الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوضى الجسد و إمبراطورية الرغبة في فيلم الدواحة

سمير الزغبي
كاتب و ناقد سينمائي

(Samir Zoghbi)

2014 / 5 / 3
الادب والفن


المقدمة:
فيلم "الدواحة" ، هو الثاني للمخرجة رجاء العماري ، إلى جانب " الحرير الأحمر" ، تجمع بينهما وحدة من حيث الشكل والمضمون. كثافة حضور المرأة بالنظر إلى الرجل ومعالجة مفاهيم تتّصل بالرغبة والجسد والانفعال. إلاّ أنّ الفيلم الأوّل إشتغل داخل كادر يغلب عليه الظلام. في حين أنّ فيلم "الدوّاحة" تفاعل مع النهار والرؤية. فيلم الستار الأحمر ممتلئ بالأضواء التي غلب عليها اللون الأحمر في مكان تعتمل فيه جماليات الظلام وصخب الأصوات التي يطلقها "عباّد " الجوق الديونيزوسي. حفل يقام بدون مناسبة رسمية. و إنمّا هنالك إحتفال لا مشروط بالنشوة و الإنفعال، لكأننا أمام سينما تستعيد ذاكرة "التراجيديا الإغريقية"، و أغاني المديح أو ما يعرف "بالديتيرامب" Dithyrambe، و يقصد بها الأغاني التي تمجّد قوى الخصب.
فيلم " الدواحة" إنخرط عموما في التوجّه المميّز للسينما التونسية، من حيث التعبئة التقنية والمشهدية في مستوى المباشرة الجمالية لما هو إيروسي وديونيزوسي. فيلم مفعم بالمعاني يترك "القارئ – المشاهد" يتجوّل في أكثر من مساحة في مستوى المفاهيم الممتلئة بالدلالات المتنوعة، نص "سمعي-بصري" ينبض بمسحة جمالية درامية لا حدود لها ومنفتح على أكثر من قراءة وتأويل.

-"الدواحة" و صيرورة الرغبة أو الإستحضار السينمائي للتراجيديا الإغريقية : ديونيزوس و أدويب

العنوان في ذاته يحمل معاني التحوّل والحركة. وهل هنالك سينما دون حركة؟ وإن كانت حركة في نفس الكادر، فإنّ "الدواحة" هي حضن يحضن فيه الرضيع. لكنّ الفيلم ينحو نحو حاضن للرغبة من حيث هي صيرورة لا تتوقّف. وهي في سيلان دائم. الحركة ماهية السينما، وهي ماهية لفيلم "الدواحة" من حيث الشكل والبنية الدرامية والنسيج التقني. ولادة جديدة حظيت بها السينما التونسية مع فيلم الدواحة من حيث الدفع الأنطولوجي الملحمي للمرأة كحاملة لأعباء وجود تنحت من خلالها كيانها كأنوثة وجسد وجمال. إن كان البطل الوجودي التراجيدي في المسرح الذهني للأديب محمود المسعدي هو الرجل مجسّد في" أبي هريرة" أو "غيلان"، فإنّ الملحمية لدى رجاء العماري هي امرأة متقوّمة بذاتها ليست "ريحانة " أو"ميمونة" أو راهبة دير العذارى " ظلمة الهذلية"، التي تكتفي بمرافقة للبطل الوجودي في مسيرته الأنطولوجية. تجربة اللذة في فيلم الدوّاحة تقودها امرأة بطلة متحوّلة في أشكال درامية مختلفة، كلّ امرأة هي مشروع بطولة أنطولوجية.
يطغى الفضاء المغلق واللقطة الكبيرة على المفردات التقنية لفيلم" الدواحة "حيث لا وجود لأضواء ساطعة تأتي من الخلفية أو الفوق. بل إنّ معظم أجزاء الضوء تأتي من الأمام لكانّي بالمخرج يريد أن يمدّنا بصورة أمامية في بعدها الثنائي. الأصوات والحوار لم تكن هي الوسيلة الأساسية للتعبير. بل إنّ مفردات التعبير تجسدت في الموسيقى وحركة الجسد المفعمة بالانفعالات والرغبة الجامحة واللّقطة الكبيرة. والتي لم تشكل الوجوه فحسب وإنما تشكّل المشهد في رمّته. الذي هو مشهد يضع فتاة في طور في متاهات التقاطع ما بين طموحات البسيكولوجيا وموانع أنطولوجيا التحريم، ما بين رغبة جامحة لا تعترف بحدود وواقع صلب يطمس الغرائز ويكبتها ويحيل دونها والواقع.
الكثافة في مستوى الشخصيات جسدتها المرأة، فالرغبة والإنفعال ليست حكرا على الرجل، قد تكون المرأة هذه المرّة وفي منظور المخرجة رجاء العماري، هي المرشّح الأكبر للإضطلاع بدراما فوضى الجسد و أمبراطورية الرغبة.
الفيلم تتقاطعه صورتان، أو بالأحرى نمطان من الكادر، كادر صغير داخل كادر أوسع وأشمل، صورة خفيّة داخل صورة مرئية، الرغبة تجسّدها الصورة الخفية أو هي الكادر المصغر الذي يسعى أن يهيمن عليه كادر أوسع مجسد للواقع.
الرغبة ومفارقة الحضور و الغياب
هنالك حياة ظاهرة تمارس ففي شكلها الطبيعي، وحياة ّ منطوية على ذاتها. لكأني المرأة والأنوثة والجسد، فالرغبة وجدت لتقبع في الخفاء. لكنها لا تلبث أن تبرز وتظهر في شكل فجئي، تطفو على السطح لتجلي " أمبراطوريتها" على واقع ممزّق بين فرض نواميسها من جهة والرضوخ لدوافع الرغبة الجامحة التي لا تعترف بحدود. لقد كان قدر السينما التونسية، وفي أغلب لحظاتها، أن تجلي "المسكوت عنه" في كل تجلّياته. فتنصهر بذلك مع نصوص الفلاسفة والمشروع النظري الأركيولوجي، مجسد في صورة أصيلة لدى الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو. الذي تعهد من خلال أركيولوجيته بكشف وتعرية المسكوت عنه الذي هيمن العصور الوسطى وعلى الفكر الذي هيمن عل الفكر النيوليبيرالي. لكأنّي بالسينما التونسية قد إنخرطت في التوجّه الجمالي للموجة الجديدة الفرنسية وفقا للمستلزمات النظرية التي وضعها أندري بازان والإنجازات الإبداعية لقودار الذي ما إنفكّ الفيلسوف جيل دولوز يستشهد بأفلامه في مدونته حول السينما.
هنالك ضمن فيلم الدواحة "رغبة في البقاء" في معنى الفيلسوف الهولندي سبينوزا، عبر نص فلسفي يمجّد الرغبة والإنفعال كوجود في العالم. لقد مارست الطبيعة ضمن هذا الفيلم فعلها على مفردات المشهد، فاللون الأخضر سيطر على فضاء الفيلم، الخصوبة تنبع من اللون الأخضر والمرأة تتكرّر في المشاهد المختلفة والمتنوّعة، نزعة الإنفعال تلازم الشخوص على مختلف أعمارها.
لا وجود لجيل واحد من المرأة، بل يختلف ففي سلّم تصاعدي، ولكن ما يجمع ما بين هذه الأجيال المختلفة هو الانتماء إلى الرغبة الكونية أو " الكوناتوس" على حد تعبير الفيلسوف سبينوزا الذي يلازم "المرأة – الفرد" من البداية حتى النهاية. إنهّا أمبراطورية مفعمة بالحياة.
الإخضرار يدفعنا أكثر نحو معانقة أفضل معاني الوجود. ولكن هذا الأمر لا يعني أن الصحراء غير قادرة على الإنجاب خصوبة الصحراء العربية كانت أمرا واضحا وجليّا ففي أدب محمود المسعدي. حيث يحفل المشهد في " حدث أبو هريرة قال" بمسرح وجودي، إبنعث في شكل دراما تراجيدية داخل الصراء العربية. والجبل الذي صعده أبو هريرة في دير العذاري ليلتقي بالراهبة ظلمة، كفضاء للتعّبد والانفصال عن الحس والعدد الذي ستروضه عليه الراهبة. لكن الرغبة تنبعث من جديد معلنة أمبراطوريتها، حتى خارج مواقعها الأصليّة. وهل للرغبة من موقع؟

اللّون الأخضر له قاموسه في السينما الواقعية الجديدة، والصحراء لها مفرداتها في الأدب الذهني، لكنهما يلتقيان في معاني الخصوبة، التي تحمل بوادر إنبعاث الحياة في شكل جديد ومتكرّر، إنّه " العود الأبدي" كما عبّر عنه الفيلسوف فريديريك نيتشة،











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل