الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحصانة المجتمعية للمتحرشين

عائشة خليل

2014 / 5 / 4
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


بينما تعمل المؤسسات النسوية ومؤسسات حقوق الإنسان بدأب للحد من التحرش الذي بات يشكل ظاهرة غير صحية في المجتمع القاهري، فمازالت هناك حصانة مجتمعية للمتحرشين تدارى أفعالهم الشنيعة تحت شتى المسميات، أشار التقرير الصادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن ٣-;-ر٩-;-٩-;-٪-;- من الفتيات المصريات قد تعرضن للتحرش في مرحلة ما من حياتهن. وهذا ما أخبرتني عنه أيضًا فتاة مصرية في منتصف العشرينات من عمرها حيث قالت إنها (وصديقاتها) يرتبن يومهن حول تلك المسألة. فإذا كن سيخرجن في المجال العام بأنفسهن وبدون تواجد أحد أقاربهن من الذكور فهن يرتدين ملابس معينة من أجل التقليل من إمكانية (أو نوعية) التحرش، وإذا كن سيخرجن من أجل مناسبة خاصة قد تقتضى ارتداء فستان مثلا فإنهن يصطحبن إحدى الأقارب من أجل درء التحرش. كما يأخذن في حسبانهن كل صباح وسيلة التنقل والأماكن التي سيذهبن إليها. ولقد أحزنني كثيرًا الحال التي وصلت إليه الفتيات في مصر اليوم، فمنذ جيل واحد كان التحرش لا يتعدى اللفظ (وهذا ليس تقليلا من شأن التعدي اللفظي، وإنما فقط مقارنة بين حالين أحلاهما مر) ولكن تجربة الفتاة تنبئ بأن الفضاء العام في القاهرة اليوم أصبح حكرًا على المتحرشين يحددون من خلاله تحركات الفتيات. وهو وضع محزن للغاية.

وقد يكون التحرش الجنسي بالفتيات ظاهرة قديمة قدم تكون المجتمع الذكوري. وقد تكون للظاهرة جذور تاريخية ترجع لدخول الفتيات معترك المجال العام منذ أوائل القرن العشرين في مصر، ولكن هناك ظاهرة جديدة (ولن أقول طارئة، فهي لم تزل بعد لنتحدث عن كونها طارئة) هي أن تتحدد حركة الفتاة في المجال العام لسيطرة المتحرشين عليه. بحيث أصبح تواجد الفتاة في المجال العام بمثابة إذن للتعدي عليها. ويلازم تلك الظاهرة ويصاحبها حصانة مجتمعية للمتحرشين. فلقد سمعنا مرارًا عن فتيات امتلكن من الشجاعة الكافية ما يمكنهن من تقديم بلاغات ضد من تحرش بهن، ولكنهن اصطدمن بعناد ذكوري ضد تحرير المحضر، أو اتخاذ إجراءات فاعلة ضد المتحرش بناء على المحضر المقدم منهن، وتكون الإجابة الجاهزة لذلك: "حرام عليكِ .. سيضيع مستقبله بسببكِ" فعندما يطالب المجتمع من الفتاة غض النظر عن الإساءة التي لحقت بها أو التحرش الذي وقع عليها بدعوى أن مستقبل المتحرش على المحك، فمعنى ذلك أن المجتمع يمنح المتحرش حصانة. وخطورة ذلك أنه يلقى بالمسؤولية على الفتاة (الضحية) بينما يخلى الشاب المتحرش (الجاني) من المسؤولية. وهو سلوك غريب في الأساس؛ لأنه يعطى مؤشر بأن سلامة جسد الفتاة لا تساوي شيئا في عرف المجتمع. بالإضافة إلى كونه موافقة ضمنية على التعدي الذي وقع على الفتاة. لماذا لا يفكر هؤلاء في الألم النفسي الذي سببه المتحرش للفتاة؟ ولماذا لا يفكر هؤلاء في أن المتحرش يجب أن يعاقب ليكون عبرة لغيره؟ لماذا يفكر هؤلاء في المجني عليها عوضًا عن التفكير في الجاني؟

أعتقد أنه مع تفشي التحرش ليصبح ظاهرة فإن على المجتمع أن يمتنع عن منح الحصانة للمتحرش، وتعرفيه بأن ما يقوم به مخالف للأعراف والقوانين والأديان، وأنه تعدٍ على الأعراض، وأنه بالأساس مجرم بالقانون. والتأكيد على آثاره السلبية على المرأة. فعندما نقف كمجتمع متكاتفين لنقول لا للتحرش، ولنردع المتحرشين، ولنرفع عنهم الحصانة التي يسبغها المجتمع ككل عليهم، فإن هذا سيؤدي إلى انعدام ظاهرة التحرش (أو على الأقل التقليل منها)، الذي باتت تؤرق كل فتاة قاهرية تخرج إلى الشارع. فهل نعمل على رفع الحصانة التي يسبغها المجتمع على المتحرشين من أجل ألا يكون الفضاء العام ذكوريًا بامتياز؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لهذا قُتلت لاندي جويبورو التي نافست على لقب ملكة جمال الإكوا


.. الدول العربية الأسوأ على مؤشر المرأة والسلام والأمن




.. إحدى الطالبات التي عرفت عن نفسها باسم نانسي س


.. الطالبة التي عرفت عن نفسها باسم سيلين ز




.. الطالبة تيا فلسطين