الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوجين في موكب الموت

جوتيار تمر
كاتب وباحث

(Jotyar Tamur Sedeeq)

2014 / 5 / 2
الادب والفن


كوجين في موكب الموت
جوتيار تمر
في المساء تدب الحياة بشكل جميل في كل شرايين القرى، حيث الطبيعة الآسرة تبعث بسحرها الارجواني الروح من جهة، والغبار المتصاعد من الطرق الذي يعانق تلك الاشعاعات الحمراء بسبب عودة المواشي والاغنام من جهة اخرى، يرسمان لوحة سيريالية لاحدود لمنطقها.. وكوجين النظرة التي لم تزل في ربيعها الحادي عشر كلما هطل المساء على القرية تخرج الى السطح لتشاهد تلك المناظر الخلابة وعلى الرغم من كونها مصابة بالربو الا انها لاتقاوم المشهد فتصر على الصعود برفقة والدتها التي لاتستمع بالمشاهد بقدر ما تستمع من مشاهدتها لابنتها وهي فرحة ومرتاحة .. على الرغم من قلقها الدائم على ابنتها من الغبار والمرض المفاجئ.
في احدى مساءات ربيعها الاخير كانت هي برفقة ابنة عمها رانية التي تكبرها بثلاث سنوات على السطح تشاهدن مرور الابقار في الطريق الضيق بجانب بيتهم، ومن بعيد كانت الاغنام تسير بانتظام يتقدمهم راعي مع كلبه الغريب بلونه حيث لا هو بُني ولا اسود انما مزيج بنهما، والغبار كالعادة يعانق السماء بتفاصيلها، وفجأة خرق ذلك المشهد ضجيج المواشي وهي تطلق بعنان صراخها في الارجاء وكأنها تنذر بشيء ما آت من المجهول غير المفهوم..ارتبكت رانية وكأنها شعرت وسمعت اصوات غير التي آلفتها من قبل في تلك الاوقات..ضمت برأس كوجين الى صدرها..قالت كوجين ماذا يحدث رانية لماذا الحيوانات تركض هكذا بدون وجهة ولماذا هذه الفوضى تعم كل مكان..قالت رانية دعينا ننزل بسرعة حبيبتي فالحيوانات تخاف الاصوات الغريبة عليها..وما اسمعه انا غريب علي ايضا وبث في الرعب فكيف هي التي لاتعي شيئاً..وهما ينزلان اذا بام كوجين تصعد بسرعة وتأخذهما الى مكان يسمونه في القرى ملجأ وهو حفرة تحت الارض تم حفرها باتقان ومجهز بسلم خشبي يساعدهم على النزول والصعود وفوهة الجفرة يتم سدها ببعض اغصان الشجر والقصب احيانا وتغطى تلك الاغصان والقصب بقطعة قماس او بلاستيك ومن ثم يغطى بطبقة سميكة من التراب ومع انه يبدو هكذا ثقيلا وغير قابل للحركة الا انهم وبطريقة ما تعودوا على رفعه واغلاقه اثناء الحاجة.. كانت كوجين قد اصيبت بنوبة واصبح تنفسها صعبا قالت رانيا ليس الغبار السبب اظنه ذلك الدخان الذي وجدته بعدما صدر ذلك الصوت.
قالت امها نعم بنيتي عيناك ايضا حمراء ...ردت رانية لاتقلقي علي فقط لنأمل ان تكون كوجين بخير..حينها دخل والد رانية وهو يقول هل انتم بخير ونظر الى كوجين الطفلة اليتيمة وهي تكاد تتنفس فدمعت عيناه..ونظر الى امها كانت تبكي بصوت خافت وبدموع مخفية.. ورانية كانت قد ركضت اليه فضمها الى صدره..قال لاتخافوا لحظات وينتهي الامر وسنخرج بعدها الى الجبل..كان الصوت القوى هو صوت القنبلة ..اما الصوت الاخر الغريب فقد كان صوت الطائرات التي قصفت القرية بقنابل تصاعد منها الدخان الابيض والذي اصاب اغلب ابناء القرية بحالة من الذعر والخوف.
كوجين كانت قد فقدت والدها قبل سنة..حيث دفن في العراء مع اصحابه لانهم رفضوا اللحاق بالجيش.. فعاشت هي وامها تحت رعاية عمها..الاخر الذي كان معاقاً وعاش لابنته فقط بعدما فقد زوجته قبل اربعة عشرة سنة اثناء ولادتها ل رانية لهذا لم يكن لكوجين وامها غيره من يهتم بهما.
في الليل وبينما هدأت الاوضاع قليلاً صعدت ام كوجين (زينب)الى بيتها المكون من غرفتين حيث تعيش هي وبنتها في واحدة والاخرى قد حولته الى مخزن ومطبخ وهو بيت ترابي فقط يمنع عنهم الامطار وبرودة الشتاء ويقيهم حر الصيف..فبدأت بجمع بعض الملابس وتجهز بعض الحاجيات الغذائية.. وما ان انتهت هي حتى اخرج ابو رانية واسمه (بشده ر) الاطفال من الملجأ والتحقوا بباقي افراد القرية الذين نجوا وساروا نحو الجبل القريب بالاخص الى الكهوف لعلهم يتحصنون من الطائرات وقصفها..كانت كوجين قد عادت تتنفس قليلا الا انها لم تكن بوعيها تماماً لان ذلك الدخان قد اثر عليها كثيراً فبدأت بعد مراحل من السير بالتقيؤ واحمرت عيناها بشكل حتى لم تعد ترى كما ظهرت على جسدها النقي بعض علامات الحرق..وجرى الامر مع رانية ايضاً فنظر والد رانية الى زينب وقال لها دع عنك الاغراض واحملي ابنتك وانا ساحمل رانية وبعض الاغراض.. حينها سمع بشده ر صوت احد ابناء القرية وهو يقول ساساعدكما وانا ساحمل كوجين.. كانت الخطوات تسابق الزمن وتأمل بالوصول الى الجبل والى كهف ما لعلهم يجدون بعدها علاجا للاطفال..خاصة ان الاطفال اغلبهم قد اصيبوا بنفس الاعراض حيث التقيؤ واحمرار العيون ومن ثم تدريجيا بدأوا يفقدون القابلية على الحركة..وفي منتصف الطريق نادى الشاب صديقه بشده ر اظنها لاتتنفس صرخت زينب ابنتي ابنتي ماذا حصل لها.. فالتم اهالي القرية وبدأ الصراخ واصوات البكاء تتعالى كوجين كوجين كوجين...لكن كوجين كانت قد نعت الخراب وتركته وصعدت الى مأوى بلاشك سيكون اكثر أمان واكثر راحة لها.. وما هي الا لحظات حتى بدأ البكاء والصراخ يعم اغلب من كان معهم..لانهم كانوا قد بدأوا بفقد اطفالهم..كان الكبار من شدة تعلقهم بالاطفال واهتمامهم بامرهم قد نسوا بان ذلك الدخان لايرحم ولايفرق بين صغير وكبير..الانفعال والمشاعر تلك ارهقتهم ايضا فبدأت الاعراض تظهر عليهم بالتالي.. بدأت الارواح تئن بصورة اظنها اجبرت السماء على ان تدمع..ولان السماء من طبعها المكابرة ارسلت بزخاتها تطهر ذنب وقوفها عاجزة ومتفرجة لتلك المجزرة...بدأ المطر يهطل بغزارة..تجمدت الاجساد في اماكنها.. تلك الاجساد التي فقدت جزء منها..وبدأت تهيء مواكب موتها..اما الباقي فاكملت مسيرها للجبل..مر الوقت سريعاً وفي الصباح الباكر السماء كانت لم تزل غائمة ولكن المطر كان قد اكتفى..والطريق ذاك كان قد تحول الى مقبرة جماعية حيث لم يصل للجبل سوى افراد قلائل واغلبهم من الشباب اما الباقي فقد تحولوا الى شواهد قبور على طريق كانت كوجين ورانية والاخرين في ايام نوروز يركضون عليه ليصلوا الى قمة الجبل للاحتفال ولم يكونوا يعلمون بانه سيكون في يوم اخر طريقاً يسير عليه موكب موتهم المنتظر.
الشاب الذي حمل كوجين صديق بشده ر واسمه اعتقد سردار كان ممن وصل الى الجبل، وعاد في الصباح ليعرف مصير صديقه وعائلته، واذا به يصاب بالدهشة ويصعق بالمشهد الذي رأه.. رانية قد وضعت رأسها على صدر ابيها الذي بدوره كانت احدى يديه بين خصلات شعر ابنته، والاخر ممسك بيد كوجين وهذه الاخيرة كان رأسها في حضن امها.. ركع الشاب ونظر الى السماء متمتماً أهكذا تكون النهايات..؟.
24/4/2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-


.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت




.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً


.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو




.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس