الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأشكال التي قد تصل إليها الدولة هذه الأيام

نادية بن ورقلة

2014 / 5 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


تعتبر فكرة الديمقراطية من أكثر المسائل التي أثارت و لا تزال تثير جدلا و اختلافا كبيرين و هذا لأننا نجد أن الديمقراطية شعار يرفع على نطاق واسع مع اختلاف وجهات النظر، مما أدى إلى جعل هذه الفكرة يكتنفها الغموض، و يشتد حولها الخلاف و الجدل.ذلك أنه لا يمكن الحديث عن تطبيق فعلي و حقيقي للديمقراطية ما لم يتم تكريس مجموع المبادئ و المقومات و الخصائص التي يتميز بها هذا المفهوم اليوم.و عليه يمكن القول أن هناك مجموعة من المبادئ و الأسس التي لم يتم تكريسها لتبقى الديمقراطية مجرد معاني جوفاء،و شعارات دون تطبيق حقيقي.
إن ما جرى و يجري إنما جاء نتيجة لتراكمات كثيرة لسنوات و عقود طويلة، شكلتها مجموع الأوضاع الاجتماعية المحتقنة،إضافة إلى تقاطع الكثير من أجندات و مصالح العديد من القوى و المنظمات الدولية داخل عالمنا العربي.و في ظل هذه الصورة فإن الوصول إلى نظام ديمقراطي حقيقي يعطي ما هو منتظر منه بالأساس من أمن اجتماعي و رفاه اقتصادي، يظل مطلبا مشروعا لكن تعترضه عدة صعوبات و عوائق.
يعد مفهوم التحول الديمقراطي من أكثر المفاهيم شيوعا في الوقت الراهن سواء على المستوى الأكاديمي أو السياسي، و هو يشير إلى عملية الانتقال أو التحول من نمط أو صيغة حكم غير ديمقراطي-مدني أو عسكري –إلى نمط أو صيغة حكم ديمقراطي. فقد أصبح من المؤكد أن عملية التحول إلى نظم حكم ديمقراطية، وترسيخ هذه النظم في الأغلب الأعم هي عملية معقدة،تتداخل في تشكيل مساراتها و تحديد نتائجها جملة من العوامل الداخلية و الخارجية. كما أكدت تجارب التحول الديمقراطي على الصعيد العالمي خلال العقود الأربعة الماضية على أن هناك بعض القضايا و الإشكاليات الكبرى التي تواجه عمليتي التحول الديمقراطي و ترسيخ الديمقراطية. و أن درجة النجاح في تحقيق هاتين العمليتين تتوقف في جانب هام منها على مدى الفاعلية في معالجة هذه القضايا و الإشكاليات على النحو الذي ينهي أو يحد من تأثيراتها السلبية .و قد قدم عزمي عاشور ورقة عن"البيئة الداخلية و الانتخابات في العالم العربي"أعرب فيها عن رأيه المتمثل في أنه لم تتبلور بعد أسس المعايير الديمقراطية في شكلها الذي يضمن تداول السلطة بشكل سلمي و تلقائي حيث أن المحددات الداخلية( المجتمع+النظام السياسي) تشكل عنصرا أساسيا في إعاقة ترسيخ مفهوم الديمقراطية مضيفا بأن هذه المحددات و بالأخص الاجتماعية و الثقافية منها تلعب دورها في إعاقة ترسيخ مفهوم الديمقراطية في البلاد العربية. نتيجة لعدم تطور هذه المحددات بعد في شكل وعاء مؤسسي صحي. إذ وقع الوطن العربي في مرحلة انتقاله من المجتمع التقليدي الحديث على مدار القرنين الماضيين في ازدواجية المعايشة بين الحداثة و التقليدية. مخلفا أثاره السلبية في جميع مناحي الحياة. و كان من بين القضايا التي أثيرت عليها هذه الازدواجية قضية "التحول الديمقراطي".

إن أول خلاف نشأ في تاريخ الدولة الإسلامية، عشية انتقال الرسول (ص) إلى الرفيق الأعلى حين طرح الأنصار –أهل المدينة-أطروحة (منا أمير و منكم أمير) و منكم الأمراء و منا الوزراء ،و من هنا انحصر الصراع بين بني هاشم وبني أمية. أما اليوم فنجد أن فضاء الدولة الوطنية-السياسي والاقتصادي باتا يتحركان ضمن مجال جغرافي أوسع و أرحب، و أشمل من مجال كيان الدولة القومية ،بعد أن قام مجتمع السلطانية على تعددية دينية و عرقية واجتماعية و ثقافية و مدنية أهلية جرى استيعابها عبر مؤسسات مختلفة ،إلا أن دخول المجتمع القديم عهد الدولة الحديثة أشعره بصعوبة استيعاب المؤسسات الجديدة كالأحزاب السياسية و النقابات والجمعيات والنوادي و مراكز الضغط التي كرست علاقة تبادلية بينية عبر أطر جديدة من التفاعل الحر .
والواقع أنه منذ ظهور الدولة القومية في القرن التاسع عشر كجزء من نظام عولمة الدول، ظل هنالك دائما توتر بين الممارسات والأيديولوجيات،إذ تزايدت حدة هذه التوترات في القرن الحالي . ويمكن على وجه السرعة تحديد أهم عاملين مؤثِّرين في شكل وصيرورة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وهما:
1 ـ هيمنة الدولة المطلقة على المجال العام، والذي يساهم ـ أي هذا الطغيان ـ وفي أحيان عديدة في تعزيز الانقسامات الداخلية وليس تخفيفها أو احتوائها.
2 ـ ضعف الاندماج الداخلي للدولة الوطنية في مواجهة الإيديولوجيات الفرعية والهويات الخاصة. إذ لا يمكن لدولة أن تكتسب صفة دولة ـ الأمة مالم تحقق درجة كافية من الاندماج بين فئات المجتمع .وستظل الدولة ـ رغم كل عيوبها ـ الصيغة النموذجية لتنظيم المصالح العمومية، وتحقيق درجة عالية من الانسجام الداخلي بين الفئات السكانية المتباينة. شأنها شأن كثير من الصيغ الطموحة.
(( و يتوقف هذا الأمر في جانب هام منه على مهارة النخب السياسية التي تتولى إدارة المرحلة الانتقالية و مدى قدرتها على بناء توافق وطني يشمل مختلف القوى السياسية و التكوينات الاجتماعية.))
و في ذات السياق كتب محمد محفوظ مقال بعنوان العرب و سؤال التحول المدني قائلا:"نحن لا ندعو إلى جلد الذات و اتهامها بكل السيئات و الإخفاقات و إنما ندعو إلى معرفة العلل و الأسباب الكامنة في فضائنا السياسي و الثقافي و الاجتماعي و التي أفضت بشكل أو بآخر إلى الواقع السيئ الذي نعيشه."
و لكن الرؤية المتزنة التي ندعو إليها،هي التي تبدأ بالاستدارة إلى الداخل، و اكتشاف الواقع و معرفة مستوى مساهمتنا في الأزمة. إذ لا يمكن أن نواجه تحديات المرحلة و هي تحديات صعبة و معقدة باتهام الخارج و تبرئة الذات.و لذا نجد أنه من الضروري : . بلورة مبادرات وطنية حقيقية، تزيل الالتباسات و تؤكد خيار المصالحة و تعمق من أسباب و عوامل الثقة بين السلطة و المجتمع، و العمل على تعميق خيار المصالحة و الانسجام بين خيارات المجتمع و تطلعاته المتعددة بين السلطة و خياراتها السياسية و الاقتصادية بعد أن أصبحت الوقائع المضادة هي الواقع الشاخص بعد تصاعد المد الانفصالي بإخفاق الدولة الوطنية في أداء وظائفها الأساسية الناجم عن التهميش السياسي و استمرار التراجع الاقتصادي و إخفاق عملية الاندماج الوطني و تصدير البعد الطائفي بعد بروز المليشيات الذي أدى إلى تفجر العنف الداخلي .لذا يستلزم الأمر معالجة التناقضات و إعادة هيكلة أداء الدولة لوظائفها و حسم مطالب الحركات المعارضة و الانفصالية بحوار وطني شامل يقوم على محوري المواطنة و العدالة .
و يبقى الوصول إلى نظام ديمقراطي يضمن العدالة الاجتماعية و الازدهار الاقتصادي و الاستقرار السياسي في حدود معقولة. يحتاج إلى تغليب منطق المصلحة الوطنية العليا لا على المصالح الفئوية و الشخصية و العمل على بناء علمي لمجتمع تعددي يساعد على تجاوز الأزمات، مجتمع يعمل على تأجيل الاختلافات الثانوية و العمل على ترسيخ مجموعة من المبادئ على رأسها مبدأ الاحتكام إلى مرجعية دستورية في إثبات المشروعية. و العمل على إيجاد قانون داخلي مرجعي .
لنقول في الأخير / إننا نشعر بأهمية جدولة مشروعات التطوير و الإصلاح، و ذلك من أجل أن تتجه كل الطاقات و الكفاءات صوب الأهداف و الغايات الوطنية المشتركة .كما قال توكفيل " إن التاريخ معرض لوحات فيه القليل من اللوحات الأصلية و الكثير من اللوحات المقلدة ".
إننا بحاجة اليوم إلى هامش من الديمقراطية في النقد و فضح الواقع و طرح البديل كرغبة في تجاوز ذلك الوضع المتردي .
فمن المهم زيادة وعي الناس و من ثم تفاعلهم من خلال العمل على زيادة الفسحة الديمقراطية و تحويلها من شعار أو هامش ضيق إلى معايشة واقعية، لأن الديمقراطية هي شرط أساسي لمواجهة الهزيمة و تجاوزها، بل والتغلب على أسبابها .ليبقى بالنهاية أن نجد المرآة التي يرى فيها الناس أنفسهم كما يرون الآخرين .بعد أن وصلنا إلى حقيقة مفادها أنه غالبا ما يسحق الفرد ليثير الشعور الحاد بالرغبة في التعبير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وول ستريت جورنال: إسرائيل تريد الدخول إلى رفح.. لكنّ الأمور


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق الحالية بين حماس




.. صحيفة يديعوت أحرونوت: إصابة جندي من وحدة -اليمام- خلال عملية


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. نتنياهو يعلن الإقرار بالإجماع قررت بالإجماع على إغلاق قناة ا