الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحجاب قصة قصيرة

محمد عبد الله دالي

2014 / 5 / 8
الادب والفن


كان وأخواته يجلسون أمام ،جدته وهي تلف نفسها ،بعباءتها الجز ،ليستمعوا
لحكايتها ...بشغف ،وإذا توقفت لحظه ،لتلتقط أنفاسها كان يحثها على الكلام ، وبوده
لا تنقطع عن الحديث ..كانت عيناه تتجول بين وجه جدته وحجابها المعلق على صدرها ،وهو يتدلى من اليسار ،إلى اليمين ،كبندول الساعة ،ويحس إن عينيه،تعبت من المتابعة ،فتسدل أستارها .. ويستسلم إلى النوم ،وهو لم يكمل حكاية
جدته والحجاب لم يفارقه حتى في أحلامه ، فيسألها ،وهو يتجول في أحلامه :ـــ
ـــ جدتي من أين لك هذا !!
ــــ وهل فيه جني يخدمك ؟ كما قال أبي ..ـ
ـــ ولماذا لا تنزعيه من رقبتك ؟ ووووو.......ويستمر في الهذيان بنومه .. توقظه
أمه وهي تحثه قائلة .:ـــ
أصدقاءك سبقوك انهض .
يسرع في تناول فطوره ....وصوت أصدقاءه يطرق سمعه بإلحاح .
ـــ أسرع يا حامد ،الوقت أدركنا ، هيا .
وفي الطريق إلى المدرسة كان منشغلا بحكايات جدته ، وهو يريد،ان يجد لها
تفسيرا ، ويطرح على نفسه عدة اسئلة ، يريد الإجابة عليها !!
ــــ ما هي خضره أم الليف ؟. وما هو الطنطل ،وما هي أم الصبيان ،وحكاية الحمال وسبع البنات والشاطر حسن ، وماذا فعل مع حبيبته ؟ . من هو المجنون ؟ الذي أحب ولم يفلح ،وساقه الحب إلى الموت ،لماذا لم يزوجوه بمن يحب ؟ ولماذا
ينهون ولماذا يقتلون ؟. اسئله عديدة يحاول إن يجد لبعضها جوابا ... يوقظه صوت صديقه من سلسلة أحلامه : ــــ
مابالك اليوم يا حامد ؟
ــ هل حضَرة ... موضوع التاريخ ؟
ـــ لا قد نسيت !.. 2
ـــ كيف تنسى .... أنواع الاستعمار ،وأثاره على الشعوب ؟ وكيف تنسى عدوة الشعوب ...!!
ـــ الله هو الساتر !.
ــ حضَر نفسك ..هذا ، لا يفيد به .... أي عذر !!
ـــ سأقول له إن شيئا قد شغلني ..!
لفت انتباه أصدقاءه .. وتحلقوا حوله ، وأمطروه ، سوية بسؤال واحد:ـ
ـــ ما هو هذا الشيْ ؟
ــــ فيجيب حجاب جدتي !!
ضحكوا جميعا بصوت عالٍ ، وواصلوا السير .. شاءت الظروف ان مدرسهم اخذ اجتازه مرضيه لألم بأسنانه ، تنفس الصعداء ،وعلا التكبير والتهليل في الصف
كبر ،وكبرت جدته ، وهو يراقب فعل هذا البندول المعلق على صدر جدته ،عندما تأتيها النساء وهنَ ،يحملنَ أطفالهن ، وتضع جدتي الحجاب على رؤوسهم ،. وتقرأ
وتتمتم ،ببعض الكلمات ،فيسكت الطفل عن البكاء ، فتدس إحداهن
مبلغا من النقود ، كان له نصيب فيه ، لأنها كانت تفضله على البنات ،وها هو يبلغ
من العمر العشرين ،والدراهم تتوالى عليه ،من ذلك الحجاب ،من لديه مغص ،أو طفل يبكي ،وصداع في الرأس ،امرأة تطلب الحمل ،.. وجدتي ما عليها إلا إن تضع الحجاب على المريض ، وتجني ثمره ، لكنه كان يحس إن قلبه معلقا به ... ودقاته تتناوب مع حركة الحجاب ،..يسار ثم يمين ، انسحبت هواجسه ،إلى كلية العلوم ،حيث جرت حوارات مع بعض أساتذته عن هذه الظواهر الاجتماعية
وفي إحدى الصباحات ، وبعد إن أنهى أحلامه على خير ،أيقظه والده وهو يهمس بإذنه قائلا :ــــ
ــــ جدتك ،تريد رؤيتك! ؟
نهض مسرعا .. واتجه نحوها ، جثى على ركبتيه ،قائلا :ــــــ
ـــ عمرك طويل .. قبل يدها ، وركز نظره على صدرها ، رآه للمرة الأولى فارغا
من الحجاب ،إصابته الدهشة ،وقبل أن يوجه السؤال لأبيه .. بادرته ،لا تخف ... وبسطت يدها عن الحجاب !
شيْ من الحذر والتراخي ،يصيب يديه ،ينقل بتثاقل وألم عينيه بين والده وجدته ، ملامح من الحزن ،تبدو على وجه والده ،وشيْ من اليأس والآسي على الجسد المسجى بينهم ،أشارت إليه أن يقترب ،همست بإذنه ،بصوت بالكاد يسمعه :ــ
ـــ بني ،تحت وسادتي صرة من النقود ،وهذا الحجاب لك ، حافظ عليه ،انه يحفظك من عوادي الزمن سقطت دموعه بدون استئذان ،قبلها ، وانحنى على يدها ... وأخيرا ، الحجاب بحوزته ،لكن التسليم والاستلام كان مأساويا .. انسحب بهدوء
.. وهو يستذكر ،المراحل التي مرت بها جدته مع الحجاب ،الذي أصبح أرثاَ ،تاريخيا .. طالما ،جال وصال ،وجني المال ،بسهولة وبدون كد وتعب حتى أصبح مثلا للتندر بين الأصدقاء ،حينما يقولون :ــ
حجاب جدتك أحسن من الحجاب الإجباري ..هذه الأيام راجع أفكاره في كل الاحتمالات ،فاستقرت ،به بعد فترة ،مراسيم العزاء ... اجتمعت العائلة وهم يتذاكرون،بعض من مآثر جدته اخرج الحجاب من جيبه .. سكت الجميع عن الحديث ،وكأن شيئا حدث ، ثم اخرج من جيبه الأخر صرة النقود .. بدأ بصرة النقود وهم بفتحها ... قاطعه والده :ــ
ـــ بني لماذا تقلق جدتك في تربتها ، جسمها لم يبرد بعد .
أصر على فتحها ، وبعد جهد ،حل العقدة ،ونشر القماش بين يديه،أصابته الدهشة، ، مد يده لعرضها على الجميع قال الوالد :ـــ
ـــ يا الله ما هذا ...!!
أما الأم مدت رقبتها لتتأكد من هذه الثروة ،التي لم يسبق إن حصلوا عليها ، وأخواته لم تسعهما الفرحة لرؤيتهما الليرات الذهبية ، !!
اخذ يعدها ،ومع كل رنة ، كانت الشفاه تتمتم معه بدون صوت .. حتى وصل إلى العشرين .. قفزت والدته متحمسةً :ــ
ـــ لو أكملت الخمس والعشرين !!... .
أعاد الصرة إلى وضعها ، ودسها في جيبه ،وتناول الحجاب ،قفزت أمه قائلة:ــــ....
ــــ ماما دخيلك ،كل شيْ ولا الحجاب ... يقولون انه سحري ،وإذا فّتح .. سيبطل مفعوله ويعم شره !! أصابه شيْ من الخوف ،مما سمع بدأت، دقات قلبه تسرع ، كاد يسمعها . سادهم صمت لبرهة ،جال بعينيه الحائرتين ، بدأ بأبيه ، لاحت على وجهه ، علامة الرضا وابتسامة خفيه ،تدل على موافقته ، اطمئن قليلا ،أما أمه لازالت عند موقفها ..وأكيد أختاه لاتقل دهشتهما عن أمهما .. فتذكر " إن للذكر مثل حظ الأنثيين " فبدأ بتمزيق الجلد الذي يلف الحجاب ،و الخوف يسيطر عليه .
،مما جعل حركته مرتبكة ، لن يثنه الخوف من فتح الحجاب .. وأخيرا ،بانت لفافة الورق وسط دهشة وخوف الجميع ، خصلة من شعر الماعز ، وخصلة من صوف الغنم ،وريشة طير ، التف لوالده ، واستمر بفتحه ...! ورقة طويلة ، طويت على شكل أوراق صغيره حتى أصبحت كالنـابض ،طول الورقة لا يتعدى بضع سنتمترات،امسك أول الورقة انفتحت بالتسلسل ثم بدأ يقرأ والكل فاغر فاه ــــ يا صاحب الحجاب ، إياك وقراءته ،انه سيفقد قوته ، ويبطل مفعوله .. صاحت أمه :ـــ
ـــ الم اقل لك ... انتهى كل شيْ .
والصفحة الثانية ، يا صاحب المندل ، يا هاء ويا كاف ويا شين ، ويا هاروت وماروت والثالثة ،رسم مربع إضلاعه تتألف من مـــــــه وصـــه وفـــــــــه وســـــه وفي الوسط قسم المربع إلى اثنتي عشرة مربعا دونت فيها أرقام عربيه ولاتينيه ،وينساب بالقراءة كلمات ما انزل الله بها من سلطان وأخيرا يقول .. يا هاروت ويا ماروت يا أيها الملكان ،المعلقان بين السماء والأرض ،، انزلوا غضبكم على من يفتح الحجاب ،وامنعوا عنه كل رزق !!
قاطعه والده قائلا :ــــ
ــــ لعنة الله علي من كتبه .. الله هو الرزاق . يا بني ان عمر جدتك بلغ التسعين والحمد لله ، عاشت وعشنا وما بيدك أخر الغيث .
أعاد طي الحجاب ،كما كانت أوراقه ،وضع الشعر والصوف وريشه الطير أرجعه في الكيس وقال :ـــ
ــــ إنا بريء منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، لكن أسفي على الزمن الذي أخذه مني طيلة حياتي .. وسط ذهول عائلته وصمتهم وضعه في جيبه وتوجه به إلى قبر جدته.....!! .

محمد عبد الله دالي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف


.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين




.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص


.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة




.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس