الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول مقالة متى يكون الغرب آمناً؟

نور الدين بدران

2005 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


جميع محاولات تصنيف الإرهاب ومنحه هوية ما، باءت بالفشل، وكما سقط مفهوم الإرهاب اليساري والإرهاب اليميني، سقط مفهوم الإرهاب الإسلامي والإرهاب غير الإسلامي، فالإرهاب هو الإرهاب، هو قتل أو ترويع أو أذى المدنيين والأبرياء لأهداف خاصة سياسية أو غير سياسية، والمسلم أو المسيحي أو البوذي إلخ الذي يقوم بالإرهاب لا يطبع عقيدته بهذا الطابع وإلا كانت جميع العقائد إرهابية، لأن قادة الإرهاب العالمي من جميع العقائد.
آخر ما كنت أتوقعه في حياتي هو أن أدافع عن هذا الدين أو ذاك، لأنهم (الأديان) جميعاً في نظري محطات في تطور الفكر الإنساني، وفي المحصلة كما يقول المعري:" وتساوت في الضلالة الأديان" ويمكن أن أضيف نصف الكأس الملآن وأقول وأيضاً في الصواب، فليس من دين مطلق البياض أو مطلق السواد، إلا اللهم في نظر معتنقه أو في نظر عدوه، ولكن مقالة وفاء سلطان التي تصر على أن الإسلام (قرآناً وحديثاً) يحض على الإرهاب،دعتني إلى توضيح أو تعليق في جوهره هو دفاع عن جزء مغمور من الحقيقة، وربما في هذا الجزء يكمن الكل.
في العموم جميع الآيات القرآنية التي تم الاستشهاد بها عن القتل وضرب الرقاب وغير ذلك، نزعت بطريقة إرهابية من سياقها، لأنها جميعها تتكلم عن الحرب مع الأعداء(المشركين وغيرهم) وفي الحرب الأمر مختلف، ومع ذلك كان بإمكان المقال أن يظفر في تصيده آيات أخرى إرهابية فعلاً، ولن أدل عليها هنا، لكن لأقول أن الإسلام وغيره من العقائد يحتوي على أفكار إرهابية، ولكنها إزاء ما يحمل الإسلام من تسامح وتكافل لا تسمح هذه الأفكار لمن يقرأ بعمق ويأخذ الروح العامة للدين الإسلامي بأن يصفه بأنه دين إرهابي، إلا عن جهل أو عن تعصب أو عن الاثنين معاً، وكان هذا كله واضحاً في المقالة المذكورة، وسأكمل تبياني لذلك، ولكن بعد أن أؤكد أن قائد شرطة لندن من خلال تصريحه بيّن أنه يفهم الإسلام أكثر من المقال المذكور الذي ينتقده.

حين يعتبر القرآن أن:" من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً"وأن :" من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً" وحين يضع القرآن في مواضع عديدة "النصارى والذين هادوا والصابئون" بين المتقين فعلينا أن نقول أن في الإسلام كما في غيره أضغاث من ركام الفكر الإنساني وتطوره وهذا ما نجده في جميع الأديان الأخرى، ففيه من المحبة والتسامح الكثير ولكن يبقى الاختيار حسب المختار، فمن المسلمين السفاح ومنهم ابن عربي والحلاج وغيرهما ممن تغدو كل قصة عيسى بن مريم( إذا كان موجوداً فعلاً كإنسان) ساعة من ساعات الحلاج الأخيرة.
لكن الأهم في : كيف يصبح الغرب آمناً؟ هو النقطة التي أساءت كثيراً للغرب والحضارة والثقافة الحديثة: وفحواها أن هذا الغرب مسيحي، وأنه أقام حضارته على أن الله محبة، وإلى آخر هذه المحفوظات الضالة والمضللة.
هذا الغرب ليبرالي أي دينه الحرية والحداثة، وربه هو نفسه ، أي الإنسان،وقد بدأت نهضته بالثورة البرجوازية التي "شنقت آخر كاردينال بمصران آخر إقطاعي" وفصلت رأس الدين عن جسد الدولة، وبذلك قامت واستنارت، وحين كانت مسيحية كانت إرهابية بمحاكم تفتيشها وحروبها الصليبية وظلامها، ولم يكن الله سوى شيطان أريب ، بينما ألصق كل إبداع بالشياطين ، والمرأة كانت الشيطان الأم لأنها الأكثر قرباً من الحياة ومن اكتشاف أكاذيب الكنيسة وتفاهات الأديان عموماً، فأحرقت ضمن أساطير الساحرات وغير ذلك.
كما أعدم من أعدم من المفكرين الأحرار...إلخ
إذن فهذا الغرب كحضارة ،كثقافة، يعتبر الإنسان محبة وحرية و ليس الله، لأن هذا الأخير مدفون هناك منذ بدايات النهضة،وحين جاء العبقري فريدريك نيتشة أحد أهم أركان الحداثة أعلن :" لقد مات الله" وكان هذا لسان حال الغرب المتمدن والمتحضر والشجاع.
أصحاب الميول الدينية من المسلمين يعتبرون النهضة العباسية تعود إلى الإسلام ، كما أصحاب الميول المسيحية يعتبرون في النهضة الأوربية روح المسيحية، ولا أدري إذا كان أصحاب الميول الكونفوشيوسية أو البوذية أو سواهما من العقائد والأديان يعتبرون نهضة اليابان والصين والنمور الآسيوية بسبب تلك العقائد، وبهذا المعنى تساوت في الضلالة أهل الأديان.
هذا المقال الذي بين أيدينا، نموذج عن فكر يظن أن تغيير ترقيم الدرجة في ميزان الحرارة يغير في حرارة الجو، والحقيقة أن المشكلة ليست في أية عقيدة أو إيديولوجيا، وليست في مفتي السعودية أو بابا الفاتيكان، وإنما في المستوى الثقافي والحضاري، في المنابع الحقيقية للظواهر الإرهابية، ومسؤولية السياسات الغربية ولاسيما الأمريكية كبيرة جداً، وقد اعترفت وزيرة الخارجية رايس بذلك، ولكنها تحدثت عن الماضي ، مع أن الحاضر أيضاً يشير إلى عدم الثقة بنجاعة السياسات الغربية والأمريكية في هذه القضية،وصحيح أن التغيير يأتي من الداخل وأن الديمقراطية لا يبنيها ولا يصنعها إلا الشعب الذي يريدها، لكن يمكن للغرب أن يساعد بذلك وبطريقة ديمقراطية ومتحضرة وهذا ما تفتقر إليه السياسات الغربية إلى حد بعيد حتى اليوم في العالم كله وفي منطقة الشرق الأوسط خاصة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يصوت الناخبون يوما لذكاء اصطناعي؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ما تداعيات إلغاء إسرائيل -المحتمل- للإعفاءات المقدمة للمصارف




.. الانتخابات الأوروبية.. صعود اليمين | #الظهيرة


.. مارين لوبان تعلن استعداد حزبها لتولي السلطة إذا منحه الفرنسي




.. استقالة غانتس.. مطالبه وشروطه | #الظهيرة