصالحهم ويحفظ مكاسبهم، بعيدا عن استحقاق الحرية والثورة. يثير موقفهم ألف سؤال في نزاهتهم الوطنيّة، وجدارتهم الأخلاقية والسياسية في تمثيل مشروع الحرية والثورة وتمثّله، خصوصا، عندما يتعمّق في أدائهم الإشكال المستمر حول مصداقيّة دماء الشعب، إن كانت من أجل مشروع الحرية أو هي دم سلفي إرهابي وإسلام سياسي؛ ليتحوّل إلى أداة لتطويع الثورة وهز مشروعيتها.
هؤلاء الممثلون، لم يقدموا للشعب السوري خيارات وبدائل منطقية لحلول تنقذه؛ لأنهم خارج الثورة ومعركة الحرية. الثورة لا تنتظر أحدا من خارجها ليدفع أجنحتها في الريح نحو النصر؛ فهي التي تدفع الريح بقوادم إرادتها، وتدفع الخارج والداخل ليلحق بها...ومادام الشّعب السوري قد أعلن سوريا ثورة وتحررا وصمودا حتى النصر؛ فالثورة يجب أن تبني البدائل، ويجب قبلها أن تهز مضاجع العقول ومعاقل كل الرؤى السياسية السورية التي تصدّعت بفعل الجمود والرّكود والفساد. على الثورة أن تنفض سوريا كلّها: في الدّاخل والخارج. وفي كل المواقع.
حتى المعتقدات والاعتقادات تتغيّر. ولا تبقى إلا المبادىء العليا وروح السعي لنيل الحقوق. ومن الخطيئة ألا أن نقرأ التّغييرات بتطوّر مستمر، لنرى الدلالات الجديدة وسط التنافس والنزاع والصراع وتطوّر حركة الزمن في المستجدات والمطالب والاحتياجات الطارئة واستحقاقاتها. قد أخطأت المعارضات السوريّة فهم الواقع في خضم الثورة وكفاح الحرية ولم تنجح في دعم مطالب الحرية والتحرر؛ لأنها منسلخة عن هذا المسار بحكم الجهل والبعد والعصبيّات المختلفة والولاءات المتعددة.
الثورة هي التي أوجدت أسماء كثيرين، لكنْ، لم يتحرك إلى معركة الثورة إلا قلة، وظل الأغلب في إطار المقايضات وتقاسم المصالح وتصدّر الواجهات. ولذلك من الطبيعي أن تنقلب الأمور ويصبح للثورة ثقلها التمثيلي الأكبر والأشد حضورا وفعلا تمركزا في الصوت العسكري؛ فيحتل المقاتلون على الأرض الموقع الحاسم الناهي والآمر، بينما كان المفترض أن يكون للسياسيين دور القيادة والتخطيط والإرشاد، لا دور التقسيم والفوضى والتحيّز ضد الإرادة الشعبيّة ودور شراء الولاءات العسكرية لمصالح ضيقة وتبعيات مخلة بالنزاهة الوطنيّة. مجرد حجارة شطرنج على رقعة المصالح والولاءات، خارج استحقاق المعركة الثّوريّة، بعيدا عن الكفاح اليومي للّثورة.
الآن لم يعد من مفر أمام الخيار والحسم.. إما التّقاعد والسقوط، وإما المبادرة والنضال للخروج من المتاهة والمأساة. وبالنتيجة يصبح لازما تجديد الخطاب الثوري وإحياء ضميره الجمعي، من أجل مواكبة التّغيير والخلاص من الحصار.
لا مجال لاستجلاب هزائمنا السابقة والحاضرة ؛ الشخصية والجماعاتيّة وتطويع الثورة لها. الأحزاب والعقول والإرادات تموت عندما لا تطوّر نفسها بتجارب وطنية حقيقيّة ناضجة ونزيهة وتستفيد من الأخطاء وتترفّع عن الصغائر والمطالب الدنيا. وحين يسبقها الشعب في التغيير؛ ستتحوّل إلى عثرات ومعوّقات في المشروع الوطني التحرري.. تمارس العطالة وتعيد تكتل الشلل والمحسوبيات ولا تتقن تصنيف الأولويات إلا بما يخدم مصالحها الآنية والجزئية الخارجة عن السياق الوطني.
الصراع في سوريا أصبح في دائرة الصراع الدولي وضمن لعبة كبرى. روسيا وإيران وإسرائيل، وحلفاء كل طرف، يقفون عثرة في وجه إسقاط النظام الطاغي المستبد. ووضع كهذا الوضع المعقّد، يجعل المهمة السياسية لحماية حقوق الشعب السوري وإنقاذه، في غاية الخطورة وذروة المسؤولية التاريحية، لكي تقوم بأداء سياسي وطني مهم وخطير. الوطن ليس تقاسم ولاءات لجهة دولية أو أخرى. أو لوجهة سياسية أو أخرى، بل العمل وفق مصلحة الوطن.
تنحرك أمريكا وروسيا وإيران في حرب بين باردة وساخنة. السعودية ودول الخليج في مراوحة بين المصالح والولاءات..وسوريا مجرد قربان ورقعة شطرنج. وفي الوقت الذي تتخبّط فيه أمريكا مواجهة تراجعا في قوتها المهيمنة على المنطقة، ترفض روسيا أن تخسر ورقة سوريا، لكي تضغط على أمريكا وتقص مشروع هيمنتها وتوسعها. وإيران تتحرك على هوامش الجميع لفرض مشروعها. صراع الأقطاب هذا يمكن استغلاله لصالح الثورة السورية عند وجود عقلاء وسياسيين سوريين جادين يتوحدون وطنيّا ليحسنوا قيادة المرحلة السياسية للثورة السّوريّة ولتحرير سوريا؛ من دون إقحامها في صفقات سياسية مضطربة وخاسرة وغير مدروسة وطنيا، تساوم على الدم السوري.
إن عدو الأمس قد يصبح حليفا بشروط. وحالة الفوضى الآن مثالية لتوجيه الدّفة نحو سياسة ناضجة وطنيّاً، تخدم توجهات الثورة السورية وتدعم الشعب السوري من دون الغرق في خدمة الصراعات الدوليّة في المنطقة. إن الضعف المؤسساتي الموروث من دولنا الاستبدادية وعقلية الاستبداد، تترك المعارضة والقيادات عاجزة عن البناء المؤسساتي للفكر والثورة وتنفيذ الرؤى الوطنيّة. لكن، العمل المؤسساتي الناضج المتعاون يجب أن يصبح على رأس قائمة التشكيلات والمعارضات وفصائل السياسيين والعسكريين.
الجهاد هو الداعم الأساسي للثورة ومشروع التحرر. والتقاعس في عملية تسليحه وتوحيد أهدافه وأعماله، يعني الهزيمة أمام نظام الأسد، وانتظار التدخل العسكري من الخارج ومن قوات أجنبيّة طامعة ، ويعني التواطؤ على الكرامة الوطنيّة ودماء الضحايا. الشعب يتلقّى الموت اليومي المروّع. المعركة والموت يصنعان الرجال والأبطال والقيادات. الشعب والحرية يريدان رجالا لا أشباه رجال. يريدان قيادة سياسية منظّمة ناضجة وطنية...أما التسويات ومخاطبة العالم بخنوع وتبعية؛ فلن يكون لها مستقبل.

د. سماح هدايا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري


.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج


.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي