الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يجب رفض ترشيح سيادته

عفيف رحمة
باحث

2014 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


باديء ذي بدء، لا يراد من هذا البحث التطرق لموضوع الإنتخابات الرئاسية كإستحقاق دستوري، لأن الشرعية الشكلية، التي تتذرع بها الزمرة الحاكمة المستأثرة بالسلطة في سوريا منذ أربعة عقود، لا يمكن ان تتقدم على شرعية الضرورة الموضوعية التي تقول أنه لا مسار لحل الأزمة السورية إلا مسار الحل السياسي الجذري والشامل الذي ينقل سوريا من بيئة الإستبداد السياسي إلى بيئة الديمقراطية السياسية التي تضمن بدورها المشاركة الحقيقية للشعب السوري في صناعة مستقبله وفي تحديد هوية وطنه سوريا.
البحث هنا لا يتناول فشله خلال دورتي حكمه بوضع البرامج السياسية والإقتصادية اللازمة لتحقيق التنمية والنهضة الوطنية، فهذه فات أوان مناقشتها، ولا فشله بإدارة الأزمة الوطنية الأكبر والأعمق في تاريخ سوريا الحديث، فهذا الفشل مستدام ولا مناص منه بحكم اعتماده على زمرة كان لممارساتها الدور الأكبر في تعميق هذه الأزمة وتصعيدها ووضعها على طاولة مراهنات المصالح العالمية التي يتلذ الكبار بلعبها، البحث يتناول الجوانب القانونية والدستورية التي تجعل من رفض ترشيح سيادته موقفاً وطنياً.
واجب رفض ترشيحه يعود لعدم إلتزامه بقسمه الدستوري (المادة سبعة) الذي يتضمن ما نصه "مراعاة مصالح الشعب وحرياته, والمحافظة على سيادة الوطن واستقلاله وحريته والدفاع عن سلامة أرضه, والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية".
منذ بدء حكمه اعتمد سيادته سياسات إقتصادية وإجتماعية جائرة بعيدة عن مصالح الشعب، لم تعمل إلا على تعميق الإنقسام الطبقي للمجتمع ولم تنتج إلا المزيد من الفقر والجهل والفساد، مقدمات مادية لأعمق أزمة وطنية عرفت في تاريخ سوريا الحديث.
أمام واجب حماية الحريات والنظر بقضايا الشباب الأكثر تأثراً بسياساته المنحازة لشريحة المستفيدين الكبار، لجأ سيادته لوصف التمرد بالفوضى والشغب والإرتهان للخارج وللمشاريع الإقليمية والعالمية (خطاباته) في الوقت الذي أقر الدستور في مبادئه حق هؤلاء الشباب في الاجتماع والتظاهر سلمياً والإضراب عن العمل (المادة الرابعة والأربعون).
وعوضاً عن إقراره بموضوعية الأزمة وأسبابها وواجب السعي، في إطار مهامه الدستورية، لمعالجتها تحقيقاً لمباديء العدالة الإجتماعية والحرية والمساواة وصيانة الكرامة الإنسانية لكل فرد (المادة التاسعة عشرة)، جعل من مقولة المؤامرة الرافعة السياسية لإخراج كتلة إجتماعية هامة من دائرة الوطنية إلى دائرة اللاوطنية.
مهام دستورية لا تحتاج عند صدق النوايا لأكثر من الحوار والعمل السياسي الواعي الذي استبدله بالعنف، بذريعة مقاومة العنف، والعمل العسكري، بذريعة مقارعة الإرهاب، دافعاً المجتمع نحو الإنقسام بما يخالف المادة الحادية عشرة (تكفل الدولة حماية الوحدة الوطنية).
ضمن هذا المناخ من العنف والعنف المضاد وضع المؤسسة العسكرية في حالة إستعصاء كان من نتائجها انقسام شاقولي كرد فعل على تحميلها غير مهامها الوطنية متناسياً مضمون المادة الحادية عشر (الجيش والقوات المسلحة مؤسسة وطنية مسؤولة عن الدفاع عن سلامة ارض الوطن وسيادته الإقليمية, وهي في خدمة مصالح الشعب وحماية أهدافه وآمنه الوطني)،
من خلال موقعه كقائد أعلى للجيش والقوات المسلحة (المادة الخامسة بعد المئة) لم يفشل في حماية هذه المؤسسة العسكرية من هذا الإنقسام فحسب بل أظهر عجزاً في توجيهها وتوظيف قدراتها في منع تسلل مسلحي إرتزاق الحروب في إطار "الدفاع عن سلامة ارض الوطن وسيادته الإقليمية, وخدمة مصالح الشعب وحماية أهدافه وآمنه الوطني(المادة السابعة والمادة الحادية عشر) ومنشآتها ومؤسساتها ومرافقها العامة (المادة الرابعة عشر) وقبل كل شيء حماية المواطن والوحدة الوطنية (المادة السادسة والتسعون).
كان لسوء استخدامه السلطات الممنوحه له دوراً في توطيد العنف والقمع مما فتح الباب لإبعاد أو إبتعاد جملة من القيادات السياسية المعارضة، لكن المؤهلة للمشاركة بمعالجة الأزمة، تحت ذريعة تهديدهم للنظام المقاوم وأمن الدولة الممانعة، بشكل مخالف للمادة الثامنة والثلاثون (لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن أو منعه من العودة إليه)، والمادة الثانية والأربعون (حرية الاعتقاد مصونة وفقاً للقانون، لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلانية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة).
وإذا كان قبل بمضمون الدستور لعام 2012، حيث كان له الدور الأول والاخير بتحديد مضامينه، فقد قبل حكماً بالمادة الرابعة والخمسون بعد المئة (أحكام عامة وانتقالية) والتي توصي بمنح الرئيس فترة ثلاث سنوات للإنتقال إلى حياة سياسية جديدة نظراً لما تقتضيه من تعديل للقوانين والممارسات القديمة، إلا أن سيادته لم يصدر حتى اليوم أي تعليمات أو مراسيم أو قرارات لإنهاء البيئة الحزبية والسياسية المهيمنة على الحياة السياسية والإجتماعية والفكرية، كما استمر بالعمل بامتيازات دستور 1973 وبعقلية النظام القديم مخالفاً ما نصت عليه المادة الثامنة التي تنص على أنه (لا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة سياسية أو حزبية أو انتخابية)، وسيادته ما زال يستخدم المؤسسات الحكومية وأجهزة الإعلام الرسمي لترويج حملته الرئاسية مستخدماً الوظائف العامة والمال العام لمصلحته الحزبية والسياسية.
أما الظاهرة الأكثر فحشاًً فلم تكن إعطاءه الأوامر بإلقاء البراميل المتفجرة كرد على الجماعات المسلحة التي ترمي بدورها قذائف الهاون، فالعملان يندرجا في حقل الجريمة السياسية حيث يموت أطفال أبرياء لم يكن لهم دور في إنتاج الصراع في سوريا.
الفحشاء في مخالفته قواعد حقوق الإنسان التي أشار إليها الدستور (في مقدمته) والتي تنص على حق الطفولة بالحماية والتعليم، فما زالت أجهزة السلطة تتابع ممارسة ما اعتبرته عرفاً سياسياً، فهي لا تكتفي بالتخريب الممنهج للعملية التعليمية بتوظيف الكادر التعليمي والتربوي في صالح الدعاية السياسية للزمرة الحاكمة، بل تزج طلبة المدارس تحت سن الثامنة عشر في الدعاية الحزبية والسياسية لرأس السلطة والنظام، في الوقت الذي يفترض فيه وهو الحارث دستورياً على الوطن ومؤسسات الوطن أن يصدر تعليماته بمنع استخدام الطفولة في الإتجار السياسي والحزبي.
كثيرة هي المخالفات الدستورية التي تلزم المحكمة الدستورية رفض ترشحه إلا ان أهم معيار وطني يجب النظر فيه تسليم سلاح دون استفتاء الشعب السوري (المادة السادسة عشرة بعد المائة)، وتجاهله ما انتجته الكارثة السورية من قتلى تجاوز عددهم 175 ألف قتيل وما يكافؤهم من جرحى ومتضررين جسدياً، وما يزيد على مئة ألف مفقود بين مقتول ومعتقل، وأكثر من مليونين ونصف مواطن لاجيء في دول الجوار و ستة ملايين ونصف مواطن مهجر خارج منزلهم و نحو مليون متضرر مالياً واقتصادياً، مع كلفة إعادة إعمار تتجاوز 200 مليار دولار أميركي حتى اليوم، كان للرعونة السياسية الدور الرئيس في تسببها.
ضمن هذا المشهد الوطني الماساوي، مازالت ابتسامات ممزوجة بالنرجسية والسادية مأخوذة من الإعلام الرسمي تمر على شاشات العالم كجزء من استعراض لا مسؤول لأكبر ماساة عرفت في عصرنا الحديث كان للجهل بالحتميات التاريخية وعدم فهم قوانين حركة المجتمعات البشرية والإنسلاخ عن الواقع والرعونة السياسية الدور الأكبر في إنتاجها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا يحدث عند معبر رفح الآن؟


.. غزة اليوم (7 مايو 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غزة




.. غزة: تركيا في بحث عن دور أكبر خلال وما بعد الحرب؟


.. الانتخابات الرئاسية في تشاد: عهد جديد أم تمديد لحكم عائلة دي




.. كيف ستبدو معركة رفح.. وهل تختلف عن المعارك السابقة؟