الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي

قاسيون

2005 / 7 / 17
الادارة و الاقتصاد


أحسن المصطلحات والشعارات لاتعني شيئاً، إذا لم تؤكد الممارسة مصداقيتها. فالاقتصاد السوري كان يوصّف خلال عقود، في النصوص القانونية وفي الوثائق الرسمية على أنه اشتراكي، بينما كان في واقع الحال رأسمالياً مشوهاً ومتخلفاً، إذن فقوة النص أو المفهوم تأتي من الواقع وليس العكس.
واليوم في إطار الصراع الجاري مع قوى السوق الكبرى التي تريد سوق فوضى تسميها «بالحرة»، يأتي مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي ليفتح إمكانية، مجرد إمكانية، للقوى المناهضة لأخطار السوق الحرة، كي تمنع حدوث كارثة إذا أحسنت تنظيم قواها وعبأت قوى المجتمع معرفياً وسياسياً في الاتجاه الصحيح.
وبعبارة أدق، إن مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي، ليس تعويذة قادرة بلمسة ساحر على إيقاف قوى السوق الكبرى المنفلتة والمتوحشة والمرتبطة بقوى السوق العالمية، فالشكل النهائي والملموس له ستحدده على الأرض محصلة صراع القوى الاجتماعية المختلفة، والذي يجري في بيئة إقليمية وعالمية غير ملائمة مؤقتاً للقوى النظيفة في جهاز الدولة والمجتمع.
لذلك فإن وضوح صياغة المفاهيم، وإيجاد أشكالها التطبيقية على الأرض سيرتدي أهمية كبيرة بالنسبة لمآل الصراع الجاري في البلاد حول آفاق التطور اللاحق.
من هنا تأتي أهمية الإجابة الدقيقة والواضحة عن الأسئلة التالية:
1. ماهي علاقة اقتصاد السوق، حتى لو كان اجتماعياً، بأشكال الملكية المختلفة (خاص، دولة، عام...إلخ)؟
يحاول البعض أن يتنصل من هذا الموضوع، كي يبقى الطابع الاجتماعي لاقتصاد السوق معوماً؟ والمقصود بالاجتماعي هو مصالح أية فئة اجتماعية يجب أن يخدم في ظل وجود مصالح متناقضة في المجتمع مستحيلة التوافق فيما بينها؟ أي بكلام آخر كيف يجري توزيع الدخل الوطني في المجتمع، وفي نهاية المطاف ماهي العلاقة بين الأجور والأسعار؟
لذلك يبقى الكلام عن اقتصاد السوق الاجتماعي بلا معنى، إذا لم يلامس أشكال الملكية التي تؤثر على طريقة توزيع الدخل، من هنا يصبح واضحاً أن أي تراجع لدور الدولة وأشكال ملكيتها هو خطوة إلى الوراء موضوعياً فيما يخص العدالة الاجتماعية، حتى لو كان هذا الدور من خلال ما ينتجه من قيمة مضافة يجري حتى الآن ليس لصالح الجماهير الشعبية، فهذا الدور هو شرط ضروري للعدالة الاجتماعية ولكنه غير كاف إذا لم يرافقه ضرب لمواقع الفساد يسمح بإعادة توزيع عادلة، وغني عن البيان أن التراجع عن هذا الشرط الضروري يطيل المسافة نحو العدالة الاجتماعية.
2. ماهي علاقة اقتصاد السوق الاجتماعي بدرجة التحكم أو العفوية في الاقتصاد؟
من المعروف أن الاقتصاد السوري الآن هو في أحسن الأحوال اقتصاد سوق مشوه، وهذا يعني أن درجة التحكم فيه منخفضة بغض النظر عن الإعلانات المختلفة حول دور الدولة المركزي سابقاً، وهذا يعني أن درجة عفوية فعل قوانين السوق عالية، والسير إلى الأمام يتطلب تخفيف التشوه وصولاً إلى إزالته لازيادته، مما يتطلب زيادة درجة التحكم الواعي الذي يتطلب دوراً جديداً للدولة، كما يتطلب تخفيض مساحة عفوية فعل قوانين السوق التي تنعش وتقوي قوى السوق الكبرى، وهذا إن حصل سينعكس إيجابياً على وتائر النمو التي تتطلب موارد يجب توجيهها نحوه بشكل واع، كما يتطلب تغيير معادلة الأجور والأرباح بشكل واع وعقلاني نحو تحقيق العدالة الاجتماعية مع كل ما يتطلبه ذلك من تحكم بالأسعار والضرائب والاستثمار وإزالة الفساد.
3. مامحتوى اقتصاد السوق الاجتماعي بعلاقة الاقتصادي والاجتماعي؟
حتى الآن يحمّل البعض انخفاض الفعالية الاقتصادية لنشاط الدولة لأعبائها الاجتماعية، والواقع أن العبء الاجتماعي هو دور واجب للدولةلامبرر لوجودها دونه في العالم المعاصر، ولكن السؤال: كيف يجب ممارسة هذا الدور؟
إن رفع الفعالية الاقتصادية على مستوى المنشأة عبر القضاء على النهب والفساد والهدر، سيؤمن تلك الفوائض الضرورية لممارسة الدولة لدروها الاجتماعي في التعليم والصحة والثقافة.. إلخ.. التي هي مجالات للاستثمار البعيد المدى وليست استهلاكاً لاتقوى الدولة عليه. وخلاصة القول إن قوى السوق الكبرى تريد تخفيض دور الدولة الاقتصادي، وبالتالي الاجتماعي، لتصبح لا دولة، كي تبني دولتها الحامية لانفلات قوى النهب والفساد ولكن هذه المرة بشكل مقونن ومشروع حقوقياً.
4.و أخيراً: ماوضع قوة العمل في السوق الاجتماعي؟
من المعروف أن مكونات السوق هي البضائع والرساميل وقوة العمل، وأنصار السوق الحرة يريدون تحرير سوق البضائع والرساميل، وإبقاء سوق قوة العمل مقيدة بالمعنى الاقتصادي حيث: تثبيت الأجور، وبالمعنى السياسي: حيث منع أية مطالبة بالحقوق بأي شكل كان. إن اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يحرر البضائع والرساميل من كل قيد ويبقي قوة العمل مقيدة هو اقتصاد سوق أكثر تشوهاً من الذي عرفناه، وهو ينقلنا عملياً إلى دكتاتورية الرساميل، لذلك يصبح تحرير قوة العمل أجراً وحقوقاً هو الشرط الضروري لاقتصاد سوق اجتماعي متوازن.
إن صياغة مفهوم وطني خالص لاقتصاد السوق الاجتماعي في ظروف سورية اليوم، يفترض ضرب مواقع الفساد وآلياته، وهو شرط ضروري للحفاظ على كرامة الوطن والمواطن، وهذه العملية تتطلب تعاون كل القوى الوطنية النظيفة في المجتمع وفي جهاز الدولة عبر حوار وطني واسع، يسمح بالوصول إلى الصيغ المثلى المستقاة من أرضنا، والتي ستلعب دوراً هاماً في تعزيز الوحدة الوطنية من أجل الحفاظ على السيادة الوطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 3 يوليو 2024 في محلات الصاغة


.. الإمارات والسعودية ما بعد -أفول شمس النفط- .. تنويع اقتصادي




.. تونس تستعد لانتخابات رئاسية في أكتوبر وسط أزمات سياسية واقتص


.. إنتاج الكهرباء انخفض في الفترة اللي فاتت والاستهلاك زاد..أسا




.. الحكومة الجديدة تعمل إيه عشان تحل أزمة الكهرباء؟ أسامة كمال