الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات سريعة حول - العقل ما له . . وما عليه -

مجيد البلوشي

2014 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



1- قلنا في تعقيبنا على " العقل محدود رغم كل شيء " بأن العقل نتاج لانعكاس الواقع المحيط بالإنسان، كما قلنا بأن المخ الإنساني، وهو حاوي العقل، لا يكتفي بتصوير الأشياء المحيطة به على ما هي عليه، بل يتغلغل فيها ويمحصـها ليكشف العلاقات الترابطية والسببية فيما بينها …، وذلك بواسطة الحواس الخمس (البصر واللمس والسمع والتذوق والشم)، وما هذا التغلغل والتمحيص إلا التجربة العملية التي يقوم بها الانسان حامل المخ، وهي مصدر المفاهيم العلمية والنظرية، بل مصدر للمعرفة ومعيار لصدق الفروض والنظريات. فالعقل والتجربة ليسـا معطيين منفصلين، بل انهما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً ويؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به، بل أن العقل وليد التجربة الواقعية قبل كل شيء. ولا نعني بالتجربة هنا التجربة العلمية أو المختبرية أو المعملية فحسب، بل نعني بها، قبل كل شيء، التجربة العملية القائمة على العمل الانساني الجسدي والعقلي المبذول في تغيير الموارد الطبيعية وإنتاج الخيرات المادية وتلبية حاجات الانسان المعيشية. فبهـذا العمل يتغلغل الإنسان في الطبيعة ويكشف اسرارها ويغيرها ويخضعها لخدمته ، وبه تتم إقامة المجتمع الانساني، بل بهذا العمل أصبح الانسان إنساناً.

2- إن العمل – الجسدي والذهني – المذكور آنفاً هو الذي يقوم بواسطته الانسان بـ " تأمين أسباب الحياة " و"الدفاع عن النفس"، و"التغلب على الخصوم" وغير ذلك من الأمور. وتلك هي وظيـفة هذا العمل، وليست وظيفة العقل وحده.

3- أما القول بأن " العلماء المعاصرين يتوصلون الى شيء ، ولا يجزمون بأنه نهائي ، على الرغم من انهم مقتنعون به عقلياً … " ، فإننا نضيف هنا كلمة "تجربـةً " بعد كلمة " عقليـاً " ، ونقصد أنهم مقتنعون بذلك عقلياً وتجربةً لأن التجربة العملية المرهونة بمستوى التطور العلمي والتكنلوجي في ذلك الحين تدل على صحة ما توصلوا إليه آنذاك . وهذا ما نسمّيه في الفلسفة " الحقيقة النسبية " ، أي أن معرفتنا مرهونة، في كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع الإنساني، بمستوى تطور وسائل الانتاج ووسائل الاكتشاف. فكل حقيقة علمية نسبية، ولكنها مطلقة في نفس الوقت. فهي نسبية لأنها قد تتغير في مرحلة لاحقة وتصبح أكثر دقةً وعمقاً مع تطور المعرفة، أو قد تحل محلها حقائق أخرى، وهي مطلقة لأنها قد لا تتغير إطلاقا . فالحقيقة النسبية ليست إلا خطوة نحو ادراك الحقيقة المطلقة التي لا يمكن دحضها.

4- وأما القول بأن " مشكلة العقليين هي اعتقادهم بأنهم وحدهم يلجؤون إلى العقل " فهو قول غير دقيق ألبتة. فالعقليون، أو إتباع "المذهب العقلاني" في الفلسفة، هم الذين ينكرون دور التجربة في المعرفة، ويذهبون إلى أنه لا يمكن استنباط المفاهيم الكلية والضرورة من التجربة بل من العقل فقط، باعتبار أنها مفاهيم فطرية، أو قَبـْلية، توجد في العقل مسبقاً ولا دخل للتجربة فيها. ويقابلهم الحسّيون، أو إتباع المذهب الحسّي، الذين ينفون دور العقل، أو التفكير المجرد، ويعتبرون الاحساسات الذاتية أو الفردية، هي المصدر الوحيد للمعرفة.

5- والقول بأن " دارسي الرياضيات والفيزياء يعرفون أن هناك بعداً رابعاً للوجود، وقد أثبت ذلك رياضياً العالم ألبرت آينشتاين، لكن عقلنا لا يستطيع تخيله"، وذلك لإثبات أن "العقل يشبه البصر في محدودية قوته" فهو قول غريب حقاً إذ كيف يستطيع دارسو الرياضيات والفيزياء معرفة هذا البعد الرابع الذي اثبت وجوده العالم المذكور رياضياً، دون ان يتخيلوه؟ ثم ألـمْ يستطع العالم آينشتاين تخيله بعد أن أثبت وجوده؟ بل لماذا لا نستطيع نحن تخيله إذا قمنا بدراسته وفهمه واستيعابه؟ إن المسألة هنا مسألة دراسة وفهم وليست قدرة العقل أو عدمها. فالشخص الذي لم يدرس الكيمياء أو الفيزياء، مثلاً، لا يستطيع أن يتخيل أن جزيء الماء يتكون من ذرة من الاكسجين وذرتين من الهيدروجين، مثلاً. وينطبق هذا على معرفتنا للبعد الرابع. فإذا درسنا نظرية النسبية العامة التي وضعها آينشتاين لعرفنا أن هذا البعد الرابع ليس إلا عامل الزمن المأخوذ في الحسبان عند دراسة الأشياء المتحركة, ذلك لأنه لا يمكن الفصل بين المكان (ذي الأبعاد الثلاثة : الطول والعرض والإرتفاع) والزمان (ذي البعد الواحد: من الماضي إلى المستقبل)، فهما الشكلان الرئيسيان لوجود الأشياء المتحركة حولنا، بل ما الحركة إلا ماهية الزمان والمكان أو ما يُعرف في الفيزياء بالعلاقة الزمكانية أي الزمانية-المكانية.

6- إن تشبيه العقلَ بحواس الانسان، أو القول بأنه "لا يختلف جوهرياً عن هذه الحواس" أو اعتباره "أرقى الحواس"، كل ذلك ليس صحيحاً بتاتاً. ذلك لأن حواس الإنسان خمس فقط هي البصر واللمس والسمع والتذوق والشم، أما العقل فهو محصَّلة هذه الحواس ونتاجها الكلي. فمن الناحية الفيزيولوجية تتأثر كل حاسة من هذه الحواس الخمس بالمؤثرات الخارجية، وتقوم بنقل هذا التأثير على شكل نبضات منفصلة بواسطة القنوات العصبية إلى لحاء المخ، وهو الجهاز العصبي المركزي، حيث ينشأ الإحساس. وتلك هي وظيفة الحواس. فهل وظيفة العقل كذلك؟ كما أن لكل حاسة من هذه الحواس الخمس مركز خاص، أو منطقة خاصة، في المخ. وكذلك للكلام أو اللغة. فهل للعقل مركز خاص أو منطقة خاصة في المخ؟ أم أنه وظيفة المخ كـكل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 5 / 5 - 22:44 )
تم التعليق في خانة الفيس بوك , تحت مُعرّف (أبو بدر الراوي) , و السبب : سعة مساحة الكتابة .

اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات