الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيا بنا نلعب سياسة

احمد عسيلي

2014 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


حين تأسس حزب البعث ،لم يكن سوى مزيج من أفكار جذابة و صوفية لشابين من الطبقة المتوسطة و شبه الغنية ، قدما حديثا من السوربون و تأثرا بالفكر القومي الأوربي ، و راحا يمزجان الفكر الأوربي بثقافة عربية شعرية و دينية ، و قد تركا الإثنان العمل ، و راحا يسبحان في محيطات الأفكار و اللغة ، و برزت هذه المتع اللغوية بشكل واضح جدا في كتيب الأستاذ ميشيل عفلق (في ذكرى مولد الرسول العربي ) ، و انضم إلى هؤلاء الشباب لاحقا بعض من عشاق اللغة و التصوف كزكي الأرسوزي ليصبح لدى الحزب (معلم ) و (أستاذ ) و لكل منهم معبده و محرابه و مريديه من الشباب المثقف الحالم .
بقي حزب البعث على هذه الحالة النخبوية حتى مجيئ نصفه الأخر ، أكرم الحوراني ، الزعيم الجماهيري الفذ و الذي أتقن لعبة الديمقراطية و السياسة ، ليتقدم هذا العريس إلى تلك الفتاة البكر و ينتج عن زواجهما حزب جماهيري بأفكار نخبوية ، و لا أبتعد عن الصواب إذا ادعيت أن معظم أعضاء الحزب في تلك الفترة لم يكونوا قد قرؤوا أفكار المؤسسيين ، ولن يكونوا ليفقهوا هذه الأفكار إذا قرؤوها ،
ثم تأتي القفزة الأخرى لهذا الحزب من خلال اغتصاب هذه الأفكار من قبل اللجنة العسكرية ، و لينتج عن هذا الإغتصاب الحالة البعثية التي عرفناها بعد 8 آذار ،
هنا نتسائل : مالذي كان يمكن أن يكونه البعث لولا حادثة الزواج و الإغتصاب تلك ؟
الجواب لن يكون صعبا ، فثمة الكثير من الأحزاب التاريخية في الساحة السورية التي يمكن أن نرى فيها البعث لولا هاتين الحادثتين ، ربما أكثرها نصوعا هي حالة حزب العمال الثوري ، و الذي مازال يستمد وجوده و شرعيته من ثقافة مؤسسه الموسوعية ياسين الحافظ ، و قد بقي هذا الحزب بكرا عذراء، مازال مختبئ في صفحات كتب المؤسس و بعض الدارسين لهذا الفكر ، و لا يذكر إلا مع المؤسس و أفكاره ، في قاعات الأكاديميات و بعض الصالوانات الثقافية الخاصة ، أيضا كحزب العمل الشيوعي ، الذي حلم بيوتوبيا الدولة الإشتراكية، و دفع أعضاؤه الشباب الكثير الكثير من التضحيات ،بعد رحلة قصيرة في بحار اللغة و الأفكار و الأحلام ، ليشارف الحزب على الموت قبيل لحظات إحيائه و وضع بعضا من الماكياج على وجهه كي يناسب حاجة النظام السوري حاليا إلى كم هائل من الأحزاب يضفي بها بعضا من الجمالية على قبح جرائمه ،
تذكرت كل هذا و أن أقرأ بعض الأقلام التي تدافع عن ولادة حزب جديد باسم حزب الجمهورية ، بكلمات صوفية و ألاعيب لغوية يعيد مشهد ولادة حزب البعث ، فهو حزب (يشكل أمل الإنتقال من لغو السياسة إلى لغتها ) و هو ( المنظومة الفكرية العصرية الواقعية التي تقارب الأشياء بطبيعتها النسبية المتغيرة و تضع مقتضيات المصلحة الوطنية في أولوية التنفيذ و التفكير )
هو المزيد إذن من دروس اللغة ، لكن هذه المرة متناسبا مع الحالة السورية في التراجع خلفا ، أي جاءت اللغة دون أفكار و دون دراسات و دون أي شيئ ، هي مصفوفة كلمات يمكن أن نضع بأي مكان كلمة إضافية أو نحذف كلمة أخرى ، و ربما يدفعنا هذا إلى المزيد من اللعب و التسلية ، لا بأس ، أين المشكلة ؟؟!!
فهذا اللعب اللغوي اصبح أحد علائم الوحدة الوطنية ، ألم تشاهدوا جلسة مجلس الشعب السوري و قد احتار أعضاؤه بإعراب كلمة فلاحين في صياغ أحد الجمل ؟ و هل هي فلاحين أم فلاحون ؟
و نحن كمعارضة نحتار أيضا ، هل ننتسب إلى حزب ينادي بالوطنية أم المواطنة ، حزب ينشد الحل المأمول الذي يكفل العيش المشترك للجميع ، أم حزب ينادي بالإنتقال السلمي للحكم و ينادي بكفالة حقوق كل السوريين بغض النظر عن أي انتماء؟؟
لا بأس ، فلدينا الكثير من الوقت كي نؤسس حزبا لغويا ، ريثما ينمو و يصبح مؤهلا للزواج أو الإغتصاب ، و حينها نبدأ جولة جديدة من الحيرة .
نحتار في الإنتماء لحزب أسس في لندن أم حزب أسس في باريس أم اسطنبول أم القاهرة ؟
هل نفضل الإنتماء إلى أحزاب تخرج ببيانات طويلة أم قصيرة ؟
هل ننتسب إلى أحزاب أم تجمعات سياسية ؟
هل ننتسب إلى تجمع ينقل أعضاؤه بطيران الإتحاد أم الخليج ؟
يعقد جلساته في الكارلتون أم الهليتون ؟
ألم أقل لكم إنها الملهاة السورية !!! و يبدوا أن البشرية تحتاج القليل من العار كي تصل إلى قاع الحضيض








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة