الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمّال الثقافة

نهلة الجمزاوي

2014 / 4 / 30
الادب والفن


عمّال الثقافة

نهلة الجمزاوي
في تعريفهم للعامل قالوا: إنه كل من يبيع ثمرة جهده مقابل أجر، فيما صنفوا من يقدمون جهداً ذهنياً باسم"طبقة المثقفين" ، وكأن لأصحاب تلك الطبقة ما يمنع عنهم السحق والإستغلال، كغيرهم من عمال المناجم والمعامل والمصانع وغيرهم ممن يلاقون أشد أنواع الأستغلال ضراوة .
منذ رواج تجارة الثقافة وظهور الصحف كمنبر للوجبات الثقافية السريعة وتلتها وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ثم الإنفجار الرقمي عبر شبكات النت العالمية، ظهرت الأزمة الخانقة التي مست المثقف وسط السوق ليجد نفسه مضطراً لبيع قلمه للسياسي حينا وللتاجر حينا آخر، منفقا في ذلك خلاصة علمه وحقيقة موقفه من الحياة.
الآن وقد وقع المثقف أسير المؤسسة التجارية المنتجة للثقافة أضحى عاملاً مستهلكا بأبخس الأثمان، مطارداً بشبح لقمة العيش الذي يحاصر خياله وتطلعاته نحو حق البوح بكل كلمة حرة تحوم في أفق خياله ،فما يكون منه الا أن يسقط متأرجحا بين مطرقة قضاياه المعيشية، وسندان التطلع إلى الحرية .
المثقفون منذ التاريخ طبقات، هذا ما أفرزته الحالة السياسية والإجتماعية، وما أعنيه هنا لا يتعلق بالجانب المعرفي والإبداعي، فتلك قضية أخرى، وإنما أخصّ بالحديث، الطبقات الإقتصادية التي يتوزع عليها العاملون في الثقافة، فمنهم من تتيسر له سبل بيع نتاجه الكتابي فتفتح له أبواب المال، ليتاجر بإبداعه غير آبه بأي اعتبار لثقل مسؤوليته التي فطر عليها، بوصفه مبدعاً مثقفاً، وما يترتب على هذه الصفة من مسؤولية تجاه مجتمعه وقضايا أمته . ومنهم من يفقد السبيل إلى تسويق إبداعه، فيبقى عاملا مستنزفا وأسيرا في مؤسسة ذلك المنتِج المستغِل والذي كثيرا ما يكون أميّا أو شبه مثقف ساقته الظروف ليسوس مؤسسة تنتج ثقافة ربحية أو غير ذلك .
إذا كان من واجب المثقف المتبني لنظريّة الطبقة العاملة، ترويج الثقافة العمّالية والحضّ المستمر على الثورة والدفاع عن مصالح العمال المعيشية وعن حقهم الإنساني في بيع جهدهم بالثمن العادل الذي يضمن لهم سلامة العيش، فمن يدافع عن عمال الثقافة ممن يرضخون تحت نير " رأسماليي الثقافة" ، باذلين خلاصة جهدهم ووقتهم في سبيل الحصول على المعرفة وإثراء أدمغتهم وتحفيزها، فيقضون الليالي في إعمال مخيلتهم لإنتاج كلمة خلاّقة تصلح غذاء نافعاً يسهم في تشكيل وعي المتلقي ويحقق المتعة الذهنية المرجوة من الثقافة والأدب.
وثمة ما يصنع دهشة المفارقة، حين يصبح الإبداع عبئا على كاهل صاحبه، في حين تصرف أرقاماً مهولة لقاء بعض النتاجات البائسة لمن خدمتهم الظروف فأصبحوا نجوما يتربعون على عرش الثقافة، ليشكلوا ما أسميه "أرسطقراطيي الثقافة " فيصنعون غشاوة تحول دون التمعن في حقيقة نتاجهم الإبداعي والمعرفي، وما سيضيف إلى المتلقي السعيد والمستهلك الذي يعطي بصره وبصيرته لبريق الأسماء "المدَّعَية" مستسلما مودعا مفاتيح عقله في خزائن ما هو كائن .
نحن بحاجة إلى ثورة عمالية جديدة في معامل الثقافة وحقولها ومعمارها غير متوازن الطبقات ، من أجل إعادة التوزيع وفق أسس ومعايير تخلو من التضليل والإستغلال.
علينا أن نصرخ بملىء أقلامنا لنقول :يا عمّال الثقافة انتصروا لثمرة أقلامكم.
[email protected]
عضو رابطة الكتاب الأردنيين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فكر ثاقب مؤثر
يارا عويس ( 2014 / 5 / 1 - 12:50 )
المبدعة نهلة الجمزاوي
أجدت في ايصال فكرك الثاقب و رؤيتك المستنيرة لكل قاريء ، نحن في أحوج فترة تاريخية الى هذا الذي ذكرتي
نحن بحاجة إلى ثورة عمالية جديدة في معامل الثقافة وحقولها ومعمارها غير متوازن الطبقات ، من أجل إعادة التوزيع وفق أسس ومعايير تخلو من التضليل والإستغلال.
نعتز بك، صاحبة قلم لا تنسى حروفه وفكر ثاقب مؤثر

اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح