الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-المرئي- من كَوْننا يتضاءل و-اللامرئي- يَتَّسِع!

جواد البشيتي

2014 / 5 / 2
الطب , والعلوم


جواد البشيتي
"سرعة الضوء" و"الجاذبية" وَلَّدَتا ظاهرة، في الفيزياء الكونية، يقودنا تأمُّلها إلى استنتاج مؤدَّاه أنْ ليس كل ما لا نراه، أو ندركه حِسِّيَّاً، أو نلاحظه، من الكون (أو من كوننا) يجب ألاَّ يكون له وجود (فيزيائي، حقيقي، واقعي).
وتظل "الجاذبية"، لجهة تأثيرها هذا، أقل شأناً من "سرعة الضوء"؛ فـ "الثقب الأسود" بجاذبيته المتطرفة في قوَّتها وشدَّتها (وما "الجاذبية"، بحسب "النسبية العامة" لآينشتاين، إلاَّ ما نراه من نتائج وعواقب انحناء الفضاء) لا يُرينا نفسه؛ لأنَّ الضوء (على افتراض وجوده في داخله) لا يستطيع أبداً مغادرته؛ لكننا نستدل على وجوده استدلالاً؛ فنحن يمكننا أنْ نرى ونلاحظ تأثيره في المادة التي في متناوَل "يده".
افْتَرِضْ الآن أنَّكَ موجود في نقطة ما من الفضاء الكوني (من الفضاء بين مجموعتين من المجرَّات مثلاً). وافْتَرِضْ أنَّ جسماً ما يَقَع في مدى رؤيتكَ (إنَّه يبعد عنكَ، مثلاً، 100 متر، وتراه في وضوح). إنَّكَ تراه بفضل (بسبب) الضوء المنبعث منه، والذي بوصوله إلى عينيكَ ترى مَصْدَره، أيْ ترى هذا الجسم. رؤية الجسم مشروطة بضوء ينبعث منه، وبوصول هذا الضوء (الذي يسير بسرعة 300 ألف ك/ث) إلى عينيكَ؛ أمَّا "وضوح (أو درجة وضوح)" الرؤية، فمشروط بـ "كمية" ما يَدْخُل من هذا الضوء إلى عينيكَ؛ وكلَّما بَعُد الجسم عنكَ، نَقَصَت هذه الكمية؛ وللتغلُّب على هذا النَّقْص تحتاج إلى "أداة" تسمَّى "تلسكوب"؛ وهذه الأداة" تَسْتَجْمِع لكَ مزيداً من ضوء هذا الجسم، والذي وَصَل إليكَ.
والآن تخيَّل أنَّ هذا الجسم، ولسببٍ ما، قد سار (وظل يسير) مبتعداً عنكَ بسرعة تفوق (قليلاً، أو كثيراً) سرعة الضوء؛ فهل تظل تراه؟
كلاَّ، لن تظل تراه؛ ولن تتبادل معه أي تأثير فيزيائي؛ فلا أنتَ الآن تؤثِّر فيه، ولا هو يؤثِّر فيكَ؛ لأنَّ أي تأثير فيزيائي لا ينتقل بسرعة تفوق سرعة الضوء.
وإنَّني أسْمَع بعض القُرَّاء يعترضون قائلين: لا شيء في الكون (لا جسم، ولا جسيم) يمكنه السَّيْر بسرعة تفوق سرعة الضوء.
اعتراض سليم؛ فهذا الجسم لن يسير مبتعداً عنكَ بسرعة تفوق سرعة الضوء؛ لا بَلْ لن يَيْلُغ أبداً سرعة الضوء مهما زادت سرعته؛ لأنَّ له "كتلة سكونية"؛ فَلْنَرَ احتمالاً آخر، هو أنْ يسير مبتعداً عنكَ بسرعة 200 ألف كم/ث، وأنْ تسير أنتَ، في الوقت نفسه، مبتعداً عنه بالسرعة نفسها؛ وهذا إنَّما يعني "نظرياً" أنْ تراه يسير مبتعداً عنكَ بسرعة 400 ألف كم/ث (وهذه سرعة تفوق سرعة الضوء).
هذه المرَّة، يعترض آينشتاين قائلاً: إنَّكَ تظل ترى هذا الجسم؛ لكنَّكَ لن تراه أبداً يسير بسرعة 400 ألف كم/ث؛ وإنَّما بسرعة تقلُّ (دائماً) ولو قليلاً عن سرعة الضوء؛ فلا تَجْمَع سرعته وسرعتكَ.
بقي الاحتمال الآتي: أنْ تظلَّ أنتَ ثابتاً في موضعكَ، وأنْ يظل الجسم ثابتاً، أيضاً، في موضعه، مع تَرْك الفضاء بينكما يتمدَّد بسرعة تفوق سرعة الضوء.
لقد افْتَرَضْنا أنَّ الجسم يبعد عنكَ 100 متر؛ وحسب عِلْمي، لا تتمدَّد هذه المسافة (100 متر، طولاً من الفضاء) بسرعة تفوق سرعة الضوء، ولا حتى بسرعة تَعْدِل سرعة الضوء.
ومع ذلك، يمكن (بسبب تمدُّد الفضاء نفسه) أنْ يبتعد جسم ما عنك بسرعة تفوق سرعة الضوء؛ فَلْتَتَصَوَّر الفضاء على أنَّه "لَوْحة الشَّطَرَنْج"؛ وَلْتَفْتَرِضْ أنَّ كل مُربَّع (من مربَّعات اللوحة) يتمدَّد بسرعة 100 ألف كم/ث.
أنتَ تَقِف الآن في أحد أضلاع مُربَّع ما، والجسم يَقِف في الضلع المقابل من المربَّع نفسه؛ إنَّكَ ترى هذا الجسم (الثابت في موضعه مثلك) يبتعد عنكَ بسرعة 100 ألف كم/ث.
ولو كان هذا الجسم يَقِف في مُربَّع بينكَ وبينه ملايين، أو بلايين، المربَّعات، فلسوف يبتعد عنكَ بسرعة تفوق كثيراً سرعة الضوء؛ وهذا إنَّما يعني أنَّكَ لن تراه، لن تدركه حسِّيَّاً، لن تلاحظه، لن تتبادل معه أيَّ تأثير فيزيائي؛ فهو، وعلى الرغم من وجوده الفيزيائي، الحقيقي، الواقعي، ما عاد جزءاً من كَوْنكَ المرئي، المنظور، الملاحَظ، المُدْرَك حسِّيَّاً، والذي تتبادَل معه التأثير الفيزيائي.
كَوْننا الآن يتمدَّد؛ فالفضاء بين مجموعات المجرَّات (وكل مجموعة لا تتحرَّك "في" الفضاء) يتمدَّد (يتوسَّع) في استمرار، وبسرعة تزداد كل ثانية؛ و"التفسير الافتراضي" لتمدُّده، وتسارعه في التمدُّد، هو "الطاقة الداكنة" التي تملأ هذا الفضاء.
وكلَّما أسْرَع كَوْننا في تمدُّده، خَرَجَت أجزاء منه، أي تحوَّلت من جزء من كَوْننا المرئي إلى جزء من كَوْننا اللامرئي؛ ومع مرور الوقت، يتَّسِع كَوْننا اللامرئي، ويتضاءل كَوْننا المرئي. نظرياً، رُبَّما لن يتبقَّى من كَوْننا المرئي إلاَّ مجموعة المجرَّات التي إليها تنتمي مجرَّتنا (درب التبانة).
ونظرياً، أيضاً، لن يبدأ كَوْننا بالسَّيْر في "المسار المعاكِس"، والذي فيه يشرع كَوْننا المرئي يتَّسِع، وكوننا اللامرئي يتضاءل، إلاَّ مع تحوُّل التَّمدُّد الكوني إلى انكماش.
حتى غداة "الانفجار الكبير" Big Bang، اقْتُطِعَت أجزاء واسعة من كَوْننا، وما زالت مُقْتَطَعة من كَوْننا المرئي، أيْ منفصلة فيزيائياً عنه؛ فَلَمَّا كان كَوْننا في حجمٍ أصغر من حجم كرة القدم، تمدَّد (واستغرق تمدُّده هذا زمناً ضئيلاً جدَّاً) بسرعة تفوق سرعة الضوء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لي رجاء عندك استاذ جواد
عبدالغني زيدان ( 2014 / 5 / 2 - 20:55 )
الاستاذ جواد تحياتي لك ولجهدك الرائع والمميز كم اود منك ان تكتب في مجال الفيزياء الكمية وخصوصا في ما يتعلق بنظريات شرودنجر وقضية الجذب العام فاسلوبك رائع يسهل فهم بعض الامور فضلا عن انني اطلعت على الكثير من المقالات الا انني لست متخصصا فالضعف بفهم مكنون هذه النظريات واضح لدي وشكرا لك


2 - الالكترون يرى حدود الكون المرئى ؟
حسن عبد اللطيف ( 2014 / 5 / 4 - 18:09 )
لاشك أن ابتعاد أى جسم مشع بسرعة كبيرة يؤدى الى انخفاض تردد الإشعاع الصادر منه فى عين المراقب طبقا لمعادلة دوبلر المعروفة. وإذا كنا نتكلم عن حدود الكون المرئى فلابد أن تعريف تلك الحدود يصبح هو :الأجسام التى أصبحت سرعة ابتعادها عن المراقب مساوية تماما للسرعة (الحدية) وهى سرعة الضوء. فعند هذه السرعة يكون الطول الموجى للإشعاع القادم منها لانهائى. ولهذا فنحن لن نستطيع رؤية تلك الحدود ولكن ..... ماذا عن السرعات الأقل قليلا من سرعة الضوء ؟
فى هذه الحالة ستكون الأطوال الموجية لاتزال هائلة للغاية بشكل يجعل من المستحيل على أى جهاز استقبال أرضى استشعارها أوالتقاطها.
لكن هناك من يستطيع أن يرى تلك المناطق وبوضوح .. إنه الكترون سريع جدا يتحرك فى أحد المعجلات الخطية فى خط مستقيم تجاه تلك الأجسام البعيدة.
فبالنسبة لهذا الالكترون ينكمش الطول الموجى للضوء القادم من حدود الكون ويصبح فى متناول الرؤية .. وبالنسبة اليه أيضا تزاح المناطق الحدية مستحيلة الرؤية للأبعد .. أعنى أن نصف قطر الكون المرئى بالنسبة اليه يزداد عما هو عليه بالنسبة لنا نحن .. وتلك الزيادة هى فى تناسب طردى مع سرعة هذا الالكترون


3 - ولكن كيف نراها نحن ؟
حسن عبد اللطيف ( 2014 / 5 / 4 - 18:27 )
ان عملية نقل الصورة التى يراها الالكترون المتحرك الى إطارنا نحن لنراها بنفس الوضوح تحتاج للإتفاق على مبدأ فيزيائى أساسى وهو يسمى
Inverse Compton Effect
وهذا المبدأ ينص على أن اصطدام جسيم أولى عالى السرعة جدا بفوتون ضئيل الطاقة يُكسب هذا الفوتون من الطاقة ما يجعله ينتقل فجأة الى حيز الضوء المرئى بل وربما يصبح منتميا لنطاق أشعة اكس أو أشعة جاما .. ذلك متوقف على طاقة الجسيم الأولى الذى صدمه

والآن فإن الفوتونات شبه الميتة القادمة من أطراف الكون يمكن أن تحيا وتعود للحياة من جديد خلال تلك الإرتطامات التى لو تم تصميمها بحيث تُستقبل كل الفوتونات المرتدة عنها فى اتجاه واحد محدد لأمكنها رسم صورة واضحة للمناطق الكونية الحدودية نستطيع رؤيتها فى المعمل .. والأمر على ما يبدو بالغ الصعوبة إلا ان الأمل فى تحقيقه يظل قائما.
وثمة سؤال
هل يتساوى الرقم 0.999 مع الرقم 0.9999.. مع الرقم 0.999999؟
بالقطع لا ..
بالذات لو كان ذلك الرقم مضروبا فى سرعة الضوء .. وبالتالى فإن نصف قطر الكون المرئى يصير قابلا للزيادة كلما ازدادت قدرتنا على تزويد عدد التسعات يمين العلامة العشرية فى المعجل الالكترونى

اخر الافلام

.. التعليق الأول لبشار الأسد على إصابة زوجته بالسرطان


.. نقاش | الاحتلال الإسرائيلي عاجز عن مواجهة مسيّرات حزب الله..




.. الفضاءات الريفية والطبيعية في تونس تعد المجالات الأنسب للبنا


.. السويد.. الشرطة تفض اعتصام المعهد الملكي للتكنولوجيا في ستوك




.. ناشطة تكشف تلاعب غوغل بمصطلح مجزرة النصيرات