الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة من أجل الثورة

خالد قنوت

2014 / 5 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


يتساءل السوريون عن سر بقاء النواة الصلبة للنظام الأسدي بهذا التماسك حتى اليوم و عدم تفتتها أو تصدعها إلا في حالة عابرة وحيدة مضت عندما كانت الضربة التأديبية الأمريكية على الأبواب عبر أساطيل و حاملات طائرات شاهدناها على القنوات الفضائية. هذه النواة العائمة على بحر الدماء السوري و التي لا تسقط إلا بكليتها دفعة واحدة, بفضل تماسكها هذا تسيطر على كامل أجهزة الدولة و مؤسساتها, و أهمها مؤسسة الجيش, بشبكة محكمة من المخلصين للنظام عقائدياً أو طائفياً أو مصلحياً رافضين لأي تغيير أو انقلاب سيصيبهم في مصالحهم و سيقدمهم للمحاكمات و للمسائلة عند سقوط النظام.
ثم يتساءل السوريين عن سر بقاء و تماسك نواة تشكيلات المعارضة, التي شُكلت خارج الوطن و خارج الثورة ثم اضطر بعض المعارضين من الداخل للالتحاق بها لقناعتهم بضرورة قيام وجه سياسي للثورة يمثلها و يرسم طريق نصرها, خاصة بعد كل هذا الفشل و الاخفاقات المتلاحقة دون الخوض في هذه اللحظة بثراء بعضها على حساب الدم السوري و لقمة عيشه الأساسية للصمود و البقاء.
لا يوجد في تاريخ الشعوب في العالم, ثورة لم تقم بعملية مراجعة و تقييم و تحليل ثم المحاسبة لكل من أخفق و أضر بالعملية الثورية أو التقدير لكل من ساهم بنجاح سياسي أو عسكري و عمل مخلصاً للثورة و لأبناء شعبه.
في الثورة الفرنسية التي اندلعت في 1789م و التي وضعت اسس الديمقراطية و حقوق الإنسان و المواطن و نظام المساواة, ظهر انحراف خطير خلالها ببروز توجه ديكتاتوري قاده ماكسيميليان روبيسبير عضو لجنة السلامة العامة في الحكومة التنفيذية و الذي تسبب بقتل ما بين 16000 إلى 40000 مواطن فرنسي خلال سنتي 1793 و 1794 باسم قانون (المشتبه فيهم) بحجة حماية مكتسبات الثورة و لكن هذه لم يمنع من إعادة تصحيح الثورة عبر محاكمته و إعدامه ثم سن دستور جديد سنة 1795م, بمعنى أن عملية التصحيح تصبح حاجة و ضرورة عند انحراف الثورة عن أهدافها الأساسية التي نادى بها الشعب الثائر و يمكن سرد أمثلة كثيرة حصلت عبر عدة ثورات قامت في العالم عن انحرافات حصلت فيها و تم تصحيحها بفضل إخلاص و عبقرية و حنكة من يستطيع قيادة المرحلة و ليس من خلال مجموعة من المتسلقين و الأقزام السياسيين الباحثين عن أدوار و بفضل قوة الدفع الشعبي التي لا تتراجع عن أهداف ثورتها الأصلية.
الثورة السورية قامت في ظروف موضوعية اسثنائية, رغم عدم توفر الوعي السياسي الذي يمكن أن تقدمه عادة الأحزاب السياسية أو الجماعات السرية أو العلنية ثم تحولت لانتفاضة شعبية على النظام تدعو إلى إسقاطه دون أن تحل محله كقوة سياسية منظمة مما فسح المجال واسعاً لتبوء التنظيمات السياسية المنفية خارج الوطن قيادة المشهد السياسي للحالة الثورية دون انخراطها بالثورة بسبب انكشاف انتهازيتها و قصورها و استبدادها الذي يرفض بنيوياً الآخر المختلف و تقوم على الاقصاء مستنسخةً الحالة البعثية الأسدية في السيطرة على السلطة و التي كانت هي أحد ضحاياه لعقود طويلة.
مارست تلك القوى سياسة ميكيافيلية تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة و كانت الغاية واضحة للجميع بأنها السلطة و الوسيلة كانت تحويل الثورة الشعبية المدنية السلمية إلى دينية تدفع بها إلى السلطة كبديل جاهز و لكن بسبب تاريخها و انتهازيتها لم تحظ بشعبية في الداخل الثائر فكان أن اتجهت للتطييف و التسليح في تلاقي مصالح مع النظام المجرم نفسه, لعلها تستقطب الحالة لصالحها و وعدت الشباب المتحمس بالتدخل العسكري الأجنبي الوشيك و بحظر الطيران و بالدعم الدولي الكبير و عندما صدمت بحسابات الدول الغربية و خاصة أمريكا, قامت بالتسويق للتنظيمات المتطرفة التي صدرتها دول العالم إلى الساحة السورية و قدمها النظام فزاعة للداخل و الخارج عن بديله المحتمل, فما كان من هذه التنظيمات أن انتشرت بسبب خبراتها القتالية و ابتلعت الساحات و بدأت بفرض أجندتها القاعدية على الثورة و على السوريين.
الفكرة أن هذه القوى التي شكلت المجلس الوطني ثم الائتلاف مازالت كنواة واحدة و صلبة تعمل من أجل غاياتها و لم تصل بها كل الاخفاقات و السياسات الانتهازية إلى مراجعة أو تقييم يعيدها للخط الوطني إن كان هذا الخط بالأصل من أولوياتها و خاصة بعد سقوط مشروعها الأممي في مصر و تونس و وقوف السعودية و أصدقاؤها ضد هذا المشروع و لكن المثير للاستغراب تماسك تحالف هذه القوى مع قوى تتناقض معها بالمطلق أيديولوجياً رغم انتشار تسجيلات واضحة تثبت استغلال لبعض الشخصيات الوطنية و وضع واجهات سياسية لها تاريخها و شعبيها في الداخل السوري تعويضاً عن ما تفتقده هي في الشارع السوري.
القصة السورية تتجه لمنعطفات خطيرة يوماً بعد يوم و الوضع في الداخل لم يعد يحتمل مهادنات و تسويفات ينزلق منها التطرف و الفساد و الانتهازية, و قبول السوريين بواجهة سياسية في الخارج على علاتها أوصلنا لمؤسسات متضخمة من الموظفين و أصحاب المصالح الخاصة تستبعد الأكفاء و الشخصيات السياسية الثورية, فإلى متى؟ و لصالح من؟
إن ثورة من أجل الحفاظ على الثورة صارت حاجة وطنية و ليست ترف سياسي هدفها تنظيف المؤسسات السياسية و خاصة الائتلاف من المرتزقة و خالي الأعمال و الخبرات و الكفاآت و قد صار موضوعاً ملحاً و اساسياً في العملية الثورية.
كل يوم يخرج علينا متحدث باسم الائتلاف أو مندوب له في دولة ما, ليتحدث حديث سطحي و متواضع علمياً و سياسياً و إعلامياً كأي مبتدئ أو هاوي سياسة في حين أن سورية تملك من الخبرات و الكفاءات الكثير و هي بحاجة اليوم و الغد إلى محترفين و ليس هواة, و لكن كما يقال البضاعة السيئة تستبعد البضاعة الجيدة. صار علينا جميعاً أن نضع معايير لاختيار أعضاء الائتلاف و موظفيه و مندوبيه كمحترفين يملكون القدرات العلمية و الخبرات و الحس الوطني العالي و الايمان بضرورة انتصار الثورة و إنقاذ سورية و صار من واجب الجميع أن يرفض أي وصاية من أي دولة ممولة أو تكتلات انتهازية لإقحام شخصيات تتسول السياسة كما تتسول مخصصاتها المالية.
يكفي ثلاث سنوات من التخبط و المزاودات و العبث و لتبدأ حملة رأي عام سوري كمطلب وطني و أخلاقي لكي يكون العمل في مؤسسات الائتلاف الوطني لقوى الثورة و المعارضة, وطنياً, ثورياً, احترافياً وتحت عيون الرقابة و المحاسبة المؤسساتية و الشعبية, و إلا فإن المأساة مستمرة و أخطبوط الاستبداد المتطرف يزداد تمكناً و شرعنةً لبقاء نظام الأسد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأحزاب الانفصالية في كتالونيا تخسر الأغلبية في الانتخابات ا


.. بلينكن: الاجتياح الواسع لرفح سيزرع الفوضى ولن يؤدي إلى القضا




.. ترقب في إسرائيل لأمر جديد من محكمة العدل الدولية في قضية الإ


.. طائرتان مسيرتان عبرتا من لبنان إلى إسرائيل وانفجرتا في منطقة




.. الإعلام العبري يرصد التوتر المتصاعد بين إسرائيل والولايات ال