الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملامح الحياة السياسية العراقية

محمد سيد رصاص

2014 / 4 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بعد عام على تأسيس البريطانيين للدولة العراقية الحديثة،قام جعفر أبو التمن بتشكيل (الحزب الوطني) في آبأغسطس1922 . انحدر أبو التمن من عائلة شيعية بغدادية كانت تشتغل بالتجارة. أراد أبوالتمن من خلال تأسيس حزبه نزع النفوذ البريطاني وجمع العراقيين،شيعة وسنة،على رباط وطني واحد جامع. في القاهرة ودمشق نجحت هذه التجربة ضد البريطانيين والفرنسيين مع(حزب الوفد) و(الكتلة الوطنية)،إلاأن تجربتها لم تنجح في بغداد ،وهو مادفع أبوالتمن إلى حل حزبه والانسحاب من الحياة السياسية في شهر تشرين ثانينوفمبر1933. كان عدم نجاح ذاك الحزب مؤدياً إلى فراغ سياسي قام بمحاولة ملئه إطار سياسي جديد،ظهر أولاً عبر صحيفة "الأهالي" منذ بداية عام1932ثم عبر (جماعة الأهالي) التي أخذت ترخيصاً رسمياً كجمعية في الشهر التاسع من العام نفسه، ضم معتنقي أيديولوجيات متعددة مثل الليبرالي كامل الجادرجي والعلماني المتأثر بأتاتورك حكمت سليمان والماركسي عبد القادر اسماعيل. كان ملفتاً في كانون ثانييناير1934عندما أسست (جماعة الأهالي) واجهة سياسية هي (حزب الشعبية)أن يعود أبوالتمن عن اعتزاله السياسي ليترأسه، قبل أن يدعم هذا الحزب أول انقلاب عسكري في تاريخ العالم العربي قام به قائد الجيش العراقي الفريق بكر صدقي في29تشرين أولأوكتوبر1936. خلال عشرة أشهر من عمر حكم الفريق صدقي،وهو كردي متأثر بتجربة أتاتورك وكان يؤمن بفكرة الرابطة العراقوية،انفجرت تناقضات (جماعة الأهالي)إلى ذراتها الأيديولوجية المكونة،ليذهب الشيوعيون إلى بيتهم المؤسس في 31آذارمارس1934والليبراليون إلى (الحزب الوطني الديمقراطي)المؤسس عام1946بقيادة الجادرجي ومحمد حديد،أما العروبيون مع (العقداء الأربعة)الذين دعموا صدقي في انقلابه ثم كانوا على الأرجح وراء اغتياله في 11آبأغسطس1937،فقد كانوا القوة التي استند إليها رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني في حركته، مدعوماً من الألمان ،ضد البريطانيين عام1941قبل أن تسحقها لندن عسكرياً،وليذهب المؤمنون بالقومية العربية بعد هزيمة حركة الكيلاني إلى تأسيس (حزب الاستقلال)في1946.
وسط هذه الزحمة لم يجد أبوالتمن مكاناً له،وقد عاد إلى اعتزاله من جديد منذ أواخر 1937ملتفتاً إلى التجارة قبل أن يتوفى في عام1945وكانت جنازته علامة دالة على مدى الشعبية المتخطية لحدود الشيعة والسنة،فيماكانت حياته دالة أن الفكرة الوطنية العراقوية لم تجد لها مكاناً في الحياة السياسية لبلاد الرافدين:خلال الفترة الفاصلة بين نهاية الحرب العالمية الثانية وانتهاء الحكم الملكي مع انقلاب 14تموزيوليو1958كان الشيوعيون والعروبيون( حزب الاستقلال ثم مع حزب البعث منذ1951)والليبراليون (الحزب الوطني الديمقراطي)عماد المعارضة العراقية،وقد تشكلت في شباطفبراير1957"جبهة الاتحاد الوطني" التي ضمت هذه الأحزاب الأربعة،وكان الضباط الذين قاموا بالانقلاب هم الواجهة العسكرية لهذه الجبهة. في المدة الفاصلة عن الانقلاب البعثي في8شباطفبراير1963على عبد الكريم قاسم وحلفائه الشيوعيين كان التناقض الرئيسي الذي حدد المسار السياسي العراقي محدداً بين العروبيين، الذين أرادوا الاتحاد مع "الوحدة المصرية- السورية" ،و الشيوعيين الذين رفضوا ذلك وقاموا بتصفية خصومهم منذ التمرد العسكري للعقيد عبد الوهاب الشواف في الموصل المدعوم من القاهرة في آذارمارس1959ضد قاسم. ضاع الليبراليون بين محمد حديد الذي وقف مع قاسم وبين الجادرجي الذي لم يكن محبذاً للذوبان تحت جناح عبدالناصر ولكنه كان ضد ديكتاتورية قاسم والشيوعيين،وعندما انتهى حكم قاسم دخل حزب الجادرجي- حديد في الموت السريري ولم يخلفه أي تشكيل ليبرالي جديد.
في الزمن نفسه الذي استطاع فيه الشيوعيون انزال مظاهرة لامست حدود المليون في يوم عيد العمال لعام1959في بلد كان يضم عشرة ملايين نسمة في استعراض للقوة ضد خصومهم العروبيين وتلويح لقاسم بمن لديه اليد العليا،كان السيد محمد باقر الصدر يعكف بالنجف على تأليف كتاب"فلسفتنا"الذي رسم ملامح رؤية فلسفية للاسلام السياسي ولكن عبر التضاد مع الماركسية،قبل أن يقوم بالعام نفسه لنشر الكتاب بتأسيس(حزب الدعوة).في العام1960تم تأسيس الفرع الاخواني المحلي،أي(الحزب الاسلامي العراقي)،وقد وجد الحزبان نفسيهما في وحدة حال ضد الشيوعيين،ويقال – وهذه من غوامض لم تكشف بعد – بأنهما عاشا في وحدة تنظيمية لعدد من سنوات الستينيات.في أيلولسبتمبر1961قام الملا مصطفى البرزاني بتمرد مسلح ضد حكم قاسم،معلناً بداية بروز (الكردية السياسية)في العراق،فيماهذا الشيء لم يكن ملموساً من قبل رغم تأسيس (الحزب الديمقراطي الكردستاني- البارتي)في عام 1946حيث كان الشيوعيون أقوى من (البارتي) في الوسط الكردي إلى درجة أن انضمام بعض قيادات الفرع الكردي للحزب الشيوعي إلى (البارتي) في حزيرانيونيو1957لم تهزالشيوعيين ولكنها كانت انذاراً وعلامة على نمو جنين(الكردية السياسية).
خلال السبعينيات كان بروز (الدعوة) و(البارتي) مؤشراً إلى بدء تلاشي قوة الحزب الشيوعي العراقي،وعلامة على اتجاه الوسطين الشيعي والكردي إلى أحزاب فئوية خاصة بكل منهما،بعد أن كان الحزب الشيوعي الأقوى في هذين الوسطين في فترة1945-1968،فيماكان الشيوعيون أضعف في الوسط السني العربي ولوأنهم أفرزوا في تلك الفترة قيادات من السنة العرب كانت الأقوى في قيادة الحزب،مثل عامر عبدالله الذي كان مفكر الحزب وكان له كلمة مؤثرة عند عبدالكريم قاسم.كان تلاشي القوة الشيوعية الحزبية بالسبعينيات انذاراً ثانياً،مثل تجربة جعفر أبوالتمن،على فشل فكرة حزب يجمع في كنفه المكونات العراقية،فيماكان حزب البعث العراقي،وبعد تجربة كبرى جمعت السنة والشيعة في حزب واحد تحت لواء العروبة حتى فقدانه للسلطة في 18تشرين ثانينوفمبر1963بعد انقلاب عبدالسلام عارف عليه،يتجه في سلطته الثانية بعد انقلابي17تموز-30تموز1968إلى أن يمسك بمفاصل الحكم الرئيسية أهل تكريت وسامراء والموصل والرمادي.وعملياً،فإنه في فترة نظام صدام حسين (16تموزيوليو1979-9نيسانابريل2003)كانت المعارضة يتصدرها تنظيمان شيعيان:(الدعوة) و(المجلس الأعلى للثورة الاسلامية- تأسس عام1983) ،وحزبان كرديان:(البارتي)و(الاتحاد الوطني الكردستاني- تأسس عام1975)،ولم يكن هناك معارضة قوية تتمثل في أحزاب تخترق النسيج الوطني العراقي،وهو ماعبر عن عوامل لااندماجية في الجسم العراقي ظهرت ملامحها في فترة مابعد صدام حسين.
في "مجلس حكم"بول بريمر(13تموز2003) كانت هذه التنظيمات الأربعة هي الأقوى. في انتخابات برلمان 15كانون أولديسمبر2005انضاف لها تنظيمان فئويان أيضاً:(التيار الصدري) و(الحزب الاسلامي). في انتخابات برلمان 7آذار\مارس2010حاولت (القائمة العراقية)،وزعيمها شيعي هو إياد علاوي،أن تعبر النسيج العراقي في تمثيلها،ولكن عند فرز النتائج كان هناك ثمانون نائباً سنياً عربياً من مجموع مقاعدها الإحدى والتسعون،ورغم هذا فإنه تنوع يجب أن يذكر بأنه لم يكن موجوداً في تمثيل التنظيمات الستة المذكورة.هنا ،كانت المشكلة عند قائمة علاوي،وهذه لم تكن موجودة عند جعفر أبو التمن،أنه لايوجد لديها فكرة واضحة عن الاتجاه العراقوي،بل هي تجميع لزعامات مناطقية(النجيفي- المطلك- العيساوي) تعزف على فكرة المظلومية عند العرب السنة في مرحلة مابعد 9نيسان2003،وهو ماجعل (القائمة العراقية)هشة التكوين وفي حكم المتناقضة والغير متماسكة خلال السنوات الأربعة الماضية.
كمجمل عام لمسار قرن من الزمن في بلاد الرافدين:في ثورة العشرين ضد المحتل البريطاني كان السنة والشيعة في حالة توحد.في مرحلة المقاومة العراقية ضد المحتل الأميركي لم يكن الأمر كذلك حيث اقتصر الأمر على حاضنة اجتماعية للمقاومة عند السنة العرب،وعلى الأرجح أن هذا هو سبب فشلها. كان الفاصل بين عامي1920و2003 يتمثل في مسار سياسي انعكس في تموجات،ناتجة عن التركيب الاجتماعي اللااندماجي للدولة العراقية الحديثة، غرقت فيها تشكلات سياسية عابرة للطوائف(وللقوميات والأديان أيضاً في حالة الشيوعيين)وطفت أخرى على السطح لم تتجاوز الإطار الفئوي الطائفي أوالإثني،فيماكانت التجربة العروبية لحزب البعث العراقي منصة لتفاقم ومن ثم (منذ آذارمارس1991)تفجر عوامل اللااندماج المجتمعي العراقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #ترامب يهدي #بايدن أغنية مصورة و النتيجة صادمة! #سوشال_سكاي


.. التطورات بالسودان.. صعوبات تواجه منظمات دولية في إيصال المسا




.. بيني غانتس يهدد بالانسحاب من حكومة الحرب الإسرائيلية


.. صحفيون يوثقون استهداف طاي?رات الاحتلال لهم في رفح




.. مستوطنون ينهبون المساعدات المتجهة لغزة.. وتل أبيب تحقق