الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ماذا تفعل الدبابة تحت نافذة صديقي
زياد خداش
2005 / 7 / 19الادب والفن
ليل الأربعاء، الواحدة ليلا، هاتفت صديقي الشاعر مهيب البرغوثي، قال لي هامسا لاترفع صوتك فصالح مشارقة نائم والدبابة تحت نافذتي، كدت أضحك.. وأضحك.. أهز العالم ضحكا ذكيا وغبيا، كهلا وطفلا، مدنسا ومقدسا، يشبه ذلك الذي يصدر عن ميناء قديم حين تغادره السفن ويتخلي عنه البحارة وتخنقه مخلفات العصور البعيدة، ويبقي وحده يقاتل العزلة ويحلم بحانات وسكاري.
قلت لمهيب: تري بماذا يحلم صالح الآن والدبابة تقف تحت حلمه، يخيل لي أن الدبابة تطلق الآن قذائفها علي حلم صالح يهرب حلم صالح ويختبيء خلف جدار، تطلق الدبابة قذيفتها علي الجدار، يسقط الحلم والجدار، ويتعرق قلب صالح لماذا تخيفهم أحلامنا؟ لماذا يطاردونها في القصائد والمتاحف والمدارس؟ وتسقط أحيانا مضرجة بالتوبة.. يا لأحلامنا الشهيدة!
بقليل من الخبز والشاي والسجائر يعيش صديقاي الجميلان صالح ومهيب عزلتهما القصوي الحافية في الطابق التاسع من عمارة تقع وسط رام الله المحتلة من جديد.. مهيب كائن الليل المجنون الذي يسعل في رأسه بائع بطيخ وحيد، يستلقي مريضا علي أريكة مهترئة في الطرف الشمالي من المدينة، وستة شوارع خالية من العربات والسكان، فقط حفنة من جنود متعبين، يقفون كالتماثيل في انتظار رغيف ساخن ورائحة امرأة عابرة، عشرون بحارا مبتورو الأذرع، سمكة قرش تائبة، سيدة مساء لطيف توزع الساندويتشات علي المقاتلين وتبكي وحدها في المكتب.
يسقط رأس مهيب علي الطاولة، نعاساأو يأسا أو احتيالا لا فرق، فيما تواصل الدبابة نهش حلم صالح مع سقوط الرأس تموء فكرة، ينهض مهيب فاتحا عينيه علي آخرهما، مصنما يهبط درج العمارة، عند الدرجة الأخيرة يسقط ضحكة بلهاء، تعقبها ابتسامة كريستالية، تتحرك الدبابة مذعورة من هذا الغريب الذي يقف فجأة أمامها في الوقت الذي تختفي فيه كل الكائنات من المدينة. يتقدم مهيب من فوهة مدفع الدبابة، يدخل يده، يضع شيئا ويدير ظهره عائدا إلي غرفته وصديقه النائم وسجائره القليلة يستغرب الجنود يقفزون من الدبابة، يتفقدون الفوهة، لايجدون شيئا لكنهم يسمعون اصواتا غريبة تصدر عن الفوهة، في ذهن جندي منهم ذي أصول يسارية يتكثف سؤال، إنه صراع بين الكريستال والحديد. ياويلنا، ياويلنا.
يدخل مهيب الغرفة، يفاجأ بصالح يحدق في لوحة الرجل الطائر يسأل صالح: أين كنت أيها المجنون؟ إنه ليل غريب يا مهيب، لم يعد ليلنا، لقد سرقوا ليلنا، احتجزوه كما احتجزوا نهارنا من قبل. يهز مهيب رأسه ولايدري بما يجيب هل سيصدقه صالح أو أخبره انه نزل إلي الدبابة ووضع في فوهتها.. لا.. لا.. لن يصدقه صالح.. لن يصدقه أحد.. لن يصدقه أحد.
ما الذي يحدث تحت نافذة صديقي بالضبط، أهي حرب بين النجوم والمستنقعات؟ بين مقاعد الصف الرابع (ج) الخشبية وبين فولاذ الاباتشي، بين رسومات الصف السادس (ب) وبين دوي ال F16 بين ضحكة الشهيد الطفل محمد ابوكويك الصغيرة وبين جوف دبابة مليئة بالاساطير والجنود ما الذي يحدث تحت نافذة صديقي بالضبط يغسل والد الشهيد ابي دراج قبر ابنه المترب فيرتبك مدرس اللغة العربية، يهدأ المتشرد، يذرف الصحفي نجمتين بينما تهرب عينا فنان تشكيلي بعيدا.
ليلة الخميس، الثانية بعد منتصف الليل، اتصل بالمجنون مرة اخري، اقول له: قبل قليل تخيلت مشهدا مروعا، مضحكا في آن ان يقتحم جندي غرفتك ويصوب بندقيته نحو رأسك صارخا:
معك ستون ثانية لتقرأ كل هذه الاكوام من الكتب قبل ان افجر دماغك عندها ستقول له يا مهيب انك لن تستطيع ايها الجندي لان كازانتزاكي سيتصدي له ويهيل منجم الكلمات فوق رأسك كما ان تحديقة صغيرة من عيني ايتاليو كالفينو النسريتين ستخرس انفاسك، أما دويستفسكي فسيحرك قاتل المرأة العجوز باتجاهك معيدا بذلك خارطة الجريمة والعقاب.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. -لبلبة ربنا تاب عليها واتحجبت-???? لما لبلبة مشيت في الشارع
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة