الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لغز التمسك بالأسد.. جرائم العلويين والشيعة و-انتخابات الإرهاب- (الحلقة الثانية)

بلول عماد

2014 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


تنويه: راعيت في نقل الآراء التي أخذتها من مواطنين علويين (مدنيين وعسكريين) كما سيظهر في هذه الحلقة وما يليها، عدم ذكر الأسماء الصريحة بناءً على طلب أصحابها.
هل نستطيع تحميل العلويين انطلاقاً من تعاطفهم مع "علوية الأسد" كما تتهمهم المعارضة المسلحة وجمهورها مسؤولية عدم مواكبتهم الحراك الشعبي منذ انطلاقته في مارس 2011؟
لابد أولاً من الابتعاد عن لغة التعميم المنتهجة ضد العلويين، وإيضاح جملة أفكار لفهم دلالات ما سيرد لاحقاً: إن النزعة الإسلامية المتطرفة ذات السطوة والتأثير لدى البعض ليس لها ذات الفعل على البنية العقلية والنفسية لدى العلويين، ليس لأنهم غير مسلمين كما يروّج عنهم، بل لانفتاحهم بحكم البيئة ونمط الحياة فيها على مكونات الشعب الأخرى والقدرة على مناقشة ما يعتبر بديهيات ومسلمات لدى بعض الفئات الإسلامية، إضافة لتأثرهم بتجارب وتيارات سياسية وفكرية وإنسانية وتبني بعضهم لمبادئها دون أن يجد عائقاً بين مواءمته لمضامينها وبين التزامه الإسلامي. إن كان بعض العلويين يغالي في ولائه لآل بيت نبي الإسلام لاسيما مع انفتاح المأساة السورية على جحيم التطرف فهذا شأن وسلوك خاص بصاحبه لكن لا يمكن أن يعمم كخصلة على جميع أتباع المكون أو يجري اتهامهم من خلاله بالتطرف والقتال استجابة لتلك المغالاة. يدّعي البعض أنه (عثر أو دوّن سماعياً أو نقل عن أحد آخر) لمخطوطات وكتب أو يروّج لأحاديث عن وجود طقوس وشعائر خاصة لدى "العلويين- النصريين" يؤمنون فيها ويتبعونها في الخفاء تنافي عقيدة الإسلام الذي يدّعون الانتساب إليه، وعليه يتهمهم بأنهم فرقة باطنية يريدون القضاء على الإسلام بشكل يتفق مع فتوى ابن تيمية وفتاوى كثيرة لاحقة بنفس الخصوص، والرد على هذا الاتهام تحديداً يحتاج لأقلام مشايخ وعلماء الدين العلويين ليدافعوا عن إسلامهم الصحيح، ولا يمكن لأحد النيابة عنهم، لكنهم ولليوم غائبون تماماً عن المشهد لأسباب تدفع الآخر ليزيد في اتهامهم وتثبيت ما يقوله عليهم حتى لو كان الاتهام غير صحيح. -سنعالج تغييبهم الديني المتعمّد في حلقات مقبلة-.
في إطار إجابتنا على السؤال السابق ينبغي أن نوضح أيضاً بعض متغيرات هامة لحقت بالبنية العلوية، خلال مرحلة (ما بعد وصول الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى السلطة ووراثة ابنه بشار لها عام 2000). سلطة "الأسد الأب" باختصار قامت بتجويف التكوين العلوي من داخله بعد تعمّد إفقاره مناطقياً أكثر مما كان عليه، والدفع فيه لمغادرة تجمعاته في الساحل الممتلك لثروات من صلب الطبيعة ذاتها يمكن أن تشكل مصدر دخل وفير للدولة والمواطن معاً وتغني مواطني الساحل عن مغادرة مناطقهم إلى دمشق أو غيرها ليستقروا في تجمعات عشوائية لم تكن تتوفر فيها أدنى متطلبات الحياة والمعيشة. التجويف والتفريغ في البنية العلوية عاد من جديد مع سلطة "الأسد الابن" على أيدي من ذهبوا على مدى ثلاثة عقود إلى تلك التجمعات وغادروها بعد تسريحهم من "الجيش والأمن" ليصبحوا مشايخ وعلماء لهم مكانتهم وسلطتهم على المجتمع، ورويداً رويداً بدأت سلطات المشايخ العلويين تنحصر وتحد لصالح الجيل الجديد من "المشايخ العسكريين والأمنيين"، وكلما هبت عاصفة شبابية من العلويين المثقفين الرافضين لسلطة بعض المشايخ الجدد سواء من الشباب المسلم العلوي المؤمن أو من الشباب غير الملتزم أو اللاديني عموماً، كان أمر إسكاتهم مجتمعياً بسيطاً للغاية عبر نشر شائعة تطال المتمرد ذاك تحت عناوين مختلفة أبرزها (أنه تشيّع- سأعالج هذه النقطة في إطار الحديث عن موقف حزب الله وإيران في حلقات قادمة). من هنا أصبحنا أمام جيل جديد مختلف عن جيل العلويين قبل وصول "الأسد الأب" إلى السلطة، وجيل آخر مختلف عن جيل ثلاثة عقود من حكمه، ومختلف عن عشرة سنوات من حكم الأسد الابن. الجيل الأول تنويري فكرياً وناشط سياسياً في اندماجية تامة وشاملة مع مسار المجتمع وتحولاته الوطنية، الجيل الثاني محتكر لتوطيد الحكم وحمايته في ظل معاناة عاشها العلويون تحديداً خلال حرب "البعث والإخوان المسلمين" على السلطة في الثمانينات، الجيل الثالث يدفع الثمن المرير لثلاثة أسباب: غياب جيل العلويين الأول عن الحياة السياسية بحكم قمع "سلطة الأسد الأب" العنيف لهم وبشدة أكبر من قمعها لمعارضات من مكونات سورية أخرى. الثاني: رواية "علوية النظام القديمة-الجديدة بسبب مذهب الرئيس" ومنه تم إعادة إحياء رواية سيطرة العلويين المطلقة على مقدرات البلاد وثرواتها واحتكار الأمن والجيش قيادياً لصالحهم دون أن ننفي هنا كثافتهم العددية فيها. الثالث: انهيار البلاد بصورة شبه تامة بعد انحراف "انتفاضة المواطنة" عن مسارها وتحولها لثورة إسلامية مسلحة ترى في "العلويين- النصيريين" عدوها الأول، وما رافق ذلك من تطورات على مدى ثلاثة أعوام.
مما سبق: لا يمكننا نفي وجود "نسبة بسيطة- أكرر نسبة بسيطة" من المكون العلوي تنظر إلى بشار من زاوية الشراكة المذهبية في الانتماء، وهم رفضوا التظاهر ضد النظام ولليوم يدافعون عن بقائه من الزاوية ذاتها، حالهم في ذلك حال أي مكون شرقي عربي ماتزال الرابطة الدينية لديه مع الآخر أقوى وأكثر فعالية من الرابط المنبثق عن المواطنة التي يمكن أن تمنحها الدولة العادلة، والسلطة في سورية لم تبنِ أو تؤسس لدولة عادلة. وأحياناً يكون للرابطة القبلية أو العشائرية القدرة ذاتها بدليل ما كان لمنظر الدم وواجب الثأر من فعالية في مدن شرق سورية أو جنوبها كدرعا مثلاً بعد فترة وجيزة من الحراك، وكانت "الفزعة وهي إحدى خصوصيات التماسك الاجتماعي لدى أهل حوران" هي دافع كثيرين للتحرك أمام ما رأوا أنه ظلم وطني لهم ولأقرانهم. وهنا كان خطأ النظام الذي دلل على عقليته الديكتاتورية وجهله المطلق بشرائح الشعب، حيث عمد إلى تضخيم المأساة بدلاً من وضع حد لها، وزاد في رهاناته على الحلول الأمنية وبعدها العسكرية ولم يزل يخسر أمام رهاناته، لتتسع الفجوة أكثر بعد منح صيغة الحرب (البعد السني- الشيعي) وتحول الغيرة والمبادرة بشكل عام خلال المأساة السورية إلى (إسلامية سنية بحتة -نستذكر هنا شعار "الدم السني واحد"-)، وتغدو البلاد بعدها مقصداً للجهاديين والقاعديين "النصرة وداعش" المنتظرين أوامر أمريكا وإسرائيل للتحرك وباقي التفاصيل معروفة.
السؤال الوارد أعلاه كنت وجهته إلى (و.م) وهي مواطنة علوية تم استدعاؤها إلى أحد الأفرع الأمنية في طرطوس بعد أسبوع من انطلاق الاحتجاجات بحجة (التحريض على التظاهر ضد الدولة)، وقد طلبوا منها توقيع تعهد خطي بعدم العودة لذلك، تقول (و.م): يُخطئ من يقول إن العلويين لم يشاركوا في الحراك لأن بشار علوي، وأنا شخصياً أعرف علويين كثر شاركوا معنا في المظاهرات خارج محافظاتهم بعد الفشل في إمكانية قيام أي مظاهرة في (طرطوس مثلاً) بسبب السيطرة الأمنية المطلقة على المدينة وريفها، لكن مشاركة العلويين تلك -تضيف:(و.م)- بدأت بالتراجع بعد الشك بمصداقيتهم وبالتالي إقصائهم بحجة أنهم عيون للأمن، بسبب غلبة العنصر العلوي في الأجهزة الأمنية والممارسات القمعية لتلك الأجهزة بحق المتظاهرين، وأما الكتلة الباقية من العلويين فظلت مسكونة بالخوف من ارتكاب مجازر بحقها في المستقبل على يد جماعات إرهابية مسلحة وإمارات سلفية تسعى لإسقاط الدولة من خلال التآمر عليها، كما كان يقول إعلام النظام منذ اليوم الأول للاحتجاجات، وعزز هذه الرواية شعارات طائفية بدأت تظهر للسطح بعد أسابيع من الحراك تهتف ضد العلويين كما في حمص، وشعارات أخرى في محافظة درعا تهتف ضد "حزب الله" وإيران. -تنهي (و.م) كلامها-.
الرواية السابقة التي قدمتها (و.م) بمعزل عن رواية النظام الإعلامية ومدى صحتها ومصداقيتها تعززت بشكل كبير لدى العلويين تحديداً مع بداية وصول نعوش قوات الأمن والجيش إلى مناطقهم بسبب مجازر ارتكبت بحق قوات الأمن والجيش مثل "مجزرة جسر القوز بمبيت عسكريين- أوتستراد طرطوس- بانياس/نيسان 2011، مجرزة مدينة جسر الشغور- إدلب ضد عناصر شرطة وأمن/حزيران 2011"، مجزرة بحق عناصر مخفر الحاضر- حماة/ تموز 2011، إلى جانب حوادث فردية في حمص مثل "اغتيال العميد عبدو التلاوي وولديه وابن شقيقه والتمثيل بجثثهم- منتصف نيسان 2011"، وحوادث أخرى على امتداد البلاد لم تبصر النور خارج أماكن ضحاياها، مضافاً لذلك قتل المواطن نضال جنود في بانياس والتمثيل بجثته عبر الفيديو- أوائل نيسان 2011، وهذا الأمر ربما كان كفيلاً بجعل أي نواة لانتفاضة علوية مستقلة أو حتى مندمجة في إطار الحراك تقتل في مهدها، بعد أن استطاع النظام عبر إعلامه استغلال كل ما سبق لصالحه وتعويم الأفعال الإجرامية السابقة على أنها خلاصة ما يجري في البلاد، وتضخيم تلك الرواية بشكل خاص في الوسط العلوي لتظهر على أنها تستهدف العلويين فقط.
لقد عاش العلويون بداية الاحتجاجات تناقضات كبيرة في ظل حملة إعلامية شعواء من قبل طرفي الصراع "إعلام النظام الذي يتجاهل دماء أبنائهم ويرثيهم برواياته المؤامراتية والسلفية والأمنية عن محاولات جارية لإبادتهم" و"إعلام الخليج بشقيه السياسي والديني الذي يحرض العلويين على الثورة وفي نفس الوقت يحرض ضدهم"، كل هذا في ظل تعبئة شبه عامة للعلويين في الأمن والشرطة والجيش منذ وصول الأسد الأب للسلطة واستمرار الأسد الابن بعده. لو أردنا قراءة التناقض العلوي على صيغة تساؤل منطقي نجده هكذا: كيف يدين مواطن علوي قتل عسكري أو مدني ويراه جريمة خلال التظاهرات التي صورها النظام على أنها تآمر وأخوّنة وصنع إمارات سلفية ستبيد العلويين في حين يصور "إعلام الخليج" المظاهرات على أنها ثورة شعبية وفي نفس الوقت ثورة ضد "الخلاص من النظام العلوي أمنياً وعسكرياً وما يمكن أن يتبع ذلك من انتقام وثأر في ظل خطاب إعلامي وسياسي عنفي دموي"، كيف يدين العلوي جريمة قتله أو مشروع قتله، وفي نفس الوقت يشارك في المظاهرات ويدعو آخرين للمشاركة فيها؟
نتابع معالجة أبعاد ونتائج السؤال السابق تحقيقاً وتوثيقاً إضافة إلى رصد غضب الساحل وأسباب عدم انفجاره لليوم في الحلقة الثالثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟