الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما يفعله البهاضمة يتكرر ج 3

حسين الرواني

2014 / 5 / 6
الادب والفن


-1-
أدرك خضر فشل جميع محاولاته، التي تبين له مؤخرا، سذاجتها، محاولاته في التهرب من الواقع، او تخفيفه، او مكاسرته بأي شيء يهون من فداحة ما فيه من مآس، كاسر خضر مرورة هذا الواقع، بالويسكي تارة، وبخمس نوعيات من البيرة تارة اخرى، والفودكا الابسلوت تارة ثالثة، لكن مفعول جميع هذه المشروبات، يصاب في كل مرة بالذعر, بالهلع، بالجزع ، من مجالس العزاء واللطم المنصوبة في عجينة لعينة من الشحم والشرايين، اسمها مخ خضر، وحين يصل ذعر الكحول البوخة، الى قمته، يطيرن كلهن، ويرجع خضر، الى الموسيقى، وتدخين الماشايفين، ويلقي بنفسه، بكل اريحية، الى أحضان الغرفة النفسية الداخلية، العامرة بأنواع السوادات، ومقامات الحجاز كار، وتشكيلات النهاوند، التي تقطر أشياء يحبها خضر، ويدمن على التمرغ في ارضائها مراجه، حزن المجانين. قرر ان يتوب من هذا السخافة التي بدأ بارتكابها منذ ان وجد عمله الاخير، سخافة التهرب من الواقع، وفي ظهيرة يوم، وبينما هو في واحدة من محاولاته الخرقاء، جالسا امام تلفاز غرفة صديقه، وفجأة كبسته مفرزة من مفارز الامن، لم يشعر زقاق افكار خضر ابدأ بدخولهم، أمتلا الجو برائحة كلاب ميتة كان تتغذي على براز الادميين، ترجل من السيارة ضابط برتبة حقير، متكرش بزهوه بالبدلة الزيتونية، المكوية بعناية، والنظارات السوداء، والساعة ذهبية اللون، لم يتكلم البتة، لكنه جمع اصابع كفه اليمنى الاربعة، واضعا ابهامها في باطن الكف، في اشارة فهمها خضر الذي تدلى رأسه من شباك الانتباه الادراكي فكان قاب رعبين أو أدنى، هرول شرطيان كانا أقل أناقة من الضابط، لكنهما أكثر حركة وانفعالا، باتجاه الباب المؤدي الى غرفة خضر في الطابق الاول، ودون ان يحس خضر بان وصولهما اليه، كان بحاجة الى مرور برهة من الزمن، شيء من الوقت يحتاجانه لكي يصعدا الدرج على الاقل، امسكاه بطريقتهم اللطيفة، من ياقته التي توزع جانباها الايمن والايسر بين كفي الشرطيين، ليجراه، مع بعض الدفعات، والكفخات الاخوية، انزلاه كدجاجة ملأت الطريق بذراقها من الجبن، اوقفاه أمام الضابط الذي لم يكن شيء على وجهه سوى اللاشيء مما يعتري وجوه الادميين، نطقا بجملة واحدة، تعجب خضر كيف استطاعا ان يضبطا ايقاع النطق بمقاطعها وحروفها بهذه الطريقة، :
" حزين هارب سيدي".
-2-
عرف خضر، منذ وصول نبأ حادثة الدفن الثاني، كيف يتحول الجو حوله الى سرادق عزاء كبير، سرادق له فتحة كبيرة كأنها فمه، يشبه فمه هذا فم مبردة، تسحب كل الهواء الذي لا يتكون من سوى غازات الاوكسجين وغيرها، ببناء الكيميائي المعروف، واواصرها، وترتيبها في الجدول الدوري للعناصر، لتحوله الى هواء حزين، ذي طعم لا يوصف، لكنه يتذوق، ويحس به، بنفس الحاسة التي تتذوق بها النفس الموت، عرف الفارق ما بين حياته قبل 2010، وما بعد حادثة الدفن الثاني، انه الفرق بين انسان حزين النفس من الداخل، وإنسان يحيا في عالم عزائي، خاضم المراثي، ففي حياته الثانية، بدأ يصغي الى صراخ الارض من تحت قدميه، شاكية الى الجهات المعنية، ثقل المدامع التي سكبتها سلامة، فسقط ما لم تنل منه اكمامها، من مسيل غوارب عينيها الجافتين الى وجه الغبراء، هل أفقدت هذه الدموع الارض خصوبة الفرح فلن تري عين السماء ابتهاجا بعد؟ ؟ هل أفقدتها القدرة على ان تنبت تفاؤلا، او تآملا. يشبه ما تبشر به المواعظ الاخلاقية في باب الامل والصبر وتفاءلوا بالخير، ما أشد غباء خضر وسذاجته، كان يظن أنه خسر تلك الحزائنية التي اخبر يوما زميله علي حمزة بشأنها، ففسرها له بأنها ميلودراما موجودة في الاساس في تكوينه، كم تأسف خضر على جفاف ينابيع حزنه التي كانت تلهمه أجمل ما كتب، من شعر ونثر، لم يكن يعلم أن حياته الثانية، ستشرف به على ما كان مخبوءا عنه سنوات، من فجائع تكسب الموت مكانة أكبر من: كفى بك داء ان يرى الموت شافيا، وحسب المنايا ان يكن الامانيا، مكانة المعشوق الذي سيحتضن عند مجيئه بتشوق ولهفة كبيرين، كبر المرارة التي كرهت خضر في الحياة وخلقها، ومن عاشها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع