الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دموع البابا فرانسيس

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2014 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



ربما لن ينسى السوريين، ولأمد بعيد، حزن البابا فرانسيس الأول، وهو يتحدث في عظة الجمعة الثاني من مايو، عن عينيه المباركتين بنور الإيمان، وقد غشتا بالدمع الذي ترقرق في محجريهما، وكانتا عصيتان عن الطفر لهول المشهد الإجرامي الذي رآه على وسائل الإعلام التي نقلت صور ومشاهد إعدام شبان سوريين، على الصليب. دمعت عينيه لأنهم مسيحيون يصلبون في بلد غير مسيحي !
رأيت صورته في السانتا مارتا ذي وجه حزين كسير القلب، على أولئك الشبان الذين نفذت فيهم دولة العراق والشام الإسلامية " داعش " حكم الإعدام صلباً،في كل من الرقة وتل أبيض ومسكنه.
لاشك أن ماتقوم به داعش هو جريمة بكل المعايير الانسانية والقانونية، ويذكرنا بجرائم الإعدام في القرون الوسطى، ولكنه اليوم في الحقيقة لايختلف سوى في الأسلوب عمّا يرتكبه نظامالأسد بحق السوريين، من حيث درجة الجريمة وبشاعتها. البابا فرانسيس أدمعت عيناه لمشهدٍ نُمي إليه أن هؤلاء المصلوبين هم مسيحيين، وأن البلاد التي اقترفت ذلك غير مسيحية!
يثير هذا التفكير مسألة أخلاقية وفكرية على مستويين، الأول يتصل بأن مصدر الحزن كون الرعايا مسيحيين، وفي هذا مخالفة لواقع الحدث فجميع من صلبتهم داعش هم مسلمون، ولم يكن الأمر متصلاً بحمل الصليب. ثمة خلطٍ بين ماقامت به داعش من اجراءات تمثلت بالاستيلاء على كنيسة الشهداء وسط الرقة، وتحويلها الى مكتب دعوي، وكسر الصليب، وفرض الجزاية على مسيحيي المناطق التي تحتلّها، من جهة، وبين جرائم الإعدام الأخيرة. كان هؤلاء الشباب قد أدانتهم داعش بالخروج على التعاليم الإسلامية كقتل مسلمين بالقاء متفجرات، أو التدخين، وغير ذلك مما لا علاقة له بمسألة العقيدة.
المستوى الثاني يتصل بما رآه قداسة البابا أن الحدث/ الجريمة قد تمّ في بلاد غير مسيحية، وهذا بدوره مناف للحقيقة التاريخية، بأن سورية هي مهد المسيحية، ويحيلنا قوله الى النفخ بمسألة تعرّض الأقليات من خطر على وجودهم وحياتهم. وكأنه بذلك يمنح النظام ذريعة جديدة، للإستمرار في نهجه ودعاوته السياسية كحامٍ للأقليات.
قد تكون المعلومات التي نقلت الى البابا مضللّة، بهذا الشأن، أو أنها كانت فرصة ملائمة للإشارة الى الخطر الإرهابي الداهم على المسيحيين في الشرق العربي. وبكل الأحوال فإن البابوية حتى اليوم يبدو موقفها، على مسافة بعيدة من إرادة السوريين في الحرية والكرامة، وهذا يعطي غطاءً واسعاً للكنائس التي تشكل عصباً أساسياً داعماً لنظام الأسد، وهو مانراه حقيقة في المؤسسات الرعوية المسيحية والاسلامية الرسمية على حدّ سواء في سوريا. فلم تتجاوز مواقف الكرسي الرسولي الصلوات والدعاء، ولم يصل الى درجة إدانة مرتكبي الجرائم والنظام.
يستطيع الحبر الأعظم، بما عرف عنه - إن شاء - تكوين رأي عام ضاغط على حكومات الدول الغربية الكبرى، لحملها على إجبار نظام الأسد على وقف إراقة الدماء، وتدمير المدن والبلدات والأحياء، بصورة همجية غير مسبوقة!
نجد أنفسنا مضطرون للمقارنة بما قام به الأب فرانسيس في حمص، وتفانيه حتى حدود التضحية بروحه ودمه من أجل حياة المعذبين في حمص المحاصرة، وما يصدر عن رئيس أعلى مؤسسة دينية مسيحية كونية، ومايكتفي به سيّد البابوية اليوم، وهما يتسميان باسم الراهب فرنسيس الأسيزي، الذي عرف عنه مدافعته عن الفقراء، وسعيه من أجل السلام..هذا ماجسده الأب فرانسيس حتى اغتياله. فيما يتقاعس عنه البابا وهو قادر على فعل الكثير من أجل خلاص السوريين.
لانريد من الحبر الأعظم ماليس بقادر على تقديمه، لقد ترك العالم المدني المتحضر بكل إنسانيته، السوريين لقدر الموت والتهجير، على مذبح الحرية، وكان على المؤسسات الكونية القادرة على التغيير في العالم، عبر التأثير الأخلاقي وإحداث اصلاح للروح الإنسانية، أن تكون منسجمة مع الأفكار التي تشيع الإيمان بها عبر العالم.
كان يمكن للبابا فرانسيس أن يرفض الجريمة، واستخدام الصليب، وأن يعتبر ذلك إهانة للأنسانية ومحاولة لاستغلال رموز دينية في جرائم نكراء، لانقبل أن يقتل أحد في سوريا او أي مكان في العالم، وبأية وسيلة، لكن داعش ماكان لها أن تتكون دون دعم من طغاة دمشق وحلفائه، وماكان لها أن تتمدد أفقياً وشاقولياً في ارتكاب المجازر وانتهاك الحقوق العامة والفردية، لولا السكوت الدولي العام عمّا يحدث في سوريا منذ ثلاث سنوات ومائتي ألف ضحية، ودمار اكثر من مليون منزل، وتشريد ثلث الشعب السوري.
الأسد كمجرم دولي، يستعد لتطويب نفسه حبراً أعظم للطغاة على كرسي القتل فوق نهر من دماء المعذبين السوريين في البيوت والمعتقلات وأماكن العبادة والتشرّد، في عتمة الفقدان والحرمان، والضغينة التي ينسج خيوطها كل وقت. ولا نريد لدموع البابا الرهيف أن تكون داعمة للديكتاتور، الذي يستلهم في أفعاله العظيمة بعض أساليب محاكم التفتيش صعوداً الى الجحيم.
نريد أن يحثّه حزنه على القيام بعملٍ جديّ من أجل السوريين، من كل الأديان والطوائف والانتماءات.
____________
كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكل مسؤول عن دمار سوريا
نديم المالح ( 2014 / 5 / 9 - 15:51 )
مسؤولية دمار سوريا وقتل عشرات الالوف من الشعب السوري تقع على عاتق بشار وزبانيته من الايرانيين واللبنانيين والعراقيين من جهة وعلى الاخوان المسلمين وكافة العصابات التكفيرية من سوريين وعرب واجانب وبدعم مباشر من تركيا وقطر والسعودية من جهة اخرى . فأن كنت يا السيد الكاتب من جماعات المعارضة فأنك حتما مشارك في الجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوري

اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة