الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلاوة..نوح !

معاذ عابد

2014 / 4 / 30
الادب والفن


أنتجت السينما المصرية على مدى القرن المنصرم المئات من الأعمال الفنية التي تتراوح بين الأفلام الهابطة والأعمال الخالدة كفيلم الكيت كات على سبيل المثال، لكن ظهرت في العقد المنصرم ظاهرة جديدة في السينما المصرية أسماها الكثيرون بالظاهرة "السبكية" نسبة للشركة المنتجة هذه الظاهرة التي خلقت نمطاً جديداً للإنتاج الفني في مصر وأصبح للأفلام السبكية هوية خاصة يمكن أن تميزها بدون أن ترى الشارة أو الأفيش الختامي في الفيلم، حتى أن المنتج قد وضع لمسة فنية له مثل لمسة المخرج العبقري "ألفريد هيتشكوك" وذلك بظهوره في أدوار ثانوية جداً أو مع الكومبارس لمدة ثوان معدودة في مشهد عابر.
يعتبر الفن مرآة للشعوب ويُذكر أن الموسيقار السوفييتي العظيم دميتري شوستاكوفيتش ألف سيمفونيته السابعة خلال الحصار الكارثي لمدينة لينين جراد في الحرب العالمية الثانية وتم تأدية هذه المقطوعة من عازفي الأوركسترا الذين تم استدعاؤهم من الجبهة ليعزفوا للجوعى من سكان المدينة المحاصرة الذين امتلأ بهم المسرح عن آخره، نستطيع أن نعتبر أن هذه الحادثة إشارة إلى الوعي الشعبي في أربعينات القرن الماضي في روسيا السوفيتية وندرك كيف تقدمت روسيا هذه التقدم الهائل.
نستطيع القول أيضاً أن نجاح أي فيلم أو انتاج فني يدلل على الوعي الجمعي العام لهذا الشعب وخصوصاً عند قراءة نتائج العائدات لهذا الفيلم أو ذاك، وطبعاً لا يمكن أن تكون هذه القراءة حتمية وطبيعية بنتائجها وتحميل المجتمعات المُجهلة بإرادتها أو نتيجة عملية تجهيل مستدامة دائبت عليها الحكومات والأنظمة العربية على مدى عقود كثيرة مضت .
ظهر في الفترة الأخير وفي وقت متقارب إنتاج فيلم ملحمي من بطولة الممثل الاسترالي "راسل كرو" فيلم يحمل قصة العنوان (نوح) وهي التصوير الكتابي من العهد القديم لقصة النبي نوح وقصة الطوفان والسفينة ، وفي الفترة ذاتها ظهر فيلم "سبكي" بعنوان حلاوة روح وهو نسخ رديء لفيلم "ميلينا" من بطولة الممثلة العالمية مونيكا بيلوتشي، لن يكون الموضوع هنا هو حول الأعمال السبكية وكيفية انتاج الأفلام التي تخاطب الغرائز وتكلف 20 مليون جنيه مصري كي تقارب الواقع بينما لو صرفت هذه الملايين في عشوائيات القاهرة لتم تغيير الواقع فعلاً.
مفارقة مذهلة ظهرت حين أعلنت الكثير من الدول العربية منع فيلم نوح لأنه يجسد الأنبياء، وذلك بتوصيات من بعض المجاميع الدينية المتواجدة داخل مؤسسة الأزهر والتي انتقلت هذه العدوى المقيتة إلى دول عربية عديدة مثل الأردن مثلاً، منع عرض فيلم نوح لأنه يجسد الأنبياء ولكن ذات الجهات الدينية لم تفتح فمها حين عرض فيلم ألام المسيح أو مسلسل يوسف الصديق أو مريم المقدسة والعديد من الأعمال التي جسدت الشخصيات الدينية، هذه المجاميع الدينية لم تتحرك ولم تنبس ببنت شفة حين أعلنت السينما العربية عرض فيلم حلاوة روح والعديد من الأفلام العربية التي تحتوي على مشاهد تنافي العادات والتقاليد والأخلاق الاجتماعية العربية كما كان مبرر عدم عرض فيلم نوح، كميات مبتذلة من مشاهد الإغراء التي وصلت حد علاقة حميمية بين طفل في الثالثة عشر وبطلة فيلم الحلاوة، لست أنتقد الطريقة "السبكية" ولا مدى الانحطاط الذي وصل إليه الإنتاج السينمائي العربي في بعض حالاته، لكن الأمر الذي يسبب الغثيان هو منع فيلم ملحمي متكامل يقدم صورة سينمائية لحدث جاء في التراث الديني للبشرية والسماح بفيلم مبتذل وحجة المنع هي أنه يجسد الأنبياء، ولكن في ذات الوقت تسمح الرقابات الغبية بعرض أفلام تجسد الإنحلال وتدعوا ...صراحة لا أعرف ما الذي تدعوا إليه هذه الأفلام.
انحدرت المؤسسات الرقابية بدرجة عجيبة وأذكر أن الأب ابراهيم عياد وهو من الشخصيات الوطنية الفلسطينية كان عضواً في هيئة رقابية مانعت واحتجت على عرض فيلم "راسبوتين" القديم ،وكان الأب عياد نفسه يبرر هذا المنع لأنه يظهر مشاهد خلاعية لاتتناسب مع شخصية رجل الدين ومن الممكن أن تؤدي إلى ربط غير بريء بين شخصية رجل الدين في المجتمع وبين شخصية راسبوتين، وكان الأب عياد لا يرى ضرورة للمنع إذا حُذفت هذه المشاهد الماجنة التي تظهر مماراسات جنسية في الفيلم.
لقد كان المنع في الماضي يتم لأسباب فعلية وحقيقية وقائمة على دراسة الأثر الاجتماعي وانعكاس الفيلم على المتلقي سواء لأسباب سياسية أو دينية أو أخلاقية، وهذه الأسباب غير موجودة في أفلام عديدة منعت من التداول ولكنها موجودة بوقاحة في أفلام يبدو أن الرقابات كانت تستمتع بالفيلم قبل حذف المشاهد..هذا إن حُذفت.
لا شيء يدعو للعجب في زمن تقوم قائمة "إعلاميين" ضد دمية يُنسب إليها نشر شيفرات سرية عبر إعلان لشركة إتصالات وتصبح "الأبلة فاهيتا" عدو الدولة المصرية الأول.
أتمنى من المنتجين العرب أن يقوموا بعمل فيلم يجسد فجور وسفالة زوجة نوح وكفرها وعدم إيمانها برسالته وأن يتم التركيز على جسدها شبه العاري كما صور مخرج الحلاوة..حلاوة البطلة روح.
أو أقترح على من يريد عرض فيلم نوح في السينما العربية أن يقوم بإعادة إنتاج "تريلر" لفيلم نوح بمشهد من مشاهد الرقص والمجون وبعض علب البيرة و"جوزة" حشيش ومشهد اغتصاب وقبلات حارة ودمج مشاهد لمونيكا بيلوتشي مع راسل كرو وعرض الفيلم في الصالات السينمائية التي لن تتعرض لمنع من الرقابة لأنها ستكون سعيدة بفيلم ...حلاوة نوح !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مداخلة
شاكر شكور ( 2014 / 4 / 30 - 16:27 )
اقوالك حكيمة يا استاذ معاذ ، وجدت في مقالتك حلاوة النقد والرؤية التربوية الصحيحة ، إنك لا تتكلم عن فلم واحد وإنما تحكي عن قصة شعوب متخلفة يكيلون بمكيالين لأن لا مبدأ لهم ولا قانون سوى تأليف فتاوى واجتهادات لترجيع الناس الى الوراء ، يضنون ان احترام الأنبياء هو بعدم تجسيدهم ومن جهة اخرى لا احد يبالي بتعاليمهم إلا بتعاليم رسول الأسلام ، هذا المجتمع ينطبق عليهم قول السيد المسيح الموجه للمتشددين الذين يعبدون الحرف (إنهم كالقبور المبيضة من الخارج وفي داخلها عظام نتنة) ، تحياتي للأستاذ معاذ

اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا