الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العيش في الحرب على -الآخر-!

جواد البشيتي

2014 / 5 / 7
حقوق الانسان


جواد البشيتي
كثيرٌ من "الخريف" خالَطَ ودَاخَل "الربيع العربي"، فتَعَرَّيْنا تَعَرِيَّ الشَّجَر من أوراقه، وبانَ لنا، ولغيرنا، كثيرٌ من عيوبنا وعوراتنا، حتى كَرِهْنا أنفسنا؛ وكيف لنا ألاَّ نَكْرَه أنفسنا وكلُّ شيءٍ أَحْبَبْناه، ورغبنا فيه، وعِشْنا من أجله، قد مات، أو شرع يموت؟!
وأسوأ ما بَان كان سَوْء العلاقة مع "الآخر"؛ وكأنَّنا فَهِمْنا "تعارفوا" في الآية "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"، على أنَّها "تعاركوا (وتذابحوا)"؛ و"التعارف" هو أنْ يعرف بعضنا بعضاً، لِيَعْتَرِف بعضنا ببعضٍ؛ ولطالما خَلَطْنا بين "العدو"، والذي لا بدَّ لنا من معرفته للتغلُّب عليه، وقهره، وبين "الآخر"؛ فإذا كان "الآخر" يَضُمُّ "عدوَّاً (لنا)"، فإنَّ "العدو" لا يتَّسِع لِيَشْمَل "الآخر" مِنْ أوَّله إلى آخره.
ولَكَمْ أَسَأْنا فَهْم "الآخر" إذْ فَهِمْناه (أو اسْتَصْلَحْنا فهمه) على أنَّه "النَّفي التَّام (أو العدمي)" لنا؛ مع أنَّ قليلاً من التَّفَكُّر والتَّأمُّل يُبَيِّن لنا أنَّ "الآخر" هو، بمعنى ما، "نحن"؛ فإنَّ كثيراً مِمَّا يَجْعَلنا على ما نحن عليه (من أحوال وثقافة ووعي ومشاعر وسلوك..) مُسْتَمَدٌّ من "الآخر"؛ مِنْ فِعْلنا فيه، وفِعْله فينا؛ و"الآخر" لا يَتَعَيَّن في أذهاننا وأجوبتنا إلاَّ بما يجعله شبيهاً بنا، بماهيتنا وخواصِّنا وسماتنا الجوهرية؛ فـ "الآخر" يكون، في تعيينكَ له، عشيرةً إذا كنتَ عشائرياً، وطائفةً (دينيةً) إذا كنتَ طائفياً، وأُمَّةً، أو شعباً، إذا كنت قومياً، وطبقةً إذا كنت طبقياً؛ فَقُلْ لي مَنْ تكون (في ماهيتكَ) أَقُلْ لكَ مَنْ يكون "الآخر" في تعيينكَ له.
إنَّ "الآخر" في "الوطن (المُشْتَرَك بينكَ وبينه)" له ما لكَ من "حقوق"، وعليه ما عليكَ من "واجبات"؛ فهو ليس لـ "الإلغاء (والإعدام، والقتل، والذَّبْح)"، ولا لـ "الاضطهاد (والإذلال، والعَزْل، والتهميش)"؛ فنحن لن نصبح أبناءً للقرن الحادي والعشرين (بكل ما يعنيه حضارياً وسياسياً وثقافياً..) إلاَّ إذا اسْتَجَبْنا، وعَرَفْنا كيف نستجيب، لتَحدِّيه لنا أنْ نتعلَّم العيش المشترَك مع "الآخر"، المختَلِف عنَّا، المخالِف لنا، وأنْ نَجْعَل وجوده نعمةً لنا، لا نقمةً علينا.
"الإكراه (والقهر والإرغام)" بوسائله وأساليبه المختلفة (والشرقية منها هي الأسوأ) لا يؤسِّس إلاَّ لـ "مجتمع الكراهية"؛ فالكلُّ يتبادَل الكراهية مع الكُلِّ؛ وهذا مجتمع زائفٌ (قصديريٌّ) في وحدته، وتَضامِّه، وتَراصِّه، لا يعيش إلاَّ في الحرب الأهلية، وبها، أكانت مستترة أم ظاهرة؛ أقول هذا وأنا أَعْلَم أنَّ "الإكراه المُولِّد للكراهية" هو سياسة تَسْتَصْلِحها مصالح (وامتيازات) فئوية ضيِّقة؛ فلا تبحثوا عن عِلَّة هذه السياسة (أو النهج) في عقول ونفوس أربابها وأصحابها، وإنَّما في مصالحهم (وامتيازاتهم) التي هي وحدها في مقدورها أنْ تُقْنِعهم بشروق الشمس من الغرب!
وإنَّ التَّحدِّي الحضاري والديمقراطي الأوَّل لنا هو أنْ نَدَع "الآخر" يُعَرِّفنا بنفسه، ويُعَرِّفنا (في الوقت نفسه) بأنفسنا، بصرف النَّظَر عن "الموضوعية"، و"منسوب الحقيقة (الموضوعية)"، في "الصُّورتَيْن (الذهنيتين)" معاً؛ فينبغي لنا ألاَّ نَضْرِب صفحاً عَمَّا تَسبَّب فيه الماضي (اللعين، الأسود) من خللٍ في البصر والبصيرة، ومن تشويه ومَسْخ في الصُّورَتَيْن العَيْنِيَة والذِّهْنية؛ فهل نجرؤ على استجابة هذا التَّحَدِّي؟ وهل نحن أهلٌ له؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قرار الجيش الإسرائيلي بشأن -الوقف التكتيكي -جاء بعد محادثات


.. شاهد: الآلاف يتظاهرون في تل أبيب مطالبين بعقد صفقة تبادل فور




.. مبادرة في يوم عرفة لحلق شعر ا?طفال غزة النازحين من الحرب الا


.. مع استمرار الحرب.. مسؤول كبير ببرنامج الأغذية العالمي يحذر م




.. الأونروا تحذر من ارتفاع مستويات الجوع في ظل استمرار إغلاق مع