الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحافة آخر زمن

مصطفى مجدي الجمال

2014 / 5 / 8
سيرة ذاتية


عدة مكالمات على الهاتف من رقم مجهول.. كنت مشغولاً ولم أرد.. لكن الإلحاح وصل ذروته حينما جاءت المكالمة على الخط الثابت في مقر عملي.. كانت المتحدثة مهذبة إلى حد خانق.. فهي من النوع الذي يستخدم تعبيرات مثل "معاليك" و"سعادتك".. يعني "قفة" مجاملات بلا قاع. (القفة هي وعاء من الخوص يستخدمه الفقراء في بلادي).

فهمت أنها صحفية أو سكرتيرة لصحفي كبير في مؤسسة صحفية "قومية" كبرى.. ولما أخذت السيدة تردد اسمه كثيرًا باعتزاز.. كنت مندهشًا من جهلي بهذا الاسم الذي لم أسمع به من قبل.. ثم أن اسمه ليس "سينمائيًا" بالمرة!!!!

قالت إنهم يعدون تحقيقًا كبيرًا عن موضوع متخصص فيما أسميه أنا الاقتصاد السياسي الدولي.. وبشرتني بأن الأستاذ سيتصل بي في المساء.. وهذا ما يطلق عليه "التشويق"..

وبالمرة طلبت مني السيدة أن أزكي آخرين لاستطلاع آرائهم في التحقيق، ورغم أن هذا كان من المفروض أن يكون من اختيارات الصحفي، إلا أنني على أي حال رشحت لها اثنين، مع رقمي الهاتف والبريد الإلكتروني لهما. وهكذا مارست دوري الإيجابي جدًا في المساعدة، لأنني لمست من متحدثتي أنهم مثل "الغرقى" في هذا الموضوع الملح ويحتاجون المساعدة.

وأنا عائد من العمل قلت لا بد أن أشتري نسخة من المجلة الأسبوعية الشهيرة.. رغم أنني توقفت منذ ثلاثة عقود عن هذه العادة، بسبب فكرتي المسبقة عن تردي الصحافة، وأيضًا لأنه لم يعد في منزلي مكان يسمح بالاستمرار في الشراء.

أكثر ما لفت نظري في المجلة هو الجيش العرمرم من الصحفيين العاملين بها.. وتقريبًا المجلة مقسمة على أساس صفحتين متقابلتين لكل صحفي.. وفي اليسار عمود للصحفي صاحب الصفحتين..

لم يأتني تليفون المساء، وإنما جاءتني رسالة على البريد الإلكتروني من سطور قليلة أنهاها "معاليه" بخمسة أسئلة كي أرد عليها كتابة "وبعد ذلك نتناقش"!!!.. وهذا استمرار لنهج الصحفي الذي لا يكلف نفسه مشقة التنقل للالتقاء الشخصي بمن يحاوره.. ما علينا !!! قلت في نفسي: لا مانع..

كعادتي جمعت المراجع وقضيت بضع ساعات على الشبكة العنكبوتية وأرسلت له قبل الفجر حوالي 2000 كلمة مشفوعة بجداول وإحصائيات للاستئناس بها..

لم يأتني رد.. لا شكر ولا مزيد من استفسار.. قلت: لعل الأمور أصبحت الآن تسير هكذا..

في يوم صدور العدد اتصلت الصحفية/ السكرتيرة بمقر عملي لتبشرهم بأن التحقيق قد نشر، وهو موجود بالسوق.. وبالطبع لم أكن أنتظر في ظروف مصر اليوم أن يرسلوا نسخة أو اثنتين.

اشتريت المجلة وأنا في طريق العودة.. وفي المترو أخذت أقرأ.. فماذا وجدت؟

الصحفي نشر معظم كلامي على أنه مقدمة من إنشائه هو.. وبطريقة القص واللصق.. حتى الفصلات والنقاط كما هي.. وفي الجزء الأخير من التحقيق نشر على لساني ثلاث فقرات، وعلى لسان واحد ممن رشحتهما فقرتين.. بل إن إحدى هاتين الفقرتين مأخوذتان بالكامل من رسالتي الإلكترونية..

ولأنني إنسان سوي فيما أظن.. فقد تضايقت لساعات.. ولكن وجدت من الأسلم أن أكتفي بالسخرية بيني وبين نفسي.. ثم وجدت بعد فترة ألا مانع من أكتب القصة على الورق.. حزينًا لما آل إليه حال صحفيين يرتدون الحلل الأنيقة وتقلهم سيارات المؤسسة ويقضون بعض الوقت في مكاتبهم المكيفة لزوم إثبات الحضور.. أما بقية اليوم فيلهثون وراء الإعداد لبرامج الفضائيات، أو توسيع علاقاتهم "الاجتماعية"..

وإذا كان الصحفي الذي تحدثت عنه قد تجاوز في حق محاوره.. فإن أكثر ما يضايقني حقًا هو ما أعاينه من دأب كل المؤسسات الصحفية على استخدام شباب "تحت التمرين" بمقابل مخزٍ ، وعلى أمل التسجيل في نقابة الصحفيين ذات يوم.. ويجري هؤلاء الشباب هنا وهناك لجمع المادة الصحفية وتغطية الأحداث.. ليقدموا هذه المادة للأسطوات العاطلين فعليًا.. بل ربما كانوا عاطلين أيضًا من الموهبة، ودخلوا مكاتبهم وترقوا في وظائفهم بالمحسوبية أو توصية الأجهزة الأمنية.. وعلينا أن ننبهر بأسمائهم التي "ترصع" صفحات أنتجها غيرهم عمليًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجلس الحربي الإسرائيلي يوافق على الاستمرار نحو عملية رفح


.. هل سيقبل نتنياهو وقف إطلاق النار




.. مكتب نتنياهو: مجلس الحرب قرر بالإجماع استمرار عملية رفح بهدف


.. حماس توافق على الاتفاق.. المقترح يتضمن وقفا لإطلاق النار خلا




.. خليل الحية: الوسطاء قالوا إن الرئيس الأمريكي يلتزم التزاما و