الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- طقوس مشرط النقد الديمقراطي - حوار مع المفكر التونسي ، اليساري الأديب نور الدين الخبثاني في -بؤرة ضوء-- الحلقة الحادية عشر من - العقلنة والإنعتاق الإنساني -

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2014 / 5 / 1
مقابلات و حوارات


" طقوس مشرط النقد الديمقراطي " حوار مع المفكر التونسي ، اليساري الأديب نور الدين الخبثاني في "بؤرة ضوء"- الحلقة الحادية عشر من " العقلنة والإنعتاق الإنساني "
من رواق الأدب والثقافة

22.كناقد ماالذي يعتريك حين تجتذبك بعض النصوص ، فتشمر عن أدوات النقد ومشرطك النقدي ، لتمارس طقوس رؤاك في تشخيص العمق الجمالي والإبداعي أو مواطن الضعف فيها ؟

الجواب:
النقد هو بحكم دلالته اللغويّة البديهيّة أو التي تبدو كذلك, هو عملّية انتقاء تتداخل في توجيهها أو التأثير عليها متغيّرات عديدة متشابكة, ذوقيّة, معرفيّة, ثقافيّة, و اجتماعيّة تداوليّة. و الناقد ليس موظفا ملحقا بالكاتب المنتج للنص, و لا هو طبيب مكلّف بمعالجة " النص يقوم بتشريحه و الكشف عن علله. لا فقيها يصدر الأحكام الفاصلة في شأن النص , أو هو عرّافا و لادجّالا يكثر من دخان الأبخرة ز فرقعات التمائم ليلفت الانتباه إلى النص الأدبي ليجني من ذلك بعض الأجر و بعض سحر الشهرة . إنّما هو مبدع له حقله الخاص ينتقي مشاتله و بذورها ليوزّع حديقته المختلفة بأدواته الخاصة من المفاهيم و المناهج .
و للنقد ـ في ما أرى ـ كمنحى معرفيّ , له دورته المنتجة بمراحلها المختلفة المترابطة , التي تبدأ بالقراءة الأولى و ما تحدثه من أثر يولّد الانطباعات و الحدوس و الأسئلة الأوّليّة , ليمرّ الى مرافقة تفصيليّة لموضوعه و تنتهي بوضع محاور كبرى للاهتمام و التناول بالتأويل , تظلّ خاضعة باستمرار للمراجعة و التعديل لكي لا تتحوّل إلى قوالب جاهزة تخضع النصّ لحقائقها و أحكامها , و تختزله في أهدافها الخاصة , كما يتطلّب النظر في النص إعدادا بتفكيك الجوانب الفنيّة منه و طرائق الكتابة و أنماط الخطاب ( تقنيات السرد في الرواية و بناء الصور في الشعر ...) . لنصل في النهاية إلى التأليف بين ما تراكم من نتائج الاستقراء و الاستقصاء, في وحدة نصّ إبداعيّ جديد. و هو المنهج الذي نزعم تسميته بـ " قراءة ممكنة " قوامها نموذج تأويليّ تتعدّد فيه مستويات الـتأويل بالاستناد الى مسار معرفيّ تحدده مناخات القراءة , أو تتعدد فيه النماذج و المسارات إذا كان النص مركّبا , لتلتقي بالتقاطع في حوض دلاليّ موحّد أو متجانس . و نموذج التأويل أو التأويل بالنموذج هو إحدى المناحي الجديدة لمناهج النقد الأدبيّ العربي الذي لم يعتمده إلى حدّ الآن سوى قلّة من النقاد العرب و لعلّ من أبرزهم عبدالله الغذامي ....
و لعلّ خلاصة ما نرتئيه و ننحاز له , في المشروع النقديّ التأويلي , و هو بصدد البناء و التبلور النظريّ و التطبيقي , ينطلق مما أشرنا له سابقا في شأن " القراءة الممكنة " , التي تعبّر بدورها عن جملة من الاختيارات المنهجيّة و المعرفيّة التي تتباين نوعيّا مع تصوّرات و قواعد المناهج النقديّة السائدة في خطاب النقد الأدبي العربيّ , لكونها ـ كقراءة ممكنة ـ تقول بالاحتماليّة و بالطابع المؤقت لاستنتاجاتها , و تعتقد في أولويّة الاستقراء على الاستنباط , أي أنها تشتغل بالخروج من الموضوع / النص الابداعي ألى المعرفة الحافّة به و ليس ألعكس و إن كان ذلك لا يعني إقصاء الاستنباط تماما و لسبب بسيط و هو استحالة ذلك على اعتبار أن كلّ عمليّة إدراك و تصور و تفكّر لا بدّ لها , بصفة واعية أو غير واعية أن تنتقل تباعا من الخاص إلى العام و من العام إلى الخاص , و لسبب آخر يرتبط بطبيعة المنهج الذي يفترض العثور على " النموذج التأويلي ", الذي هو من طبيعة معرفيّة , انطلاقا من عوالم النص الابداعي , و ليس من نظريّة أدبيّة أو إيديولوجيّة خارجة عنه .
فالقراءة الممكنة هي إذن اختيار منهجيّ يتصف بكونه مرافقة عاشقة للنص , تقلب العلاقة التقليديّة في التعامل معه ـ و هي العلاقة الموروثة عن تقليد تفسير النصوص المقدّسة ـ من علاقة تنطلق من الكتابة نجو القراءة , إلى علاقة تبدأ بالقراءة / التلقي لتتجه نجو الكتابة / المتن , فلا يكون بذلك النقد بحثا و كشفا عن نوايا و معاني و جواهر , ثابتة و ثاوية في النص , بل هو تأويل يرتبط بمعارف القارئ , بثقافته و انتظارا ته , و درجة استمتاعه بالنص. فلا يخرج بذلك بحقائق نهائيّة مطلقة , بل إلى جملة من الاستخلاصات النسبيّة , التي من شأنها أن تختلف و تتغيّر من متأوّل إلى آخر . كما يمكن لذات النتائج الدلاليّة أن تخضع من جديد إلى المراجعة و التطوير , بحسب اتساع أفق القراءة و التلقي النصيّ و المشهديّ و المعرفيّ.
و بذلك يمكن الإعلان عمّا يمكن أن نحسبه جدوى و نجاعة لـ" القراءة الممكنة " , بما هي تأويل بالنموذج , لأنها المنهج الوحيد – إلى حد الآن – الذي يحدد لنفسه غاية أو غايات لا تدّعي الشموليّة , و أنه يحتمل إيواء و تجاور مسارات تأويليّة مختلفة , ويتجنّب اتخاذ موقف الاقصاء و الاستبعاد و النفي , باسم امتلاك الحقيقة الأحق , و الموقف الأسلم.
و هي مع ذلك لا تستبعد توظيف مكاسب التناول النسقيّ , بل تذهب في هذا الشأن إلى استدعاء أكثر أنماط التفكير تجريدا , كالرياضيات مثلا . ( من ذلك اعتماد نظريّة الكوارث الرياضيّة عند " روني طوم " ) . و بالتالي فهي ليست طريقة انطباعيّة و عفويّة كما قد يتبادر للأذهان كما أنها تعمل أكثر ما يمكن على تفادي الاختزال و التقليم , من خلال وضع توزيعيّة للنص تقسّم مكوّناته بين ما هو مركزيّ و هامشيّ , اتعالجها برصد طيف متعدد من العلاقات الرابطة بينها, ليتسنى لها تجاوز إسناد هيمنة الدلالات المركزيّة و تنسيبها بعلاقات التكافؤ و التساكن , أن تذهب , بما تسمح به رهانات النص , إلى حدّ الانقلاب بهدم تفوّق المركز على هامشه .
و بقدر ما تتقدّم هذه العمليّة , و تتوفر لها الشروط الذاتيّة ( معارف المتلقي ) و الموضوعيّة ( مدى ثراء المكوّنات النصيّة ) , تصبح مهمّة النقد أقرب إلى الغاية الأساسيّة للتأويل , وهي رسم ملامح فرادة النص و و ما جاء به من رصيد استثنائيّ , الذي به يأخذ مكانته / منزلته في خريطة المشهد الابداعيّ ليصبح واحدا من مكوّنات تضاريسه بحسب مقدار تخلّصه من القديم و المألوف و اجتراحه للجديد المفاجئ و المخلخل ... و المؤسس.
لتكون بذلك هذه " الطريقة قد اضطلعت بالتشريع إلى التعدد الداخليّ : مسارات و مستويات , و التعدد الخارجيّ : اختلاف التأويلات و نسبيّتها , عسى أن تكون قد توصلت الى تأكيد مشروعيّة ما دعا إليه الناقد الفلسطينيّ و المفكر الكبير إدوارد سعيد , و وسمه بـ : النقد الديمقراطيّ ؟
أمّا بالنسبة للمدارس و المناهج النقديّة السائدة , فإنّ خطاب النقد الأدبي العربي بتعدّد اتجاهاته ( شكلاني, جمالي, اجتماعي , نفساني , نسويّ...) فإنّه ينقسم عموما إلى تيّارين كبيرين : التيار اللغوي الشكلاني و التيار المادي الاجتماعي . يهتم الأوّل بطرائق الكتابة و الأساليب الفنيّة و يركّز الثاني على القضايا الاجتماعيّة و الفكريّة ـ الايديولوجيّة , مع لزوم الإشارة إلى ما حصل من بعض التطور في اتجاه تجاوز هذه الثنائيّة النقديّة , بالنظر الى تميّز المنهج النقدي الذي يعتمده الناقد الفلسطيني فيصل درّاج من خلال المزاوجة الطريفة بين المنهجين . غير أن مظاهر القصور التي تعتري خطاب النقد الأدبي العربي برمّته كثيرة و من أهمها : غياب الدقّة و التساهل في نقل النظريات و المفاهيم , و استبدالها دون مبرر أو حاجة علميّة لذلك , و سحبها بصفة آليّة على موضوعها ـ النص الأدبي العربي ـ , و الاكتفاء بها دون العمل على تطوير أيّة قدرة على المساهمة في إنتاج المفاهيم , و بالتالي الاحتفاظ و التسليم بموقع التبعيّة المعرفيّة , و دور النقل الاستهلاكي الكسول للرصيد الثقافي الأجنبيّ . و لذلك فإنّ الانحياز الراهن لمنهج التأويل بالنموذج , يجب النطر له كمحاولة لتحرير خطاب النقد الأدبي العربي من هذه التبعيّة , من خلال رسم هدف ملحّ هو السير به نحو اكتساب القدرة على الانتاج النظريّ و المعرفيّ , استنادا إلى ما يختص به المنهج من حريّة في اختيار "نماذجه" كمّا و نوعا , و لما يتميّز به من نسبيّة و مرونة في صياغة نتائجه , مع انفتاحه على تعدد التأويلات التي تفتح بدورها بابا للجدل الخلاّق , الذي من شأنه أن يساعد على شحذ " الشخصيّة النقديّة العربيّة " بصعوباتها و أسئلتها , و بحاجاتها و أجوبتها , و هو ما يرجّح تحوّلها بالتراكم إلى رافد من روافد إنتاج المعرفة الكونيّ ؟


انتظرونا والمفكر التونسي ، اليساري الأديب نور الدين الخبثاني عند رواق الأدب والثقافة وسؤالنا " 23. كل شاعر يكتب لابد هناك من هاجس يدفعه للتدوين ، فما ذاك الهاجس الذي يستحوذ على أناك لتطويع الأدوات الأدبية والموسيقية في الكتابة ؟ "- الحلقة الثانية عشر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?غرب وا?طرف الخناقات بين ا?شهر الكوبلز على السوشيال ميديا


.. عاجل | غارات إسرائيلية جديدة بالقرب من مطار رفيق الحريري الد




.. نقل جريحتين من موقع الهجوم على المحطة المركزية في بئر السبع


.. سياق | الانقسام السياسي الإسرائيلي بعد حرب 7 أكتوبر




.. تونس.. بدء التصويت لاختيار رئيس الدولة