الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرنكشتاين ينتقل من بغداد إلى الرباط

سيومي خليل

2014 / 4 / 30
الادب والفن



بمناسبة حصول أحمد السعداوي على جائزة البوكر عن روايتة * فرنكشتاين في بغداد *
----------------
المؤلفة البريطانية ماري شيلي ستبدع سنة 1818، وسيأتي خيالها الواسع بشخصية تمثل المتناقضات ،وتضم ثنائيات لا حصر لها بشكل غير متناسق ،وتتراوح بين الشر المفزع والخير ، شخصية تشكلت من شخصيات كثيرة ، وجَمعت أعضاء منها لتكون أجزاء فيها ، وألحمت كما يلحم الحديد بالحديد ، وخيطت كخياطة الثوب بإبر مؤلمة ،ثم أخضعت الجثة المشوهة في الأخير لعملية إحياء ،ونُفخ الرّوح فيها ، ليخرج *فرنكشتاين * المسخ المشوه ،والذي لا يشبه أي شخص على الإطلاق ، باحثا عمن أساءوا ويسيؤون،وباحثا عمن سيسيئون .
فرنكشتاين ماري شيلي رواية رمزية بشكل كبير ،الإنسان فيها يحمل داخله هذا المسخ فرنكشتاين ، يمكن أن يكون بتشوهات أقل ، ويمكن أن يكون بتشوهات أكثر ، لكنه حتما موجود تحت رماد عنقاء خاصة تحتضن جثته المشوهة .
الرواية حزينة وكئيبة لأن العالم حزين وكئيب بشكل غير محتمل ،إضافة إلى أن العالم في الرواية لا يستحق كل مجهودات الخير التي تقام من أجل إصلاحه ، لأن ببساطة هناك من يسهرون أعمارهم كلها كي يروا خراب مالطة* وروما وبغداد ودمشق وباقي الأمصار *.ماري شيلي كانت تنطلق من التصور المانوي القديم لإلاه الخير والشر ، والذي ينتصر فيه إلاه الشر كما رأته من أحداث عصرها ، لذا تجاوزت هذا التصور كي تبتكر شخصية فرنكشتاين الذي يجمعهما معا . فرنكشتاين يضم إلاهين ،إلاه أول مهمته الإنتقام ،وإلاه ثاني يرغب في الحب الشديد .
أبدعت السينما الأمريكية في تقديم فرنكشتاين للمشاهد ،وفي نقله من مجهود القراءة الصعب ،إلى سهولة المشاهدة ، فقدمته الصورة والفيديو كشيء في الأول ، يضم أعضاء أموات وقتلى متعددين راحوا عمليات قتل غيلة وغدر ، لكنه بعد ذلك سيشرع في تشكيل شخصيته الخاصة ،وفي ممارسة حقه في الحياة ،وفي سعيه للحب وليس للإنتقام فقط .
الروائي العراقي أحمد السعداوي رأى أن العراق محتاجة لفرنكشتاين خاص في شوارعها ، فالشوارع التي تشهد انفجارات يومية ،والتي تختلط فيها أشلاء الموتى مع تراب الطرق وقمامات الأزبال ومع الحصى الصغير ، لا يمكن لغير فرنكشتاين أن يمشي في شوارعها ، ولايمكن لشخص عادي يحمل جسدا أضنته الهموم أن يخبط في ليلها متتبعا النجوم الكثيرة ، ولا يمكن لمرأة عاشقة لجسدها البض والجميل أن تتجول بين محلاتها ، هناك كائن / لاكائن واحد هو من يمكنه أن يقوم بهذا وبغيره ،وهو نفسه مجموع الضحايا والقتلى والمغذورين الذين لاعبت جثثهم عبوات ناسفة ترمى كما ترمى أعقاب السجائر على الأرصفة .
المواطن العراقي بطل الرواية هادي العتاك يمكنه أن يكون هو صاحب الراوية أحمد السعداوي نفسه ، فهما الإثنان أرعبتهما حالات الدمار التي تعرضت لها العراق منذ سنة2005 ، وهي سنة الزمن الروائي ولحظة بداية أحداث الرواية ،وهما الإثنان سيكتشفان عجزهما الواضح عن فهم ما يجري ،وعن إيقاف سيل الدماء بين شقوق بلاطات الطرق ، إنهما يريان العراق تأخذ مسارا مخالفا للذي كان يتصورانه . قام الكاتب أحمد السعداوي بأمر المواطن العراقي هادي العتاك بفعل اللازم ،والقيام بما يجب القيام به ، فتحرك البطل الروائي هادي العتاك إلى أماكن الإنفجارت الغاشمة واللاإنسانية ، وراح كمجنون إنساني نبيل ، يجمع الأشلاء ؛ جمع أصبع من قدم هذه الجثة ، وعين من جثة إمرأة لم تعد لها ملامح على الإطلاق ، قدم طفل لم يفهم أشياء كثيرة في الحياة ، دراع عامل ، لسان لجثة لم تقوى على نطقة الآهة الأخيرة ،جهاز تناسلي كان على موعد مع عاهرة ، ثدي إمرأة بدينة ، شفتين لوجهين مختلفين ...
والروح يا هادي العتاك ، الروح ...كيف ستجمع هذه الأشلاء كي تكون فرنكشتاين عراقي ؟؟؟. سيجد هادي العتاك روحا هائمة بدون جسد ، ستكون هذه الروح مناسبة لإتمام المهمة الأخيرة . نفهم أن الروح هنا هي روح كل المواطنين العراقيين الناقمين على ضياع حاضرة دجلة والفرات،ضياع بلد حمورابي ، بهذه التراجيديا غير المتوقعة ،وهي روح الذين لم يستوعبوا كيف نطيح بمستبد لنخلق مستبدين منتشرين كالنمل بيننا لا تمثل عندهم عبوة ناسفة أدنى وخز في الضمير . كأن فرنكشتاين المواطن العراقي هادي العتاك هو فرنكشتاين كل المواطنين العراقيين غير الراضين على حرائق بغداد ،والفلوجة ، والبصرة ؛ فأين هو نيرون صاحب هذه الحرائق كي ندينه بحرق المدن .؟؟
سيبحث فرنكشتاين عن قاتليه كي ينفذ القصاص بيديه ؛ إنها عدالة فرنكشتاين ،وعدالة كل أولائك الذين شكلوا جثة فرنكشتاين ،والذين رأوا أن هناك من يستهين بالحياة ،ومن يهن يسهل الهوان عليه،كما يقول البيت الشعري الشهير .
أبدع الكاتب العراقي أحمد السعداوي ، وأبدع بطل روايته المواطن العراقي هادي العتاك ،وأبدع صنيعه فرنكشتاين العراقي الذي يمثل فكرة التغيير ، التغيير الذي يراه الضحايا ضروريا ، والذين يرون أنه لم يكن على اختيارات الآخرين الإرهابية أن تمنع عنهم الحياة ، ولم يكن على الخلافات السياسية أن تضعهم وسط آلة رحى كحبات قمح لا قيمة لها .
أتخيل أن فرنكشتاين أحمد السعداوي سيلذ ذاتيا ، فبعد أن ينهي مهمته النبيلة في الإنتقام من كل كارهي الحياة ، سيزداد طموحه ،وستنبثق عنه جثث حية آخرى ، سيحدد لها هو بنفسه مهمات في بلدان عربية متعددة ، وسيضع أمام كل فرنكشتاين جديد خريطة وطبيعة البلد الذي سيذهب إليه ، وطبيعة سياسته ، وطبيعة الإنتهاكات التي فيه ،وطبيعة الملفات التي تؤلم شعبه .
سينتقل فرنكشتاين إلى الرباط ، لكنه سيكون مغايرا للذي إبتكره المواطن العراقي هادي العتاك ، ففرنكشتاين الرباط هو من صنيعة مواطن مغربي يمكن أن يكون ابن أحد المداشر الفقيرة ، أو إين أحد المجاري الصفيحية التي تسمى سكنا صفيحيا .فرنكشتاين هو صنيعة مواطن أرهق بكثرة الإنتظار ، واكره على عيش الباطلة ، وأرهق بضعف التعليم وفساده وبالتنميط الذي يفرضه على التلاميذ ، وأرهق بالصحة التي لا تهتم لصحته نهائيا .
فرنكشتاين الذي سيتجول في شوارع الرباط، وفي إداراته ، لم يتشكل من أشلاء الضحايا ، فلا قتلى عندنا ،ولن تكون بيننا تلك الرغبة المدمرة في أخذ الحياة من بعضنا بعضا ، لكنه تشكل من مآسي الكثيرين ،تشكل من قضاء بعض منا أجمل أعمارهم بين السجون ، تشكل من إحساس *الحكرة * الذي كان شعارا وطنيا بامتياز ، تشكل من أمور كثيرة ستعطي في الأخير فرنكشتاين حامل لقضايا وملفات كثيرة .
سيلف فرنكشتاين في الشوارع ،وفي الإدارات ،وفي المؤسسات ، وفي الجمعيات ،وفي كل الهيئات التي ترفع شعارات بحجم الجبال وتختبئ الأفعال كالجرذان في هذا الجبل . سيتجول فرنكشتاين للإنتقام كما فعل فرنكشتاين المواطن العراقي هادي العتاك ، لكنه لن يقتل مثله ،ولن يأخذ القصاص بالدم ،أنه سينتقم بواسطة الفضح والكشف ، سيظهر كل أولائك الذين كانوا مجرد ظاهرة صوتية ، يصيحون ، وفي الليل يجلسون مع من صاحوا ضدهم ، سيفضح من إستغلوا هموم الآخرين كي يضيفوا لبنة إلى لبنات عماراتهم الكثيرة ، سيكشف كيف يصير الكثيرون مجرد لعبة ورق في أيادي من يدعون أنهم ممثلي الشعب ،وأنهم لشعب ، وأنهم الأمل في تحسن مرغوب.
قدم أحمد السعداوي فرنكشتاين للرباط ، إنه لم يقدم الرواية ،ولم يقدم الأحداث والحبكة فقط ، إنه قدم فكرة عن المثقف المنفعل بما يقع أمام عينيه ، المثقف الذي تؤرقه مسألة الإصلاح ،والذي لا يرى غضاضة في أن يقوم مسخ كفرنكشتاين بتحقيقه ، فهؤلاء الأسوياء غير المشوهين و جميلي الهيئة لم يفعلوا شيئا ، بل قاموا بنشر الكره بين أفراد الوطن الواحد ، وقاموا بتغذية النعرات السياسية القاتلة ... لذا فلتقم يافرنكشتاين بمهمتك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق