الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاهرة

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 4 / 29
ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس


الزمان..الساعة التاسعة صباحاً..المكان..أحد الطرق الرئيسية في العاصمة صنعاء..الراوي -أنا بالمناسبة- أجلس في المقهى و عينٌ على الجريدة التي تحمل من الأتراح أكثر من الأفراح و الأخرى على الشارع تُراقب المارة..و لكن لا تركز كاميرا الحدث عليَّ فما أنا إلا بمشاهدةٍ عابرة..لهذا فلتحركها قليلاً إلى اليسار..نعم أكثر قليلاً..حسناً توقف هنا..هل ترى تلك السيارة الرمادية اللون و التي تقف هناك؟؟..و هل ترى تلك الفتاة التي تقترب نحوها بخطًى مترددة؟؟..نعم هنا أوقف الكاميرا و دقق النظر في الرجلين اللذين بداخلها و في الفتاة المتقدمة نحوهما و أجعل عينيك تلتقطان بكل تمعن الصور المتوالية التالية.

أنظر إلى طرف الشارع..هل ترى تلك الفتاة السمراء البشرة و التي تقترب من السيارة حاملةً علباً من المناديل الورقية لتبيعها لسائقي السيارات؟؟..نعم هي ذي بطلة مشهدنا..طبعاً أعلم أنك ستغضب لأني وصفتها بكلمة "بطلة" متجاهلةً ذلك التصور الجاهز لدينا بأن الخير يجب أن يكون جميلاً نظيفاً براقاً أبيض اللون..و لكني لا أعتقد أنك ستجد -بعد قليل- أن من يجلسان في السيارة يستحقان هذا الوصف في المقابل.

اقتربت الفتاة في بادئ الأمر من الشابين تعرض بضاعتها و لكني وجدت أنهما ينظران لها بطريقةٍ تحمل من الشهوانية ما لا يمكن تجاهله و لا حتى عدم رؤيته حتى مع المسافة البعيدة نسبياً..فهناك أمورٌ تملك إشعاعها الروحي الخاص بها و الذي يلمسك و لو عن بُعد..هنا كنت قد بدأت أرى أن ملامح المتحدث منهما بدأت تتسلل إليها ملامح "المفاوض".

هنا فقط وضعت جريدتي المملة و التي لا تحوي أي جديد و تجعل أطراف أناملي متسخةً دوماً و نظرت لذلك المشهد محاولةً استقراء شفاه شخوصه رغم المسافة..و لكني لم أصلي طويلاً طلباً لتلك الموهبة لحسن الحظ..فأجسادنا -كما وجوهنا- تحمل طابع الكتب لمن يملك الوقت ليقرأها..فالفتاة لم تتراجع و لم تتجاهلهما بل كان يبدو أنها باستنادها على إطار نافذة السيارة بكل دلالٍ مصطنع تحاول الحصول على سعرٍ أكثر ارتفاعاً لبضاعتها.

كانت تضحك و تبتسم لزبونها المتوقع..أما هو فكان ينظر لمنطقةٍ واحدةٍ فقط..نهديها و لا شيء سواهما!!..لخَّص كل ما تحمله من ألمٍ و انكسار و تضرعٍ شبه عبثي للرب ليمنحها قوت يومها..لخَّص كل تلك الأمور في نهدين يضعهما في الميزان ليقرر حينها كم يستحقان ثمناً لهما!!..و لكن هل الأسمر لذيذٌ لهذه الدرجة!!..أم أن لذته تأتي من أننا تمكنا من قهره و كسر ظهر كرامته نحن المكسورون المقهورون أبداً!!.

4 أو 5 دقائق كانت فترةً زمنيةً كافية لإنهاء التفاوض..و هو إنجازٌ نستحق عليه العديد من الجوائز..نحن الذين ما زلنا نتفاوض مع الإسرائيليين منذ عقود دون الوصول إلى نتيجةٍ مُرضيةٍ لنا..فهل الوصول إلى حقوقنا صعبٌ جداً بذات سهولة استغلالنا للآخر جنسياً!!..صعدت الفتاة السمراء إلى السيارة فلقد انتهت الصفقة سريعاً و لا أعلم لماذا؟؟..ربما لأن البائع لا يملك ترف التفاوض و هو يلهث من أجل بضعة دراهم تكفيه قوت يومه!!..أو ربما لأن المشتري يعرف كيف يشتري جنساً مقابل بضع "شيء" يحفظ الآخر -و لو إلى حين- من الموت جوعاً.

رغم هذا المشهد و قسوته إلا أني ما زلت على قناعتي بوجوب بقائي على احترامي لفتيات الهوى..أحترمهن أو لنقل أني لا أدينهن على الأغلب..لأني أؤمن بقوة مبرراتهن و أيضاً على الأغلب..و لكني أستغرب من عملية التجاهل الغريبة و المتواطئة مع الطرف الآخر لعملية العُهر المزعوم تلك و التي تمارسها العاهرة..و أقصد بالآخر ذلك الذي يقتنص لحظات حاجتها سواءً كان الزبون أم القواد.

بالنسبة إلى القواد أراه شخصاً يضعنا في اختبارٍ أخلاقي لمدى صمودنا..قلتها لصديقٍ ذات يوم فانفجر ضاحكاً من غرابة الفكرة رغم أني أجدها منطقيةً جداً..فمنطق القواد لا يعتمد على الإجبار بل على استغلال حاجة فتاة الهوى كما حاجة الزبون..و هو هنا يقوم بما يُمليه عليه عقله..أي الحصول على الفائدة من الاحتياج و هو ما يقوم به فعلياً أي تاجر يبيع أي نوعٍ آخر من البضائع.

أما الزبون فلو سألتني من أكثر أضلاع مثلث العُهر هذا نجاسةً لقلت لك أنه الزبون..فالقواد يريد أن يجني ربحاً و كلنا نسير على هذا المبدأ بطريقةٍ أو بأخرى..و فتاة الهوى تحتاج المال لسببٍ أو لآخر و هو احتياجٌ يدخل -على الأغلب- في قائمة توفير الأساسيات و ليس الكماليات.و لكن الزبون يفعلها فقط لأنه يريد أن يفعلها أي أنه لا إجبار هنالك بل هو من يقوم بتحريك تلك العجلة التي يصفها بكل وقاحة بالتجارة النجسة!!.

لا ألومها..و كيف لي أن أفعل!!..و لكني أدعو لها بالرحمة في بلدٍ لا يرحم الأنثى الشريفة فكيف بمن تلطخت بقذارات الآخرين و ما أكثرهم..و لعلي أراها طاهرةً شريفة و لكن الرب اختار أن يخلق جسدها في بلدٍ يمتهن انتهاك النساء ليل نهار فأصبحت كشارب الخمر مُضطراً..و لكني صادقةً لا أجد من صعدت إلى تلك السيارة هي العاهرة بل أن تلك المركبة كانت تمتلأ عُهراً -كما هذا المجتمع- منذ الأزل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون ينفي وجود خطط لانتشار الجنود الأميركيين في قطاع غز


.. هل يحمي الواقي الشمسي فعلا من أضرار أشعة الشمس؟| #الصباح




.. غانتس: قادرون على إدخال لبنان في حالة من الظلام وتدمير القدر


.. حرب غزة.. نازحون يعيدون استخدام أكياس الطحين لصنع خيام تؤويه




.. بعد اختفاء سيدة في جزر البهاما.. السلطات الأميريكية تحذر من