الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا ديمقراطية بدون فردية

مناف الحمد

2014 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


لا ديمقراطية بدون فردية
مناف الحمد

عندما تكون خبرة الوجود الفردي ضعيفة ، وهو الحاصل في مجتمعاتنا التي لا يزال الفرد فيها يعرّف بدالة الانتماء إلى إطار ما طائفي أو قبلي أو جهوي أو ........تصبح نهاية هذا الوجود الفردي ليست ذا شأن خطير .
ولأن إدراك الموت صفة مميزة للإنسان ، فإن ما تفعله هذه المجتمعات لا يعدو أن يكون قمعاً وكبتاً لإدراك نهاية الوجود الفردي .
وهو كبت يدفع هذا الإدراك بعيداً إلى هوّة عميقة في كيان الفرد بدون أن يتمكّن من القضاء عليه.
ضعف الإحساس بمأساة نهاية الوجود الفردي المنبثق عن ضعف خبرة التفرد أحد العوامل المفسّرة لغلبة ثقافة الموت على ثقافة الحياة ، والاستهتار بقيمة الحياة عند شباب في مقتبل العمر .
تقدّم بالطبع تبريرات للفعل الذي يسميه أصحابه "استشهادياً " وهي تبريرات لا ترقى إلى مستوى التأصيل الشرعي السليم إذا أردنا التحاور بأدواتهم نفسها .
ولكن الجذر العميق على ما نعتقد هو ما ذكرناه من أن التفرّد ليس معاشاً كما يجب أن يعاش .
وما قلناه عن تهافت التأصيل الشرعي لهذا الفعل يجد مستنده في فقدانه للأسس الثلاثة التي تبرّره من منظور شرعي .
فقتل أبرياء جائز حتى لو كانوا من جبهة الاستشهادي إذا وفقط إذا تحققت شروط ثلاثة وضّحها الغزالي في مستصفاه :
أن تكون العملية ضرورية بمعنى وقوعها في الصنف الأول من الأصناف الثلاثة (والصنفان الآخران هما الحاجيات والتحسينيات ) التي آلت إليها القسمة لأفعال البشر في أصول الفقه الإسلامي وصفة الضرورة كفيلة بجواز خرق حتى المحرّمات بدون وزر .( ومثالها إباحة شرب الخمر للضرورة عندما يهدد العطش بالموت ، وحيث لا وجود لشراب غيره وهو مسموح بقدر الضرورة فقط ) .
وأن تكون قطعيّة بمعنى أن مصلحة المسلمين مستحيلة التحقّق بدونها .
وأن تكون كليّة أي أنها تحقق مصلحة المجموع .
وليس شاقّاً الاستنتاج أن هذه العمليات التي سنّتها التيارات الجهادية المتطرفة لا تحقق أيّ شرط من هذه الشروط الثلاثة ؛ فلا هي كفيلة بتحقيق مصلحة كلية ( والتجارب تؤكد ذلك ) ، ولا هي قطعيّة ، وليست السبيل الوحيد الممكن انتهاجه للوصول إلى الهدف ، ولا هي من صنف الضروريات.
لكن ضعف أهمبة تراجيديا الموت، وكون الإحساس بها قابعاً في غور عميق يمكن أن يكون عاملاً مفسّراً لاعتيادنا على رائحة الموت ، وتراكم الجثث بعشرات الألوف ومرور أخباره بشكل شبه سلس على مسامعنا وأبصارنا .
يحمل الاستشهادي تبريراً لفعلته " بغضّ النظر عن كونه تبريراً متهافتاً " ولكنه تبرير للتضحية بالحياة من أجل قضية ، ولكن كيف يبرّر تبلد الحسّ أمام تحوّل الموت إلى ظاهرة عادية تستدعي قليلاً من الحزن وبعضاً من الدموع ثم تمرّ مرور الكرام .
لماذا يموت الأطفال والنساء والشيوخ بالآلاف في مجتمعاتنا وهم بنسبة كبيرة منهم ليسوا أصحاب قرار فيما يجري ونعتبر الأمر ثمناً مبرراً ؟
صحيح أن للحرية ثمناً يجب أن يدفع ، ولكن ليتحمّل المطالب بها هذا الثمن ، وليس من لم يقرّر السير في طريق الظّفر بها بالسلاح .
النظام المستبد الباحث عن البقاء لا مشكلة لديه في قتل الآلاف ، ولكنّ الباحثين عن الحرية يجب أن يكون شعورهم بقيمة الفرد أكثر رهافة ، وأن يدفع إلى سطح الوعي هذا المكبوت المتمثّل بالإحساس بنهاية الوجود الفردي .
وليست كلمة يجب هنا ترفاً جاء به سياق الكلام ، وإنما ضرورة يتطلبها الادعاء بالحلم بدولة ديمقراطية ؛ فلا ديمقراطية بدون فرد يحسّ بفرديته ، ويدركها بعمق إدراكاً لا يمكن أن يكتمل بدون إحساس واضح وقويّ وغير مقموع بفكرة نهاية الوجود الفردي .
ما لم نقدّر فرديّتنا وما لم نعشها كخبرة وجودية تملأ كياننا وتصبغ سلوكنا فلن ندفع إلى سطح وعينا فكرة الموت ، وما لم نقم بالفعل الأخير فلن نتمكّن من الفعل الأول ، وما لم نتمكّن منه فسنظل مادة طيّعة في يد الاستبداد إن لم يكن بشكله الحالي فبأشكال أكثر قسوة ووحشية وإجراماً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف