الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة إسرائيلية أم يهودية؟

يعقوب بن افرات

2014 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


تصريح وزير الخارجية الأمريكي، جون كري، بأن فشل حل الدولتين سيحوّل إسرائيل لدولة "أبرتهايد"، أثار ضجة إعلامية كبيرة في إسرائيل ودفع الكونغرس الأمريكي لإجبار كري على الاعتذار وإعلان ندمه على استخدام مصطلح أبرتهايد والقول إنه كان المفترض أن يستخدم مصطلحا أنسب.
إلا أن ما قاله كري هو اعتقاد سائد بين أوساط واسعة من الجمهور الليبرالي في إسرائيل، وقد تلاه نشر إعلان مدفوع من قبل جمعية "المنظمة لمنع العنصرية والأبرتهايد في إسرائيل" وقّعته نخبة من الفعاليات المعروفة تحت عنوان "جون كري: لا مصطلح أنسب! دون حل تقسيم البلاد إلى دولتين – ستصبح إسرائيل دولة ابرتهايد". وقد ازدادت حدة إحباط الليبراليين الإسرائيليين على خلفية تسبّب حكومة نتانياهو بفشل المفاوضات لإصرارها على توسيع الاستيطان، وذلك بشهادة من الأمريكان أنفسهم.
ولم تقف الحكومة عند هذا الحد، بل صبّ رئيسها الزيت على النار عندما صرّح بأنه سيعمل شخصيا على سن "قانون القومية" الذي يضع يهودية الدولة فوق الديمقراطية، وهو القانون الذي اقترحه حزب المستوطنين "البيت اليهودي" برئاسة نفتالي بينت. وقد لقي اقتراح القانون انتقادات عدة، ووصفه الصحافي يارون لندن في برنامجه التليفزيوني بالفاشية كونه يضع القوم فوق كل حق آخر، وقال إنه غير ضروري لأن وثيقة الاستقلال حددت أن إسرائيل هي دولة "يهودية وديمقراطية".
ولكن اليمين الإسرائيلي يرى تناقضا بين الطبيعة اليهودية والديمقراطية، خاصة منذ بدأ المواطنون الفلسطينيون حاملو الجنسية الإسرائيلية بممارسة حقوقهم المدنية. ويحمل اليمين على المحكمة العليا تفضيلها معايير الديمقراطية على حساب اليهودية. من ذلك مثلا قرار العليا قبول التماس عائلة قعدان ضد لجنة القبول في بلدة كتسير اليهودية التي رفضت السماح لها بالسكن هناك، واعتمدت المحكمة على الادعاء بأن كون إسرائيل دولة يهودية يلزمها بتقديس مبدأ المساواة. سياسة إقامة بلدات لليهود فقط هي بحد ذاتها خرق لمبدأ المساواة، وتؤدِّي لتمييز باطل ضد المجتمع العربي في إسرائيل.
ومن اجل تجاوز هذه الإشكالية والتناقض بين صفتي اليهودية والديمقراطية، تقدمت مجموعة من المواطنين اليهود الى المحكمة العليا بطلب الاعتراف بما أسموه "القومية الإسرائيلية" بدل القومية اليهودية كما هو دارج اليوم. وقد اعتمد هؤلاء، وبينهم اوري افنيري، على إعلان دولة إسرائيل كبداية لتكوين الهوية الإسرائيلية، أسوة بأغلبية دول العالم التي تتساوى فيها القومية مع الجنسية. ففرنسا مثلا تعتبر دولة كل الفرنسيين، بغض النظر عن أديانهم وثقافاتهم، أما إسرائيل فتعتبر دولة يهودية، مما يعني التمييز ضد العرب حتى وإن حملوا الجنسية الإسرائيلية.
لو أن المحكمة العليا قبلت بهذا الطلب لبطلت الصفة اليهودية للدولة، ولتساوت حقوق العرب باليهود. ولكن تحديدا لهذا السبب رفضت المحكمة هذا الطلب بشكل قاطع، بادعاء أنه "حسب القانون ليست هناك قومية إسرائيلية". بمعنى أنه حتى بعد مرور 66 عاما على تأسيس الدولة اليهودية، لم تتبلور الهوية الإسرائيلية، الأمر الذي يكرّس التمييز المبرمج ضد المواطنين العرب. النتيجة هي استقطاب حاد بين العرب واليهود، وتعزيز الهوية الفلسطينية للعرب من جهة واليهودية لليهود من جهة أخرى، في حين تذهب الهوية الإسرائيلية في مهب الريح.
أدى إصرار اليمين على تعزيز الهوية اليهودية للدولة على حساب الديمقراطية والمساواة بين كل مواطنيها، إلى معارضة شديدة من قبل الجمهور الليبرالي الذي يريد التخلص من الاحتلال والعيش في مجتمع ديمقراطي متنوّر. ومما زاد غضب هذه الأوساط هو مطالبة نتانياهو من أبي مازن بالاعتراف بيهودية الدولة، الأمر الذي اعتبرته حجة لنسف المفاوضات.
إن إثارة موضوع "يهودية الدولة" تؤدي للتشكيك بمصداقية الرواية الصهيونية، الأمر الذي بلغ بصحيفة "هآرتس" و"صندوق إسرائيل الجديد" اللذين يمثلان الأوساط الليبرالية إلى المطالبة بالاعتراف بالنكبة عام 1948. تواجه إسرائيل اليوم أزمة هوية عميقة بعد أن رفضت رسم حدودها، لذا فهي تقبل على سن قوانين عنصرية هدفها منع المواطنين العرب من ممارسة حقوقهم المدنية وتخشى أن تذوب الهوية اليهودية في الهوية "الإسرائيلية" العامة التي تشمل كل المواطنين.
ما يزيد من إرباك الساحة السياسية هو السؤال كيف يمكن الحفاظ على الأغلبية اليهودية وذلك لمنع التحول لنظام الأبرتهايد. وكان اليمين واليسار قد اجتمعا حول المعادلة السحرية لذلك، وهي السيطرة على اكبر مساحة ممكنة من الأرض والتخلي عن اكبر عدد ممكن من السكان الفلسطينيين. وقد كفل اتفاق أوسلو هذا الوضع، عندما سلّم السلطة الفلسطينية السيطرة على السكان بينما احتفظت إسرائيل بالأرض لبناء مستوطناتها. وكان من اخترع هذا الترتيب العبقري حزب العمل بقيادة يتسحاق رابين، والمصيبة الكبرى كانت وقوع الطرف الفلسطيني في الفخ.
نتيجة أوسلو كانت ازدياد قوة اليمين الإسرائيلي واتساع نفوذه السياسي وبالتالي توسع الاستيطان. ان وجود السلطة الفلسطينية هو صمام الأمان الذي يتيح نمو اليمين الإسرائيلي، فهي تحافظ على الشكل "الديمقراطي" للدولة التي هي منقسمة عمليا إلى نظامين: نظام احتلال في الضفة الغربية وغزة ونظام شبه ديمقراطي داخل حدود 1948. ان هذا الترتيب الغريب لا يمكن ان يستمر للأبد، وهو ما دفع جون كري للتحذير من اتجاه إسرائيل نحو الأبرتهايد. أما يوسي بيلين الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية ومن مهندسي اتفاق أوسلو، فقد نادى إلى إلغاء الاتفاق بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة، وحسب رأيه فالسلطة الفلسطينية أقيمت على أساس مؤقت إلى حين إنشاء الدولة الفلسطينية، أما اليوم فلا مبرر لوجودها لأنها أصبحت عمليا غطاء لاستمرار الاحتلال والاستيطان.
منذ التوقيع على اتفاق أوسلو بدأ اليسار الإسرائيلي بالتراجع حتى التحق بكل حكومات اليمين باستثناء الحكومة الحالية، وذلك لأن نتانياهو استغنى عنه لصالح الائتلاف مع اليمين المتطرف وبمساعدة من حزبي لبيد وليفني. ورغم التطرف اليميني الذي سيطر على الساحة السياسية وعمق الاحتلال والاستيطان، فضل اليسار الإسرائيلي الإجماع الصهيوني والتفاهم مع اليمين على حساب التحالف مع القوى التقدمية الفلسطينية. وقد أدى هذا السلوك الجبان إلى قطيعة بين المجتمع اليهودي والعربي داخل إسرائيل، وإلى نمو الميول القومية والدينية المتطرفة من الجانب الفلسطيني الامر الذي لعب لصالح اليمين الإسرائيلي الفاشي.
لا شك أن الطريق المسدود الذي وصلته الحكومة الإسرائيلية، وتحذيرات الإدارة الأمريكية من إمكانية نشوب انتفاضة ثالثة، والنقاش الدائر اليوم حول الهوية القومية لإسرائيل، كلها تؤدي إلى تعميق الاستقطاب الداخلي في المجتمع إسرائيلي وتدفع باليسار للاستنتاج بأن الخطر على وجود إسرائيل ليس الفلسطينيين بل المستوطنين، وهو ما نراه من تبلور الرأي العام الليبرالي مؤخرا ضد ممارسات الحكومة. ان العدو الداخلي هو العدو الحقيقي بينما ما اعتبر "العدو الخارجي" يمكن ان يصبح حليفا في بناء مجتمع ديمقراطي أفضل، خالٍ من الاحتلال والعنصرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النموذج الأولي لأودي -إي ترون جي تي- تحت المجهر | عالم السرع


.. صانعة المحتوى إيمان صبحي: أنا استخدم قناتي للتوعية الاجتماعي




.. #متداول ..للحظة فقدان سائقة السيطرة على شاحنة بعد نشر لقطات


.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تكثف غاراتها على مخي




.. -راحوا الغوالي يما-.. أم مصابة تودع نجليها الشهيدين في قطاع