الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يمشي كأنه يحلق

سيومي خليل

2014 / 5 / 7
الادب والفن


يمشي كأنه يحلق
الكاتب : سيومي خليل
القصة القصيرة

------------------------------------------------------------

كل يوم ، حين لا أصاب بحمى الرغبة فيك ، أشعر بموت الرؤية لدي ،تنتاب لغتي ركاكة واضحة ، وأبدأ تعلم النظرة إلى الآخر من جديد .

هكذا كتب آخر رسالة إليها ، دون تاريخ ، دون عنوان ، فقط هذه الكلمات التي ختمها بإسمه الغريب ،الذي لم نستطع جميعا قراءته. كنا نعطي الورقة إلى بعض متسائلين عن هذا الإسم المكتوب في أسفلها .

كان إسم صاحب الرسالة من حروف غير متجانسة ، وتنتمي إلى أكثر من اللغة . هل كان يكتب إسمه ؟؟؟ أم أن كل حرف كانت له دلالة معينة ؟؟؟.

قال كبير المحققين :

إنه إنتحار لا شك في ذلك ، وهذه الورقة ..ثم أشار الى الورقة .. ليست إلا خاطرة مبدع غير معروف ، أراد أن يلغز موته ،مثلما كانت حياته ملغزة . ثم إبتسم منصرفا.

أكثر الأشخاص معرفة به ، صرح أنه لا يمكن أن يقدم على الإنتحار ، فشخص أحب الحياة مثله لا يمكنه أن يكرهها بالإنتحار .

أليس حب الحياة وجها آخر لكرهها؟؟؟ أليس الحب الكثير كره كثير ؟؟؟.

كيف يفهم هذا الرجل العجوز هذه التساؤلات .

هذه المرأة التي كتب لها الرسالة هل سبق وعرفتها ...؟؟؟ .

أجاب العجوز :

كان رجلا وحيدا ، ولم أره مع إمرأة أبدا .

كانت به رائحة نسائية ، عطر رخيص ، يشعرك أن الجثة لإمرأة تغيرت ملامحها إلى رجل عظيم الهيكل . لم تكن هناك قارورة عطر في البيت ، فقط بعض علب الأدوية ملقاة بشكل مثير في كل مكان ، أدوية لعلاج مرض نفسي ،ولتهدئة الأعصاب، التي خمنا أنها كانت تالفة بشكل لا يصدق، فلقد كانت الأوراق مبعثرة وممزقة على الطاولة ، وكانت بها كتابات غير مفهومة وغريبة ، وكان دولاب الملابس يضم ملابس قديمة وغير نظيفة أبدا ، بل أن الجثة كانت عفنة ، والرائحة التي داهمتنا عند دخول البيت، لم تكن رائحة الموت ، بل كانت رائحة العفن .

منذ متى لم تره ؟؟؟؟

أجاب الرجل العجوز :

لقد رأيته البارحة .

خمن العجوز أن السؤال يلمح إلى عفن الجثة .

قال العجوز :

وكان أنيقا كعادته ، وتفوح منه رائحة عطر ذكوري جميلة ، وكان حليقا الذقن ... ثم إستغرب ،مشيرا إلى اللحية الكثة التي على وجه الجتة .

صاح فيه المحقق :

كيف رأيته حليق الذقن بالأمس ، ولحيته يبدو أنها لم تحلق لسنوات .

أقسم الشيخ أن هذا ما رآه .

بدا الإستغراب على وجوه الجميع ، لأن ما قاله الشيخ العجوز ، قالته صاحبة المنزل التي حضرت قبل يومين من وفاته لأخذ أجرة البيت :

نعم سيدي إنه كان جميلا كعادته ، أبيض مثل الحليب .

وهو نفس الكلام الذي قاله صاحب المحل الذي يقتني منه لوزام غذائه . بل هو نفس الكلام الذي قاله من يعرفونه عن بعد ،من أثارتهم أناقته ، وجماله ، الجميع قال ؛ إنه هو ، لكن سيدي ، إنه بملامح لم نعهدها فيه .

إنه شيء وراء الخيال ، فهؤلاء الناس لا يمكنهم أن يتفقوا على نفس الكلام ... هكذا صرح المحقق بعد إن اقتنع أن الأمر هو أكبر من مجرد إنتحار .

نعم ... لا بد أن نعود إلى التفاصيل الغائبة عن الناس جميعا .لكن كيف نعود إليها ونحن لا نعرفه .

كان المونولوج بصوت مرتفع للمحقق، لقد سمعناه جميعا ،حتى أننا كنا نظن أنفسنا نحن المحقق ذاته ،وعلى أساس هذا الإعتقاد بدأنا العمل كمحققين لنعرف كي تحولت جثة شحص أنيق إلى جثة شخص متسكع ،لم يستحم منذ سنين ، ومع ذلك فهو نفس الشخص .

حين تيقنت أني أنا المحقق، بدأت أسأل من عرف صاحب الجثة ، عن أغرب أمر لا حظوه فيه . وكأنهم متواطئين على نفس الجواب قالوا في نفس الوقت :

لقد كان يمشي كأنه يحلق .

ماذا ...؟؟؟ .. صحت فيهم جميعا .

هذا ما يبدو لك سيدي وأنت تراه ،إن كنت قدر رأيته سيدي ،فحتما كنت ستقول ؛ إنه يمشي كأنه يحلق . وإذا مر من أمامك تحس أن كثافة الهواء تزداد كأن مروحية تحرك الهواء وضعت أمامك ، وكان الهواء جد منعش ،لذا رغبنا جميعا بأن يمر من أمامنا ،مادامت إمكانية الجلوس معه ،أو الوقوف معه ،كانت مستحيلة .

لما الجلوس معه كان مستحيلا ؟؟؟؟ . سألت مستغربا .

لقد كنا نشعر أننا أقل منه كي نجالسه ، رغم أنه بادرنا مرارا ، ودعانا للجلوس معه ...

صحت فيهم من جديد :

هل أنتم مجانين ؟؟؟.

لكن كل ماقالوه كان مرتبطا بخيط منطقي صارم ،لكنه، للأسف مفقود بالنسبة لي .

قلبت الجثة من جديد ، فأثارني تناسق خصيته بشكل جمالي مثير ،كأنهما كانا قطعة لحم متجانسة ، لم تكونا إثنتين ، أو دائريتين، لقد حلت محلهما قطعة لحم بنية بدون أي نتوء نهائي .

هل يمكن أن يحدث ذلك ؟؟؟ . سألت الطبيب الشرعي . فبدأ الحديث عن تغير أشكال الخصيات، لكن مثل هذه لم يرها .

كانت هناك بتور على الصدر على شكل حبات توت صغيرة ، بل إني إعتقدتها حبات توت فعلا على أرض خصبة . أعلى الصدر ،وبالضبط في مكان تفاحة آدم ،تجمع الجلد على شكل يوحي بأنه ورقة تفاح خضراء ، لقد كانت منطقة تفاحة آدم خضراء بالفعل ، لذا إستنتجت أن الأمر متعلق بورقة تفاح خضراء .

بعد هذا لم يبد أن هناك أمر مريب على الإطلاق .بدت الجثة متعفنة لاغير .

حين أغلق التحقيق ، وثم الإقرار بالإنتحار ، وتخلصنا من كل الغرابة التي صاحبت الجثة ، لأننا إعتقدنا أن كل ماحدث هو مزحة كبيرة للقدر ، التي تفوق جدية عقولنا ، ولأننا بسطاء أكثر من اللازم ، آمنا أن كل ما رآيناه كان عبارة عن حلم لا غير ...

بعد كل هذا تم مشاهدته وهو يمشي كأنه يحلق.

لقد كان إسمه طه ،كان جميلا وأنيقا ، وكنت أعرفه من بعيد ،وكان يمشي كأنه يحلق ، حين إنتحر ،ذهبنا جميعا وراء جنازته التي كانت صامتة ،كنا مشدودين إلى ماضيه الهادئ ،إلى هدوئه الغريب .

بعد أن دفن ،عاد معنا من الجنازة ، كان يمشي وهو يحلق ... نعم لقد رأيته وهو يغادر معنا المقبرة .

لقد قال لي أن رسالته الأخيرة ،كانت لمعشوقته الوحيدة ،كانت لحبيبته الحياة التي إنتحر من أجلها لأنها رفضته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب