الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجفاف كارثة إنسانية- اقتصادية تُضاف إلى كوارث السوريين

إيمان أحمد ونوس

2014 / 5 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



تفرض الظروف الطارئة على أيّ إنسان أو مجتمع تعاملاً مغايراً للسائد في الحياة، وذلك وفق ما تقتضيه تلك الظروف التي تستوجب إيجاد أساليب ووسائل مختلفة إلى حدٍّ ما عمّا تمّ الاعتياد عليه في الحالات الطبيعية.
فنحن السوريون نعيش منذ أربع سنوات ظروفاً استثنائية بكل المقاييس والاتجاهات، يُضاف إليها هذا العام الجفاف الخطير الذي أنشب أنيابه في الأرض والزرع والضرع. هذه ظروف جرفت بطريقها حياتنا الطبيعية التي كنّا نعيشها ونمارسها بأشكال وأنماط مختلفة تتناسب واحتياجاتنا ورغباتنا.
غير أن اللافت للانتباه هنا، وجود البعض منّا الذي ما زال يمارس حياته بشكلها السابق سواء على المستوى الشخصي أو العام، وسواء على المستوى المادي أو المعنوي بلا أدنى اعتبار لكل ما جرى ويجري، وما سيكون لاحقاً. وهذا يُشعرنا بوجود مشكلة حقيقية لدى أولئك تتجلى وبكل بساطة بعدم الإحساس بالمسؤولية بشكل عام، وتجاه ما يجري بشكل خاص، وعدم الشعور بالتعاطف الإنساني والاجتماعي مع المحيط المشتعل موتاً وخراباً من جهة أخرى.
فالآثار الكارثية التي خلّفتها وما زالت تُخلّفها الأزمة في سوريا على مختلف المستويات طالت الجميع دون استثناء، أثقلها هذا العام الجفاف الذي حطّ رحاله في بلادنا على أوسع مستوى إن كان على صعيد الزراعة أو في مخزون المياه الجوفية كالينابيع، والسطحية كالأنهار والبحيرات والسدود، مما يُنذر بكارثة بيئية واقتصادية واجتماعية فظيعة. يقول خبراء برنامج الأغذية العالمي إن كميات الأمطار المتساقطة في سوريا منذ أيلول/سبتمبر هي دون المعدلات الطبيعية وتشكل اقل من نصف المتوسط السنوي على المدى البعيد.
وهذا الكلام له مدلولاته البعيدة على الحياة الإنسانية وأنشطتها واحتياجاتها كافة. فعلى مستوى الزراعة مثلاً، واضح للعيان الوضع الكارثي لمحصول القمح الذي جفّ قبل أوانه بسبب انحسار الأمطار في الأوقات الضرورية لري تلك المحاصيل، مما جعله علفاً للماشية بدلاً أن يكون محصولاً استراتيجياً يُلبي حاجة البلاد في ظروف وعقوبات استثنائية، وقد حذّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من "شبح الجفاف" في سوريا حيث من المتوقع أن يبلغ إنتاج القمح أدنى مستوياته التاريخية و"يعرض حياة الملايين للخطر". وتعرب الأمم المتحدة عن قلقها لان "المحافظات الأكثر تأثرا بالجفاف تضم أكثر من نصف إنتاج القمح السوري".(1)
فقبل ثلاثة أعوام كان الحديث عن الزراعة بسوريا يقترن بأرقام تشير إلى أهمية هذا القطاع الذي يسهم بنحو 20% من إجمالي الدخل الوطني، ويعمل به نحو مليون عامل من أصل 4.8 ملايين هو العدد الإجمالي للأيدي العاملة. ولكن الوضع تغير خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وبدأت الأرقام التي كانت تعكس وفرة في الإنتاج الزراعي تهبط بسبب موجة الجفاف التي ضربت معظم المناطق لدرجة جعلت العديد من المسئولين المعنيين بالشأن الزراعي يقرعون ناقوس الخطر، ويحذرون من إمكانية تحوّل سوريا إلى بلد مستورد للغذاء، بعد أن استطاعت خلال السنوات الأخيرة تحقيق الاكتفاء الذاتي في معظم المحاصيل الرئيسية كالحبوب، والخضار، والفواكه، والزيتون، والقطن.(2)
وبسبب اجتماع عوامل الحرب والجفاف في سوريا توقع خبراء بأن إنتاج القمح سيهبط إلى الثلث مقارنة عما كان عليه قبل الحرب، وحسب ما قدمه الخبراء الزراعيون فإن محصول القمح قد تراوح بين مليون و1.7 مليون طن في أفضل التقديرات، فقد كانت سوريا تنتج قبل الحرب ما يقارب 3.5 ملايين طن من القمح وكان يكفي لتلبية الطلب المحلي(3)
وإذا ما أمعنّا التفكير والنظر في كل هذا، نجد أننا في وضع غذائي مأساوي على مستوى رغيف الخبز الذي يتطلب من الجميع الحذر والحرص. ولكن الواقع يشي بوضع مختلف عمّا هو متوقع، إذ يرى الباحث الاقتصادي عيسى سامي المهنا في دراسة علمية تفصيلية استندت إلى "إحصاءات وأرقام رسمية"، أن سوء إدارة صناعة الخبز، والهدر والفساد الناجم عن هذه الصناعة تستنزف الاقتصاد الوطني بـ 2.94 مليار دولار عام 2011، بينما بلغ هذا النزيف خلال السنوات العشر الماضية نحو 29.4 مليار دولار، ما يعني أن سورية تقدم كامل ناتجها المحلي الإجمالي في السنة الحادية عشرة لنزيف الخبز.
وتشير الدراسة إلى أن ضبط الهدر في رغيف الخبز يمكن أن يعيد توازن العلاقة بين الأجور والأرباح على مستوى الاقتصاد إذا ما أخذنا بالحسبان أن حجم الهدر هو 114.72 مليار ليرة سورية سنوياً، وأن حصة رواتب المتقاعدين في ميزانية 2013 هو 50 مليار ل.س، إضافة لإمكانية تأمين فرص تشغيل لخمسة أضعاف ما هو وارد في ميزانية 2013، كما أن ضبط الهدر وتحقيق الوفر عبر «حلول تقترحها الدراسة» من شأنهما ترميم العلاقة بين اقتصاد الظل واقتصاد الضوء.
وتلاحظ الدراسة أن كل ساعة تأخير بهذه الإجراءات الاقتصادية "حلول مقترحة" الملحة تكلف الاقتصاد الوطني 7 ملايين دولار، وتعويضها زمنياً مكلف جداً، وقد بدأنا نتلمسه بسعر لربطة الخبز بالسوق السوداء يعادل 75 ل.س ولتر المازوت بـ90 ل.س، (وبالتالي فإن الكلفة الحقيقية لحاجة الخبز الكلية عند «140 كغ خبز/فرد/سنة» بعد حذف الهدر وتحقيق الوفر هي 69.28 مليار ل.س، دون المساس بسعر 15 ل.س لـربطة الخبز وزن 1450غ(4)
وأما على مستوى باقي المحاصيل فهي ليست أوفر حظاً، وهو ما سيعمل على ارتفاع أسعار الخضار والفواكه وباقي المنتجات الزراعية، والزراعية- الصناعية لمستويات قياسية ستجعل أعداد الجياع في البلاد إلى ازدياد، يُضاف إلى هذا انخفاض قيمة الرواتب والأجور لمستويات دنيا كفيلة ربما بارتفاع أعداد المتسولين في الشوارع كما وتشمل التداعيات التي قد تنجم عن انخفاض إنتاج الغذاء، سوء التغذية، وارتفاع أسعار الغذاء، والهجرة من الريف، وزيادة معدل التسرب من المدارس، وزيادة الضغط على سوق الوظائف، حيث يسعى المزارعون إلى الحصول على أعمال أخرى بديلة، وهذا ما سيضع المجتمع بكافة شرائحه أمام مشكلات خطيرة يصعب تداركها على المدى القريب. إن المسؤولية هنا تقع على الجميع حكومة ومواطنين في محاولة جادة وحقيقية لردم الهوّة ما بين الواقع المأساوي القائم وما بين الاحتياجات الفعلية للناس، والابتعاد قدر الإمكان عن الهدر المعتاد على الصعيدين العام والخاص بذات المستوى.
أما على مستوى المياه، فقد أكد مدير عام مؤسسة مياه الشرب في دمشق وريفها أن الهطل حسب ما سجلته المحطات المناخية على حوض الفيجة للعام المطري 2013- 2014 ليست جيدة قياساً إلى الهطولات في العام الماضي خلال هذه الفترة من السنة، مشيراً إلى أن كميات الهطل في مدينة دمشق بلغت 94 مم حتى تاريخ 30/12/2013، وأن كميات نقص الهطل حتى الآن عن الهطل الوسطي حتى هذا التاريخ بلغت كميته 45.93 مم، علماً بأن الهطل الوسطي السنوي على حوض الفيجة خلال 57 سنة يبلغ 515.42 مم(5) وبسبب الأزمة الراهنة فقد وصلت نسبة الهدر في مياه الشرب بحسب ما نقلت صحيفة تشرين السورية إلى 57%
أمام هذا الواقع المرير فنحن لا محالة مقبلون على أزمات كارثية تتمثل في العطش وانتشار العديد من الأمراض والأوبئة، إضافة إلى الهجرات التي ترافق الجفاف، وما يتبعها من آثار اجتماعية واقتصادية ومعاشية سيئة على اعتبار أن المياه هي الحياة بكل أبعادها، فإذا ما نضبت هذه المياه نضبت الحياة والصحة والاستقرار. وهذا بالتالي يتطلب من الحكومة إجراءات مدروسة تكفل التخفيف ما أمكن من الهدر، وكذلك من الآثار المترتبة على هذه الكوارث، أقلّها التوجه من خلال الإعلام بكافة وسائله للقيام بحملات توعية من أجل المحافظة على ما تبقى لنا من مخزون مائي وغذائي لاسيما في ظل ظروف الحرب القائمة، كما يتطلب من المواطنين زيادة الوعي بحجم تلك المأساة والتعامل معها بحكمة وأثرة بعيداً عن سلوكيات متخلفة مفعمة بالأنا، وذلك باتباع سياسات ترشيد الاستهلاك والتقنين الذاتي في كافة مناحي الحياة حفاظاً على وجودنا الإنساني.

مراجع:
(1) http://www.bbc.co.uk
(2) http://we3rb.net/t50934/
(3) http://www.ayloulnews.net/business/2600
(4) http://www.damaspost.com -
(5) دي برس http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?articleid=157919#ixzz30e9JinPT








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن