الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نَبْعُ الفتنة وتردداتها

محمد كمال

2014 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية



الفتنة وما دَرُّها من كلمة, فَثُلَّةٌ من مجازات السوء والضُرِّ تنسب الى هذه الكلمة السحرية القاتلة, فهي من مصدر «ألفَتْنُ» أي الإحراق, وكل ما من شأنه أن يكون حارقاً حَرّاقاً مدمراً يندرج تحت هذه الكلمة, من الشيطان والكفر والاختلاف والاقتتال والمحنة والابتلاء والاختبار وحتى المال والأولاد بالمعنى القرآني اختباراً وإبتلاءً؛ وعلى النقيض من كل هذه المساوئ القبيحة هناك مجاز يتيم جميل هو بمعنى الإعجاب بالشيء وخاصة إعجاب الرجل بجمال المرأة.
فكلمة «فتنة» حمالة لمتناقض المعاني, فمن أراد بصاحبه مضرة فهو مفتون بفعلته ويراها فعلة حسنة ليلحق الأذى بغيره ويخلق من الأذى فتنة ضارة قبيحة؛ كم هي سيئة هذه الكلمة, وكيف لنا أن نميز قبحها وجمالها وجُلُّها قبيح.
إن الفتنة ليست حمم براكين تتساقط من السماء علينا دون علمنا ومن خارج محيطنا, إن الفتنة دفينة فينا دون أن ندري, فالمصدر والجذر للفتنة هو «الاختلاف» بمعناه الأعم, كان الاختلاف عرقياً أو قبلياً أو دينياً أو مذهبياً أو سياسياً؛ والفتنة بهذا المعنى تكون نائمة في المجتمع ولا يمكنها بذاتها أن تستيقظ وتباشر مفعولها الشيطاني إلاّ بفعل فاعل من إرادة الناس ومواقعهم ومصالحهم في المجتمع ؛ و لكي تستيقظ الفتنة فلابد أن تكون هناك محفزات تستثير مواطن التماس بين جوانب الاختلاف, وهذه المُحَفِّزات تستفز الجهة المستهدفة وتستنفر فيها الدافع الغريزي للدفاع عن الذات ضمن بنية الهوية المشتركة والتي هي موضوع الاختلاف.
كل المجتمعات البشرية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب تتشكل من مكونات وطنية (بشرية) متعددة الهويات باختلاف أنواعها والتي تشكل كتلة الاختلاف القابلة للانفجار إذا ما استثيرت من حافز فاعل مؤثر, ولكن المجتمعات في أغلبها تعيش تحت سقف المواطنة المشتركة وبوعي وطني مدرك لمصالح المجتمع وحقوقه وواجباته حيث تبقى الفتنة نائمة في ثنايا التعددية والاختلاف.
اعتماداً على التراكم الكمي لمشاهداتنا وملاحظاتنا حول الفتن المشتعلة, بإمكاننا أن نستقرأ أنَّ هناك نَبْعا للفتن ترادفه ترددات تزيد الفتن اشتعالاً؛ هذا النبع هو البوتقة المركزية في المجتمع حيث تنام عناصر الاختلاف, ومن أشد العناصر خطورة هو ذلك العنصر الذي يرى نفسه صاحب الحقيقة المطلقة ويسير على نهج إقصاء الغير والعمل على الاستقواء بقاعدة هويته الفرعية وإعطائه الأولوية على المواطنة الجامعة المتعايشة في سلام وأمان, وهذا العنصر يعيش حالة إستنفار ذاتية ولا يحتاج إلى مُحَفِّزٍ لاستثارته فهو صاحب مشروع قائم بذاته يهدف فقط إلى الوصول إلى السلطة, ولايطمئن هذا العنصر ولا يهدأ إلاّ عندما تكون له الغلبة الواضحة ويصبح المجتمع بكل مكوناته طَيِّعاً مطيعاً تحت إمرته, فليس لهذا العنصر أي مشروع وطني وهو في قرارة نفسه لا يعترف لا بالدستور ولا بالديمقراطية, ولا يعترف لا بالمواطنة و لا بالسلطة القائمة؛ يتماهى مع السلطة و الدستور لحظة ضعفه ويتمرد عليها لحظة الإحساس بقوته, واستراتيجيته مبنية على أساس السير على طريق استلام السلطة وفرض إرادته وأيدولوجيته على المجتمع برمته؛ وعلى النقيض من هذا العنصر الشاذ فإنَّ غالبية العناصر في نبع الفتن نائمة إلاّ في حالة الإستثارة بمحفز يمس هويته أو سلامة كيانه, وهذه العناصر مستعدة أن تعود إلى حالة تعايشها الاجتماعي وإبقاء الفتنة نائمة إذا ما اطمأنت على سلامة ذاتها في بنية هويتها الفرعية واطمأنت كذلك على حقوقها المدنية والسياسية؛
أما الترددات المرادفة للفتن فهي مكونة من عناصر انتهازية مبعثرة في المجتمع وتنفذ مهمات موكلة إليها أو تبادر من ذاتها لإذكاء نار الفتن, وهذه العناصر تتميز بنزعة اصطياد مصالحها المادية والمعنوية في فترات الأزمات والفتن, وهذه الانتهازية التي تمتطي الأزمات والفتن هي شبيهة بتجار الحروب الذين يستغلون حالات الحروب لإخفاء المواد الضرورية عن الناس في مخازنهم بغية رفع أسعارها, وفي كلتا الحالتين فإن الانتهازية لا تعرف وطناً ولا ولاءً لأحد سوى ولائها لشبق أنانيتها على حساب مصالح الوطن وسلطة الوطن وهذه العناصر الانتهازية لا يهمها حل المشاكل وإنهاء الأزمات وقد يكون في غير مصلحتها إطفاء نار الفتنة, فهي تستعيش على نيران الفتن والأزمات.
فالعنصر الإقصائي الذي يَدَّعِي أنه يملك الحقيقة المطلقة الكاملة والعنصر الانتهازي الخانع لشبقه الأناني يُكَوِّنان وحدة متلازمة في إشعال الفتنة وإذكاء نارها؛ وقد يكون في المجتمع الواحد أكثر من عنصر إقصائي, وفي هذه الحالة تكون نيران الفتنة أشد وأقسى, وفي جميع حالات الفتنة يكون المجتمع والدولة أمام تحد كبير وخطير يقتضي تخطيه بأقل الخسائر وفي أسرع وقت ممكن.
ومن أهم مقومات إبقاء الفتنة نائمة هو القيادة السياسية الرشيدة للدولة, هذه السياسة التي تعتمد أساساً زرع الروح الوطنية في نفوس جميع المواطنين بمختلف هوياتهم الفرعية والمتعددة مما يساهم في نمو الوعي الوطني لدى جميع المواطنين, و يكون هذا الوعي الوطني هو أساس الهوية الوطنية المشتركة و الغالبة على مجمل الهويات الفرعية الأخرى و التي تندرج تحت مكون الإختلاف و التعدد , و هذا يعني أن الدولة تعامل جميع المواطنين على أساس الإنتماء الوطني وليس على أساس الهويات الفرعية, وهذه السياسة كذلك كفيلة بسد الطريق أمام أصحاب الأجندات السياسية الخاصة والأيدولوجية الاقصائية التي لاتعترف بالسلطة القائمة و لا تؤمن بمفهوم المواطنة ولا التعايش السلمي تحت سقف المواطنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل نفق مظلم.. مغامرة مثيرة مع خليفة المزروعي


.. الحوثي ينتقد تباطؤ مسار السلام.. والمجلس الرئاسي اليمني يتهم




.. مستوطنون إسرائيليون هاجموا قافلتي مساعدات أردنية في الطريق


.. خفايا الموقف الفرنسي من حرب غزة.. عضو مجلس الشيوخ الفرنسي تو




.. شبكات | ما تفاصيل طعن سائح تركي لشرطي إسرائيلي في القدس؟