الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة والإخوان

خليل كلفت

2014 / 4 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


كثيرة هى التصورات الملتبسة والمغالطات الفظة التى تحيط بمفهوم الثورة من الناحية النظرية، وبثوراتنا المصرية والعربية من ناحية الممارسة العملية. وسأحاول أن أناقش مختلف هذه الالتباسات تباعا. غير أن الوضع الراهن، أعنى معركة أن نكون أو لا نكون، مع جماعة الإخوان المسلمين، ومع مشروع الدولة الدينية، تقتضى مناقشة الالتباسات والمغالطات التى أصابت بعدواها عددا هائلا من غير الإخوان، حول دور الجماعة فى الثورة، فنسجت معًا أسطورة تلفّ بضباب كثيف كل فهمنا لطبيعة هذه الجماعة ودورها الحقيقى فى الثورة، ليس كقوة من قوى الثورة، بل كثورة مضادة أشرس من كل القوى الأخرى للثورة المضادة المتمثلة فى النظام ومؤسساته وأجهزته.
وكنت قد كتبتُ بتاريخ 5 مايو 2013 مقالا بعنوان "أسطورة روح الثمانية عشر يوما المجيدة"، نُشر فى الحوار المتمدن فى ذلك الحين، وقد تمثلت حقائق وأوهام تلك الأسطورة فى وقوف الشعب المصرى بكل طبقاته وفئاته، بمسيحيِّيه ومسلميه، بنسائه ورجاله، بشبابه وشيوخه، بمختلف قواه السياسية والاجتماعية، فى ميادين التحرير على قلب رجل واحد لإسقاط نظام مبارك. وهذا صحيح بقدر ما يتعلق الأمر بأوسع المشاركة دون تمييز على أساس الدين، أو النوع، أو الجيل. غير أن المغالطة تتمثل فى إنكار واقع "التمييز" أو "التمايز" السياسى والاجتماعى، زاعمة أن مختلف طبقات المجتمع شاركت فى الثورة، فى تلك الأيام المجيدة حقا! فمن أين إذن جاءت الثورة المضادة التى تتواصل صراعاتها ضد الثورة إلى يومنا هذا؟!
وكانت تلك الأسطورة تطفو على السطح، وكأنها تعويذة سحرية، كلما تأزمت العلاقات وتأججت الخلافات واشتدت الصدامات مع الإخوان بالذات، داعية إلى عدم السماح بأن تُفلت منا "روح" تلك الوقفة المشتركة الأسطورية، زاعمةً أن إحياء واستعادة روح الثمانية عشر يوما المجيدة سيكفلان التوافق والمصالحة والتضامن والمحبة والانسجام. وقد تبنَّى كثير من السياسيِّين والمثقفين وشباب الثوار هذا الموقف الذى كانت له نتائج خطيرة على مسار الثورة وانحرافاتها؛ من عصر الليمون إلى الدفاع عن تنظيم إرهابى.
وما حدث بالفعل هو أن الإخوان المسلمين ابتعدوا عن الثورة وهاجموها وافتروا عليها فى بدايتها، غير أنهم سرعان ما انضموا إليها. فلماذا وكيف؟
أعتقد، ليس بالاستناد إلى معلومات محددة، تُسأل عنها أجهزة الدولة التى تعرفها حق المعرفة، بل باستنتاج لا مناص منه من منطق الأحداث، وهو أن مشاركة الإخوان وحلفائهم جاءت باستدعاء ودعوةٍ وضوءٍ أخضر من مبارك. فقد وجدنا الإخوان وحلفاءهم ينزلون إلى الميدان ويدخلون على الفور فى مفاوضات مع اللواء عمر سليمان ممثلا للرئيس الأسبق مبارك. ويعنى هذا أن مبارك قام، فى سبيل تفادى الإطاحة به، بتوجيه دعوة عاجلة إلى الإخوان إلى النزول والتفاوض على أسس للتحالف معهم باعتبارهم طوق النجاة الوحيد، إدراكا منه لقوتهم الاقتصادية والجماهيرية والعسكرية التى ساهم هو نفسه، بعد السادات، وبعد اكتفاء عبد الناصر بالحلّ الأمنى، بقسط وافر فى صنعها وتوطيدها، بما أدى إلى ظهور اقتصاد إخوانى داخل الاقتصاد ودولة إخوانية داخل الدولة وسيطرة واسعة على النقابات والاتحادات والمنظمات الجماهيرية.
وهكذا تتجاهل الأسطورة أن "روح" مشاركة الإخوان فى الثورة، تمثلت فى قيامهم بتوظيف "دور" مريب قاموا به فى الثورة فى مخطط للانقضاض على سلطة الدولة وإقامة الدولة الدينية التى تشمل بخلافتها الإسلامية العالمية كل المسلمين على وجه الأرض. وكان مشهد تلك الوقفة أشبه بشخصين متلاحمين فى صراع مرير يراهما المرء من بعيد فى عناق أخوىّ جميل ولا تنكشف حقيقة الصراع المرير بينهما إلا من قريب. ذلك أن أهداف ونوايا ومخططات الوقوف معًا هى التى تحدد طبيعة هذا الوقوف المتجاور الملتبس. والحقيقة أن ما كان يبدو على السطح تحالفا جماعيا بين كل الطبقات فى بداية الثورة إنما كان وَهْمًا يحجب تحالفات سياسية-اجتماعية أخرى خفية، فكانت الأسطورة تُخْفِى واقع أن الوقوف معا إنما كان بين أعداء طبقيِّين وفكريِّين وسياسيِّين بدوافع وأهداف وغايات متناقضة بل متعادية بل متناحرة، وإنما الأعمال بالنيات.
ومنذ الثورة، جاءت "أسطورة روح الثمانية عشر يوما المجيدة" بأسطورة محورية أخرى هى أسطورة التوافق والمصالحة، مع الإخوان المسلمين، سرعان ما صارت كلمة السر فى سياسة مختلف القوى السياسية. فالتوافق الوطنى، كما تزعم الأسطورة، هو مفتاح حلّ مختلف قضايا الثورة. ومن هنا ارتفعت من كل جهة، من أفراد وجهات، مطالبات التوافق والمصالحة، وإدانات استعمال القوة المفرطة فى رابعة والنهضة!
والحقيقة أن هذا التأييد لجماعة إرهابية، حتى بعد أن مارست إرهابها على أوسع نطاق، وحتى بعد أن أشعلت بدايات حرب أهلية ما تزال متواصلة، فى تحالف وثيق مع أمريكا وإسرائيل وأوروبا وتركيا وقطر وحماس والقاعدة، يعكس نفوذ الإخوان بالمال، والفكر، وبالأصوات الانتخابية للإسلام السياسى، على مصالح وأفكار مَنْ يغامرون بوجود ومستقبل الشعب، كما يعكس نفوذ أمريكا والغرب بالمال والفكر.
ويتخذ بعضهم هذا الموقف رفضا للديكتاتورية العسكرية غير أن الدولة الدينية لن تكون إلا ديكتاتورية عسكرية، فهى بالتالى مصيبة أكبر؛ لأنها تضيف الخصائص الرجعية للدولة الدينية إلى الديكتاتورية العسكرية. والحقيقة أن العالم كله شرقا وغربا تحكمه ديكتاتوريات عسكرية، يمكن مقاومتها بالنضال الثورى، غير أنه لا سبيل إلى القضاء عليها إلا فى مجتمع مختلف جذريا، وإلا تحوَّل المجتمع إلى غابة.
وهناك دائما الأولوية القصوى لتفادى حرب أهلية لا تُبقى ولا تذر، يقود إليها بالضرورة مشروع إقامة دولة دينية، كما تقود إليها بالضرورة كذلك دولة دينية قائمة.
ولستُ مطلقا ممن يعتقدون أننا ذاهبون إلى مستقبل وردى، وراء أحد، غير أن علينا أن ندرك أن المهمة المصيرية الملحَّة تتمثل الآن فى إلحاق الهزيمة بجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وطرد أشباح كابوس مشروع دولتهم الدينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف