الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واشنطن بين الامبريالية والامبراطورية

ماجدة تامر

2005 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


قبل هجمات الحادي عشر من أيلول، أطلق المؤرخ الأمريكي " أرثر شليسنجر" فرضية مفادها أن الولايات المتحدة لن تنقلب إلى قوة إمبريالية بالرغم من محاولاتها بلوغ مرتبة القوة العظمى، على أساس أن أي أمة كانت لن تستطيع أن تضطلع بدور شرطي العالم أمام التحديات العالمية التي يطرحها القرن الحادي والعشرون.

وكالعديد من غيره من المفكرين ظل "شليسنجر" واثقاً من إمكانية إقامة توازن بين الديمقراطية الأمريكية والطموح الأمريكي فيما يتعلق بالاستئثار بالقرارات العالمية، وبالذهنية نفسها يؤكد "وليم ما ينز" صاحب الرأي المؤثر على ساحة السياسة الأمريكية الخارجية، أن أمريكا دولة تمتلك الطاقات الإمبراطورية، لكنها ليست صاحبة دعوة إمبريالية على حد قوله .

إنما اليوم وفي ظل عهد "جورج بوش" الابن، بدأت تبرز شيئاً فشيئاً أصول إمبراطورية مستحدثة، وهي تذكر بتلك التي عرفت في أواخر القرن التاسع عشر، عندما انطلقت الولايات المتحدة في عملية تنافس استعمارية، وقد خطت خطواتها الكبيرة في عملية توسع عالمية في جزر الكاريبي وأسيا والمحيط الهادي.

لقد كانت أعين الزعماء الاقتصاديين مشدودة إلى التفوق الصناعي العالمي، بينما السياسيون كانوا يحلمون ب"حرب صغيرة رائعة" على حد تعبير "تيودور روزفلت" تصلح تبريراً للتوسع دولياً.

وهاهو السيناتور "هنري لودج" الزعيم الأول للمعسكر الإمبريالي كان قد أكد في العام 1895 "بأنه ما من شعب في القرن التاسع عشر حقق ما حققناه من فتوحات وما من شيء سيوقفنا الآن".

أما روزفلت فقال: "أريد أن تصبح الولايات المتحدة القوة المسيطرة في منطقة المحيط الهادي، والشعب الأمريكي يطمح إلى تحقيق الإنجازات كقوة عظمى".
وفي ملخص سريع لهذه الموجه الإمبريالية في تسعينات القرن التاسع عشر، كتب الصحفي "مارس واترسون" بشيء من الزهو وبطريقة استشرافية لافتة في العام 1896:"نحن جمهورية إمبريالية كبيرة مقدر لها أن تمارس تأثيراً حاسماً على البشرية وأن تصنع لها مستقبلاً لم تقدر عليه قط أي أمة أخرى في العالم وحتى الإمبراطورية الرومانية".

في علم التاريخ الأمريكي، ولطالما اعتبرت هذه النزعة الإمبريالية حالة شاذة في مسيرة ديموقراطية سليمة، ألم يكن من المفترض بالولايات المتحدة التي نشأت وترعرعت عبر النضال ضد الإمبراطورية البريطانية والملكيات الأوروبية الاستبدادية، أن تكون قد اكتسبت مناعة ضد جرثومة الإمبريالية؟

لكن بعض مضي قرن من الزمن على ذلك، ومع بداية حقبة جديدة من توسع النفوذ الأمريكي، أخذت صورة روما القديمة تغري من جديد الاستراتيجيين الأمريكيين.

فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وحتى أحداث الحادي عشر من أيلول، أصبح للولايات المتحدة ترسانة عسكرية لا مثيل لها وتعمل اليوم وبكل قواها على فرض سيطرتها على الساحة العالمية والظهور علناً كقوة إمبراطورية عظمى.
وللمرة الأولى منذ نهاية القرن التاسع عشر، يترافق طغيان القوة مع خطاب مكشوف لتشريعها.
ويؤكد الصحفي "تشارلز كوثامر" من صحيفة "واشنطن بوست" وأحد المفكرين الأكثر بروزاً في اليمين الأمريكي الجديد، أنه منذ عهد روما، ما من دولة كانت مهيمنة على العالم إلى هذه الدرجة من الناحية الثقافية والاقتصادية والتقنية والعسكرية كما هيمنت الولايات المتحدة، وقد كتب في العام 1999: "إن أمريكا تمسك بأطراف العالم مثل عملاق، فمنذ أن قضت روما على قرطاجة، ما من قوة عظمى أخرى بلغت القمم التي بلغناها".
وها هو "جوزف جونيور" من جامعة هارفارد، يبدأ كتابه الأخير على الشكل التالي: "منذ عهد روما، لم تقم أمة أزاحت غيرها من الأمم بهذا الشكل".
أما "بول كندي" المؤرخ المعروف بأطروحته المتطورة في الثمانينات حول التوسع الإمبراطوري المنفلت للولايات المتحدة فيذهب أبعد من ذلك إذ يقول:
"ليست السيطرة البريطانية ولا فرنسا النابوليونية ولا إسبانيا في ظل فيليب الثاني ولا إمبراطورية شارلمان ولا حتى الإمبراطورية الرومانية يمكن مقارنتها بهذه الهيمنة الأمريكية الحالية".

وتتفق الأوساط الأطلسية على أن الولايات المتحدة تتمتع اليوم بتفوق لا يضاهيه تفوق الإمبراطوريات السابقة وهناك مقالة كتبها "ماكس بوت" الصحفي في جريدة "وول ستريت" بعنوان "تبريراً للإمبراطورية الأمريكية" وهو عنوان بحد ذاته في منتهى الذكاء، ومما ورد فيه: "ليس من باب الصدف، أن كانت أمريكا تنهض اليوم بالأعمال العسكرية في عدد من الدول حيث أن معظم الدول في العالم تشهد اضطرابات مثل أفغانستان والتي هي - حسب تعبيره - بحاجة إلى إقامة إدارة أجنبية مستنيرة".

وترتفع أصوات الصحفيين من اليمين الأمريكي الجديد، لتؤكد أن هذا الكيان السياسي الذي يملك هذه القوة العسكرية الساحقة ويستخدم هذه السلطة للتأثير في تصرفات باقي الدول، يسمى بكل بساطة إمبراطورية.

ويتابعون بقولهم: "ليس هدفنا أن نقاتل منافساً لنا، لأن هذا المنافس غير موجود، بل يجب أن نحافظ على موقعنا ونظامنا الإمبراطوري، وهو نظام مصوغ لمصلحة الأهداف الإمبراطورية حصراً وفيه تنصاع الإمبراطورية لقوانين النظام العالمي التي توافقها منظمة التجارة العالمية على سبيل المثال، ولا توافقها اتفاقيات أخرى مثل اتفاقية كيوتو ومحكمة الجزاء الدولية ومعاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية".

والذين لا يزالون يحتفظون بالأوهام، وهم على تناقص يضيفون بعض الصفات إلى كلمتي "الإمبراطورية" و"الهيمنة" مثل "الخيرة" و"المعتدلة"، فقد كتب "روبرت كاغن" من مؤسسة "أند ومنت" يقول: "الحقيقة أن الهيمنة الخيرة" التي تمارسها الولايات المتحدة هي مفيدة بالنسبة إلى شريحة كبيرة من شعوب العالم وهي بدون أدنى شك تعتبر التدبير الوقائي البديل الأفضل من باقي البدائل الواقعية".
وفي الحقيقة، لا يبدو أن بوش يقاوم كثيراً المنطق الإمبراطوري الجديد، فهو بالتأكيد ينفر من توظيف بعض الدولارات لإعادة إعمار دولة مفلسة أو لإشراك بلاده في التدخلات الإنسانية، لكنه لا يتردد لحظة واحدة في نشر القوات المسلحة الأمريكية في مختلف أرجاء المعمورة كي يسحق ما يسميهم أعداء الحضارة أو قوى الشر - حسب مفهومه- ومن جهة أخرى، فإن دلالات عباراته تدل على مرجعيته الدائمة إلى الصراع بين الحضارة والهمجية التي تنم عن فكر إمبراطوري كلاسيكي كلياً، فلقد أصبح بشكل عملي ومنذ الحادي عشر من أيلول قيصر المعسكر الإمبراطوري الأمريكي الجديد.

ومثلما حقق قيصر، بحسب ما كتب "شيشرون" نجاحات باهرة في مهمة بالغة الأهمية على الأقوام الأكثر احتراباً ونجح في إرهابها ودحرها وإخضاعها، وتعويدها إطاعة سلطة الشعب الروماني، هكذا ينوي الرئيس الأمريكي واليمين الجديد من الآن فصاعداً للعمل على فرض أمن الإمبراطورية وازدهارها بواسطة الحروب، عبر إخضاع الشعوب العاصية في العالم الثالث والإطاحة بالدول المارقة ووضعها تحت الوصاية وتسعى الولايات المتحدة إلى تأمين الأمن بقوة السلاح بدلاً من التعاون وتتصرف وحدها أو عبر تحالفات وقتية ومن جانب واحد وعلى أساس مصالحها الخاصة المحددة بدقة بالغة.

وهي بدلاً من أن تعالج مباشرة الأسباب الاقتصادية والإجمالية التي تشجع على إنتاج العنف بشكل دائم في دول الجنوب، فإنها تعمل حالياً على زعزعتها أكثر فأكثر بطرق مباشرة أو غير مباشرة.

فليس احتلال الأراضي مباشرة هو هدف الولايات المتحدة بل يكفي إخضاعها للرقابة الأمريكية.

وإذا كان على دول العالم الثالث أن تنقاد وتشهد عصراً جديداً من الاستعمار أو من نصف السيادة، فسيكون على أوروبا من جهتها أن تكتفي في ظل هذا النظام الإمبراطوري بوضعية التابع.
فأوروبا - وحسب الرؤية الأمريكية - بعيدة عن أن تصبح قوة استراتيجية مستقلة وخارجة عن إرادة الولايات المتحدة بل ستبقى تدور في فلكها وتتورط تلقائياً بسياستها التوسعية وفق تقسيم جديد للعمل الإمبراطوري، حيث يخوض الأمريكيون الحروب، فيما الفرنسيون والبريطانيون والألمان يتولون الأمن على المناطق الحدودية، والهولنديون والسويسريون والإسكندافيون يلعبون دور الروافد الإنسانية، وحالياً قلما يثق الأمريكيون بحلفائهم باستثناء البريطانيين، ولذلك يستثنوهم من كل عمل إلا الأعمال البوليسية الأكثر ثانوية.

وها هو "زبيغينو بريجنسكي" واضع فكرة "الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان" كان قد طرح فكرة مشابهة منذ سنوات.
وحسب رأيه ورأي عدد كبير من سائر المخططين الأمريكيين أن هدف أمريكا يجب أن يكون الحفاظ على أتباعها في دول تكون مرتهنة بالإرادة الأمريكية وأن تستبق ما سمته اتحاد الهمجية".

وكعادته يصرح السيد "تشارلز كراوثامر" بصيغة أكثر فظاظة إذ يقول: "لقد ربحت أمريكا الحرب الباردة ووضعت بولونيا وتشيكيا في جيبها، ثم دمرت صربيا وأفغانستان وفي طريقها برهنت أنه لا وجود لأوروبا أمام الولايات المتحدة".

والآن فإن الخيار الإمبريالي الذي يفرض على الولايات المتحدة أن تحافظ عليه هو كيف تصل إلى النهاية، كيف لا تموت وكيف تمد في عصر إمبراطوريتها أكثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إمام وحاخام في مواجهة الإنقسام والتوترات في برلين | الأخبار


.. صناع الشهرة - كيف تجعل يوتيوب مصدر دخلك الأساسي؟ | حلقة 9




.. فيضانات البرازيل تشرد آلاف السكان وتعزل العديد من البلدات عن


.. تواصل فرز الأصوات بعد انتهاء التصويت في انتخابات تشاد




.. مدير CIA يصل القاهرة لإجراء مزيد من المحادثات بشأن غزة