الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطوة على الطريق - قصة قصيرة-

عبدالكريم الساعدي

2014 / 4 / 29
الادب والفن


خطوة على الطريق
-------------------- (قصة قصيرة )
عند منعطف الفجر كنت نائماً ، متخم بعطر الأحلام ، احتمي بإصابع ترتدي صوتاً بنفسجياً نقياً،ينسلّ من بين فروجها دفء وجوهٍ ثملة مصلوبةعلى قارعة الجوع والحرمان ، طوت أذيال صمتها خطوات ُ طرقٍ معبّدة بالخوف والضياع ، تحكي صرير الحرب والخراب والخداع ،وأزمنة متوحشة متّشحة بالدم والسواد ،هازئة بندى الأحلام والتخيلات . أزمنة يعتريها الشحوب والظلام ، مرّت بلا وهج . مازال عبق ليلة أمس عالقاً بأنفاسي، كنت اتوق لحديثه ،ليلة لها مذاق عربدة الشوق ،ونشوة أطياف مسكرة بترنيمة ابتهالات وصلوات سحر النصروبهاء الجمال، يقتتل عند أطرافها غابة من الظلمات وأحلام معلّقة في ظل وطن تلهث خلفه بقايا كبرياء وخطى تتعثر برائحة الأرق ، نحلم بإشراقة الغد حين فرّ النعاس طليقاً ، كنّا كما صوفي تعلق بأوصال وجده ، كان يدرك أنّ الصوت يجهش بأنين الأزقة ، وأنّ الظلمة أضيق من خيط نور ، حدّ ق كثيراً في بضع هزائم غطّاها الرماد ، لم يعد بإمكانه أن ينسى اسمه ، و لم يرتضِ لنفسه الا أن يكون محارباً قديماً كما هو . هزّ ثنايا الجرح المكفّن بنسمة صوت غاص بعيداً في غور حناجر خرساء لنعتلي سوية مرافىء الألم وعويل الصدى ،كان الوجع ومرارة الخيبة تبصرانه عن بعد قبل أن تزمجر به أصوات غرثى أخذت شكل الحراب ، يتكرر موتها كلّ حين في هوة صمت:
- غداً سنهشم وجه الصمت المحنّى بالقهر والذل .
- أراك تحلم ياسيدي ! ما الأصوات الآ صدىً يوقضها الجوع والغريزة .
- في هذا الزمن سيكون الصوت حجراً ، وشموعاً يهب الضوء من احتراقها ، تحلّق حولها فراشات الأمل .
- كلامك جميل ،لكنّه لايجدي نفعاً ، إنّها ذات الوجوه ، سيدي .
كان يمشط صمتي برماد كلماته المتوهجة بالرغبة والأمل وأنين الوطن ، متحدياً ليلاً طويلاً على رغم المسافات المضطربة بالفزع وضجيج الألسن المرتعشة بالأنا وشهوة أحلامها الوردية ، حينها أدركت أنّه يحمل رائحة الأمطار ويرتّل أناشيد صباحات مازالت معلّقة برمش الشمس، كان مرتعشاً كصفحة ماء عانقت حجراً تدلّى من كفّ عابث بالسكون ، يسعى لدخول كوكب الحب ، جامعاً حول شواطئه صمت الضحايا ليهبها شهقة الحياة قبل أن تزهر روائح الفتنة ، كان ينذر صمت الزمان وسكون الأمكنة ، حاملاً رايةالجياع ، ممتشقاً بهجة الورد ووهج البرق، يعلمني كيف أسمو وسط الضجيج وكيف ارشق الأحجيات المتدثّرة بدموع التمائم، فبزغ وجهه يتلألأ دهشة لصمتي ، وأنا غارقٌ في غفوة يأسي ، كنت متيقّناً أنه لن يبلغ القطاف ، هكذا كان ظني :
- يا لكَ من حالم !، همست لنفسي قبل أن أغادر أحلامه وليلته التي تحلّق في سماوات رحلته الطويلة ، غادرته ولمّا يجف خشوعه لقائمة النور التي أشار اليها بأنامله المبتهجة بحلم الغد .
- مهلاً ، أريد أن أوصيك قبل أن تغادرني ، تذكّر أنّ تحت حنجرتك صوت الله وأنين الموتى...
لم أهتم بما قال ، فأنا لن أختار غير نفسي ، كيف انحني لوجوه قصفت حزني وجوعي بحرائق شهوتها ولم تحضر مأتمي !؟ ، ثمّ كيف لي أن أصدق أكذوبة الرأسمالية ؟ ، أنا لا أؤمن إلا بالثورة . كانت كلماته تتأجج في خاطري ، تلاحقني ، شربت منها دموع الألم حتى غرقت في أرق أستبد بي.. كان الليل طويلاً وكانت كلماته قطعاً من نور :
- عليك أن تفكر جيداً ، إنّها فرصتنا الوحيدة.. أنا بانتظارك صباح الغد...خيط من نور يبدّد ظلمات الكون... في حنجرتك منابع الخير....
في الصباح تعلّقت بالصوت ، لم يكن ذاك الصوت ، كان صراخاً وعويلاً حاصرني بخيوله الجامحة، كانت الخطى تلهث صوب داره تصهل بالفجيعة ، حاصرتني غيوم من بكاء وأنا أراه ممدّداً يتلو نشيد رحيله بصمت ، قابضاً بكفه بطاقة تحمل صدى صوته ، كانت أصابعه ترتعش بحلمٍ بنفسجي تشير الى أعماق المحطات الراقدة عند ضفاف أحلامه المنسية. كان الجسد المغطّى بالعويل والمكلّل بنبض الجراح يمرّ بهدوء وسط ضجيج الدهشة :
- دعوه يمرّ الى هناك لعلّهُ ينعم بالرقاد .
كانت أنفاسه تحلم بصرخة تطفأ دموع احتضاره ، تمتدّ في حنجرتي ، تستحوذ على ارتعاشتي ، لم يكن أمامي إلا أن أكون صوته ، وأدفع ببطاقته الى ولده الصغير الذي فاجأني بسؤاله:
- وما قيمتها بعد أن رحل صاحبها !؟
- ( كي تتعلم يا ولدي ما نساه شعبك دائماً ) ، إنّي أراك خطوةً على الطريق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي