الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجريمة المنظمة بحق الشعب السوري

لؤي حاج بكري

2014 / 5 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


الجريمة المنظمة بحق الشعب السوري ..

وفقا للمفاهيم العلمية تعتبر الجريمة سلوكا مضادا للمجتمع يستوجب المعاقبة القانونية ، وتشير معظم الدراسات إلى اعتبار كل سلوك فردي مسبب للضرر الفردي أو العام مع توفر القصد الجنائي جرماً واضحاً وبيناً، وإذا كانت الحروب بين الدول وفقا لقناعات من يقومون بها مسألة متعلقة بالوطنية، إلا أنها قد تسببت بجرائم كبيرة بحق الانسانية نتيجة لظهور النزعات الفاشية والنازية، مما دفع لإنشاء هيئة الأمم المتحدة وإقامة مجلس أمن دولي، فيما تعتبر مسألة النزاعات المحلية داخل كل مجتمع مسؤولية أساسية للدولة بمؤسساتها المختلفة التي تحقق بالديمقراطية منعاً لأي اقتتال أهلي ، واعتبار السلوك العنصري المنظم في أي مجتمع جريمة انسانية كبرى بحق غالبية أبنائه.
إن ما يجري على الاراضي السورية ومنذ الخامس عشر من آذار لعام 2011 لا يمثل في الحقيقة سوى سلوكا اجراميا متصاعدا بحق الشعب السوري، سلوكا تسبب بإزهاق حياة مئات الآلاف وفي تجويع وتشريد الملايين وفي تدمير ونهب قسما كبيرا من المساكن والممتلكات، بغض النظر عن تلك القناعات التي تتمسك بها قوات النظام والميليشيات المدافعة عنه ، أو عن قناعات الكتائب والتشكيلات المسلحة الساعية لإسقاطه، وإذا كان السلوك الاجرامي يبدو بارزاً عند أولئك المسلحين الغرباء عن المجتمع كمحترفين دوليين للإرهاب، كما ظهر في المجازر المروعة للميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والإيرانية، وكما ظهر في تقطيع الأجساد والرؤوس عند العناصر الجهادية السنيّة الوافدة من الشيشان والعراق وليبيا وتونس، فإن هذا السلوك عند معظم المشاركين بالمعارك الدائرة من السوريين ووفقا لقناعاتهم المختلفة يفترض أن يكون غائبا وبخاصة تجاه المدنيين.
لكن العودة إلى اليوم الأول في درعا ولإطلاق الرصاص الحي على صدور المحتجين العزل من قبل بعض العناصر الأمنية ، وإلى ما يحصل في سورية منذ ذلك اليوم وحتى الان ، للبحث في الأسباب التي لم يعد من المفيد بعد كل ما جرى أن تبقى عرضة لمختلف التأويلات، أسباب لا يمكن أن يقدرها سوى السوريين وحدهم، ليتمكنوا من رسم ملامح الطريق للحل الذي يتعثر دوليا بغياب التقديرات الواقعية لتلك الاسباب ، وفي ظل دوافع مختلفة من غير السوريين في اتخاذ مواقف منطلقة من مصالحهم أولا وقبل كل شيء، ففي المجتمع ذو المكونات المتعددة وذو الأغلبية السنيّة، قد يكون للحديث عن الحرب الأهلية والعلوية السياسية وما شابه حضورا في أذهان الكثيرين، فالنظام القائم والذي أرسيت دعائمه بعد 1970 هو نظام استبداد فردي أسسه حافظ الاسد وورثه لابنه بالاستناد إلى سلطة الجيش والأمن دون أي الاستناد إلى أي سلطة ايديولوجية أو سياسية معينة، فإذا كانت الانقلابات العسكرية المتتالية وطبيعة حزب البعث هما المسببين الاساسيين في ذلك الاستناد، فإن السيطرة المطلقة للأسد على تلك المؤسسات العسكرية عبر الطائفة العلوية قد فتحت الباب أمام نشوء سلوك اجرامي منظم تجاه المجتمع، فلقد بينت أحداث الثمانينات تلك الفظائع التي ارتكبت بحق المدنيين من قبل القطاعات العسكرية ذات السيطرة العلوية الأبرز (والتي عرفت حينها بسرايا الدفاع والوحدات الخاصة)، وها هي قطاعات الفرقة الرابعة والأمن الجوي وسلاح الطيران وكتائب صواريخ السكود إضافة لميليشيات الدفاع الوطني تقدم اليوم وبشكل فاقع سلوكا اجراميا لم تعرف المجتمعات البشرية ما يماثله.
إن تلك المجازر المتلاحقة وذلك التدمير المتعمد، كما يجري في العديد من المناطق السورية، وكما تمثّل مؤخرا في استهداف مدرسة عين جالوت وسوق الهلك، لا يمكن أن توصّف إلا بالسلوك الاجرامي رغم إصرار رأس النظام على تسميتها بالحرب على الحاضنة العامة للإرهاب، كذلك فإن تلك الهدنة الاخيرة التي أعلنت في حمص بعد ما تعرضت له من قصف وتدمير هائل، لا يمكن أن تكون إلا هدفاً لإخراج من تبقى في أحيائها القديمة، فإذا كانت تلك الحرب قد تسببت حتى الأن بتهجير أكثر من أربعة ملايين سوري خارج بلادهم، وتتجه نحو التسريع بتكثيف البراميل المدمرة وبشتى الاساليب لتهجير المزيد من مناطق سورية معينة، أمام غياب أية إمكانية لحماية المدنيين محلياً أو دولياً، وأمام تبعثر التشكيلات المسلحة الساعية لإسقاط النظام وضعف تسليحها، مع اعتماد معظمها على تحقيق السيطرة على مواقع محددة، وقيام بعضها بإلقاء قذائف الهاون العشوائية على المناطق التي يسيطر عليها النظام بهدف توسيع مناطق سيطرتها، فإن تلك الحرب لا تحمل ملامح واضحة لصراع اجتماعي داخلي ، ولا تهدف إلى ما يراه البعض من تقسيم قائم بانتظار الاعلان عنه، بقدر ما تظهر وبشكل جوهري حرب إبادة وتطهير وتهجير تمارسها عصابات إجرام منظمة، حربا تستهدف وكما يبدو التغيير في تركيبة المجتمع السوري بما يسمح لاستمرار النظام القائم ، تغييرا يتجه نحو فرض توازن اجتماعي جديد على الطريقة اللبنانية أو العراقية، وتغييرا لا يذكّر إلا بما جرى في المنطقة منذ عقود بعيدة، حين قامت عصابات الهاغانا الصهيونية المنظمة والمدعومة من بعض الدول بتشريد قسم كبير من الفلسطينيين، فهل تختلف كفر قاسم عن عين جالوت، وهل يعيد التاريخ نفسه وتنجح تلك العصابات الأسدية ومن يقاتل بجانبها ويدعمها في تحقيق ذلك، وهل سيبقى المجتمع الدولي صامتا على تلك الجريمة بحق الشعب السوري، كما صمت يوماً على مسألة تشريد الفلسطينيين التي شكلت قضية عودتهم إلى ديارهم أكبر معضلة إنسانية حتى اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قمر الطائي من انطوائية وخجولة إلى واثقة بنفسها ??????


.. قصص مؤلمة في كل ركن.. شاهد ما رصدته CNN داخل مستشفى في قطر ي




.. بين طلبات -حماس- ورفض نتنياهو.. كيف يبدو مشهد مفاوضات وقف إط


.. ماذا يحدث على حدود مصر فى رفح..




.. اشتباكات في الفاشر تنذر بانطلاق المعركة الفاصلة بدارفور