الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشّباب العربي... وبيع الأعضاء

سيف الدين عفانة

2014 / 5 / 9
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


الموضوع جدي وفي غاية من الأسف أعرضه متمنيا أن ترنّ هذه الكلمات في قلوب المحبطين والأغبياء. فأما المحبطين فهم من لم يجدوا من كل الحلول التي أمامهم سوى المتاجرة بالأعضاء. وأما الأغبياء فهم أصحاب سلطة المال وعبيد الدّينار( لي مقال حولهم بعنوان " وضاعة الأثرياء").

إذن فموضوع بيع الأعضاء حقيقي، ويتفاقم فينا يوم بعد يوم بتفاقم الفقر. وواجبي ككاتب مهتمّ بشؤون أبناء شعبه أن أهاجم هذه المواضيع وأكشفها للقراء الذين لم ينتبهوا للأمر عسا أن تدغدغ الفكرة قلوبهم ثمّ عقولهم.

أمّا أنا، فلم أكن لأنتبه لهذا الموضوع لو لم أضع في محرّك البحث غوغل هاتين الكلمتين السحريتين: " التبرع بالأعضاء "، لأنتهي إلى فتوى أصدرها مجمع الفقهاء بأمريكا حرّم فيها الدكتور حاتم الحاج بيع الأعضاء في الفتوى رقم 22726 بتاريخ 02 جويلية 2006.

فغيّرت حينئذ وجهة البحث تحت تهديد من رغبتي الملحة في الكشف عن جانب آخر لم أسمع عنه من قبل ما يروي فضولي. ومن هنا ابتدأت الحكاية.

فحين تضعون في محرك البحث "أريد أن أبيع كليتي" احبسوا أنفاسكم فستقرؤون ما لم تتصوروه من قبل.


1 – فقراء وبائسون من كل العالم العربي:

من البديهي أن من يقدم على مثل هذه العملية لن يكون إلا معدوما ضيّقت عليه السّبل وانغلقت كلّ الأبواب أمامه. ومثلما تفكّر المرأة الفقيرة في بيع "شرفها" يفكّر الرّجل المعدم بيع كليته. ومن هنا يدخل المغامرة ويبدأ في البحث عن السعر الأفضل، تماما مثلما تفعل البغيّ.

وككلّ السّلع، يتبع أصحابها طرق مختلفة في العرض. فمثلا نجد شابا من المغرب الشقيق يعرض بيع كليته بتاريخ 24 مارس 2014 على موقع اعلانات مجاني للبيع والشراء ( souq4arab.com ) يقول في إعلانه :
"اقسم بالله انني اقول الحق ولا اريد التحايل اسمي عبد الاوي رشيد اريد بيع كليتي لكي انقد عائلتي ".

ومن بغداد يراسل أحد الشبان أيضا صحيفة سيدتي الإلكترونية (forum.sedty.com ) مخاطبا القراء بإصرار مخيف :
"اني من ب بغداد وعمري 20 واريد ابيع كليتي منو يشتريهة وكم سعر يدفع ارجوكم ارجوكم الادارة لا تغلقون الموضوع".

إذن فالكلية، هذا الجزء الذي لايتعدى 1 بالمائة من يجسمنا بوزن يقارب 150 غرام و12صنتيمتر من الطول، هو أجود الأعضاء البشرية وأكثرها عرضة لمحاولة البيع ! وحسب ما يروّج عن قيمته فإنا نخلص لقول أن غراما واحدا من جسمنا يساوي من 6 إلى 20 دولارا في سوق لحم الإنسان.

أما عملية زرع الكلى (Kidney transplantation ) فأصبحت سريعة وغير مألمة وجدية للأرباح بالنسبة للبائع وبها يطول عمر الشاري. ومن هذا المنطلق نرى كما أوردنا شبابا عزم وأصرّ على بيع كليته فمنهم من عرض سعرا ومنهم من ترك السّعر للشاري عساه يغنم بسعر لم يكن على باله.

ولا يفوتني التأكيد على أنّي لم أترك بلدا عربيا واحدا لم أبحث فيه عن بائع للكلى.. وأستطيع أن أؤكد من خلال العروض الإلكترونية أن الأغلبية من أبناء المغرب العربي ومصر ثم العراق ولبنان.. كما دخل الشباب السوري هذا السوق بكثرة بعد الأحداث التي قلبت الباد على عقبها... وصحيح أني لم أبحث عن بيع الكلى في الصومال وجيبوتي وجزر القمر غير أن الأنترنيت تقدم الكثير من حالات البيع هذه في باقي البلدان التي ذكرتها.

2 – تجارة عابرة للقارات:

ترتبط إذن هذه التجارة بالفقر، هذا الغول الذي فتك بالعالم بأسره ولم يترك بلدا فيه لم يخيم عليه. وبهذا فلا نستغرب عالمية هذه التجارة. ومن أهم الدول التي يعاني شعبها الفقير هذا الإستغلال الهند التي يستطيع مجرموا الأعضاء اقتناء الكلية فيها بأقل من ألف دولار أمريكي. أما افريقيا فتقارب الألف دولار. وترتفع القيمة كلها اتجهنا إلى بلد أغنى لتصل حسب بعض العارضين إلى 30 ألف دولار بأمريكا.

وليس غريبا أنّ بعض المجرمين قد اتخذوا من هذه التجارة قطاعا كاملا متماسكا جدا وعابرا للقارات لن نتحدث عنه كثيرا الآن لقلة المعلومات ولكنا نشير إلى وسطاء من كلّ الدول جاهزون دوما للحصول والمتاجرة بأي عضو يستطيعون بيعه مقابل عمولة معينة.

وفي حديث لستيفن فينتر محرر مجلة "دير شبيغل" الألمانية حول مافيا تمّ التفطّن لها سنة 2012 أكد أن طبيبا ألمانيا قد شكل رفقة طبيبته المساعدة الروسية الأصل عصابة إجرامية وأشار إلى "أنّ الطبيب الذي أجرى عملية جراحية في هذه الحالة، ينشط أيضا في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، وقد قام ب 4000 عملية لزرع الكلي ".


ومهما يكن الأمر، فقد تجد عديد التصريحات المأسفة جدا عن حالات من الفلبين أو الصين تبرعوا مقابل ثمن بخس بكليتهم ولكن رغم ذلك لم يتمكنوا من حلّ إشكالات فقرهم بل زادهم المرض والوهن مصيبة أخرى فغدوا غير قادرين لا على استرجاع حالتهم الصّحية ولا استثمار نقود تجارتهم الخاسرة.

ولم يكن هذا الأمر وحده ما جعل عديد المنظمات العالمي تصرخ بالحد من هذه الجريمة البشعة، بل لأنّ هذا النوع من التجارة هو أشد نوع من إستغلال الإنسان للإنسان.. حيث يشتري الغني طولا في عمره ودواما في صحّته في حين يبلى جسد الفقير المعدم والثمن بضعة دولارات.

3 – تجارة الأعضاء في تونس:

صحيح أننا لم نضرب أمثالا متعددة في تجارة الأعضاء. وما دفعنا لذلك أن القضية ليس في الأعضاء المتبرع بها وإنما في مسألة البيع ذاتها. كما أنا لم نذكر كلّ الدّول لأنّ المجال لا يسعنا ولن نستطيع الإطناب في ذكر معلومات وأمثلة يستطيع القارئ الحصول عليها بمجرد البحث على غوغل. كما أنا لا نحرم محبي الإطلاع حقهم في البحث عن أمثلة وتجارب أخرى في دول متعددة.

إلا أنا اخترنا أن نتسائل قليلا فيما يخص تونس. هل وصلت حمّى شراء الأعضاء أثرياءها المجرمين؟ وهل هبّت علينا من قبل نسمات السياحة الإستشفائية المرتبطة بتجارة الأعضاء؟ ماذا لو أصيب أبنائنا بجنون بيع الأعضاء؟ هل يخشى شبابنا مما حصل للشاب السوري عمار حاج حسن ابن السادسة والعشرون ربيعا الذي توفي منذ سنوات اثر بيعه لكليته في مصر عبر شبكة إجرامية مختصة في بيع الأعضاء؟ أو أن المواسم السياحية القاحلة قد تعود علينا بأفكار مجنونة؟
هل نتستفيق يوما على خبر عرض فنان تونسي لأحد أعضاءه مثلما حصل في الجزائر حيث عرض الشاعر أبوبكر زمال وهو في السادسة والثلاثين بيع كليته ليسدد قيمة الإيجار سنة 2005 ؟ أم سيقوم أحد البائسين منّا بعرض كامل وبيع لأعضائه بالجملة كما فعل الفلسطينيّ أحمد فيصل حسن موسى (30 عاماً) من مخيم جباليا أواخر أكتوبر 2013؟
أين وضع المشرّع التونسي نفسه من هذه الجريمة التي تنمو في المجتمع الإنساني كلّ يوم وبخبث شديد؟ وهل يثني شبابنا القانون عدد 22 لسنة 1991 المتعلق بالتبرع بالأعضاء البشرية ونصّه الآتي: "يجب أن يكون المتبرع في مقام حياته راشدا وسليم المدارك العقلية، يعبّر عن رضاه صراحة مع الاحتفاظ بحقه في التراجع في قراره هذا في كل وقت وقبل إجراء أي عملية وتكون عمليات اخذ الأعضاء وزرعها مجانية لا مقابل مالي لها كما تحجر المتاجرة بها ويعاقب عليها القانون بالسجن وعقوبات أخرى". ؟

وأخيرا والأهمّ، هل توصنا ثنائية الفقر والثراء في تونس إلى استعباد الطبقة الثرية أكثر من الإستعباد الذي نعيش فتترصد أجساد شبابنا الفتية لتعيش وهنة وتبقى هي سليمة؟

أنا شخصيا أشك في نزاهة الطبقة الغنية في بلادي، وإلى حين ثبوت إدانتها هل تتعامل السلطة بجديّة مع هذا الموضوع أم سيبقى موضوعا مخفيا رغم أننا نعيشه كل يوم ونعاني منه منذ سنين مثله مثل مسألة الثروات الطبيعية والآثار المنهوبة والتّهريب ؟ أسئلة ستجيبنا الأيام حتما عنها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ