الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يجري في سوريا ؟ حرب لتغيير النظام العلماني، أم مساع خبيثة لتأسيس قاعدة جديدة للقاعدة؟

ميشيل حنا الحاج

2014 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


ماذا يجري في سوريا ؟ حرب لتغيير النظام العلماني، أم مساع خبيثة لتأسيس قاعدة جديدة للقاعدة؟
منذ قرابة العام، وبالذات منذ منتصف شهر أيار 2013، بدأت في كتابة سلسلة المقالات المعنونة ب "أسئلة تحتاج الى اجابات حول الواقع العربي والربيع العربي". وكان السؤال الأول الذي طرحته: "لماذا تفجر الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، ولم تشهد مثله دول الخليج". وكان موضوع السؤال الثاني، بعد أن دخلت الحرب في سوريا عامها الثالث:"هل ما يجري في سوريا حرب حسم أم حرب استنزاف"، ذلك أن دخول الحرب عامها الثالث، أوحى بأنها حرب ممتدة في الزمن، وحرب غير قابلة للحسم، لأن الحسم يلغي عنصر الامتداد في الزمن الذي هو من أهم عناصر حروب الاستنزاف. وبما أن حروب الاستنزاف الممتدة في الزمن، هي أيضا حروب بحاجة لمن يمولها، فقد بدأ يتجلى أمامي تدريجيا السبب في عدم انطلاق الربيع العربي في دول الخليج العربي أيضا، ذلك أنها الممول، أي العنصر الثالث لاكتمال عناصر حرب الاستنزاف وهي: الامتداد في الزمن، عدم الحسم، تواجد الجهة الممولة والقادرة بالتالي على اطالة أمد حرب الاستنزاف تلك.
ولكن مع دخول الحرب في "سوريا" عامها الثاني، بدأ يتجلى للمراقبين أن خللا ما لامس الخطة المرسومة ل"سوريا"، والتي كانت تفترض حربا بين الجيش السوري الرسمي والجيش السوري الحر المنشق عن الجيش الوطني، ربما يؤازهم فيها فئة قليلة من المتطوعين القادمين من العالم العربي. اذ تبين تدريجيا أن المتطوعين لم يشكلوا فئة قليلة، بل فئة كبيرة، ازداد عددها تدريجيا، مع ظهور المؤشرات العديدة على أن الكثيرين منهم قادم من دول غير عربية ك "الشيشان" و"افريقيا" و"افغانستان"، اضافة الى كون القادمين من العالم العربي، كانت لديهم أجندة تختلف عن الأجندة المرسومة لسوريا، وهي اسقاط النظام العلماني لاحلال نظام اسلامي محله يتسم بالسلفية والوهابية. اذ كان الكثير من أولئك العرب، متحالفين مع المقاتلين من غير العرب، الساعين لاسقاط النظام العلماني، ولكن ليس لاحلال نظام سلفي وهابي محله، بل لاحلال سلطة تنتمي للقاعدة التي مقرها الرئيسي في "أفغانستان".

وكانت حركة الانشقاق بين جماعة "النصرة و داعش" المنتميتان رسميا للقاعدة، أول من كشف عن حدوث شرخ، بل انحراف عن الأهداف الأولية والأساسية لتلك الحرب التي أريد لها أن تكون حربا ممتدة في الزمن، لا أن تكون حربا تسعى لاستبدال النظام العلماني بنظام يعتمد أسس ومفاهيم منظمة القاعدة. وزاد في الطين بلة، أن هاتين المجموعتين اللتين ضمتا أيضا عددا من المرتزقة، قد نفذت أعمالا همجية لا تقبل بها مفاهيم الحضارة الحديثة، ومنها اغتصاب النساء، وقتل الأسرى بدم بارد خلافا للمواثيق الدولية حول كيفية معاملة الأسرى، اضافة الى قطع رؤوس كل من يخالفهم الرأي أو المفهوم الخاطىء الذي يعتنقونه.
ولم يخجل أولئك مما نفذوه من أعمال وحشية، بل سعوا للترويج لها عبر تصوير عمليات قطع الرؤوس وقتل الأسرى، وعرض الفيديوهات المصورة على شبكة "يو تيوب" كي يراها القاصي والداني. وكان في اعتقادهم، أنهم بذلك يخدمون قضيتهم بالقاء الرعب في نفوس الجنود السوريين، مما سيدفعهم للتخاذل في القتال او للفرار من الخدمة العسكرية. لكن النتيجة جاءت عكسية، اذ أدت الى استبسال الجندي السوري في القتال، لادراكه أن الوقوع في الأسر يعني الموت المؤكد بعد معاناة مضنية في الأسر، مما جعله يفضل القتال بكل قوته ولآخر قطرة في دمه، على الفرار أو الوقوع في الأسر.
وقد أثارت هذه الأعمال الوحشية بلا مبرر، المخاوف لدى العديد من الدول العربية وخصوصا دول الجوار. كما أثار تناميها مخاوف الدول الغربية خصوصا بعد ملاحظتهم لانضمام عدد من رعاياهم الذين اقنعوا باعتناق الاسلام، الى قوات "القاعدة" المقاتلة في "سوريا"، مما باتوا يخشون معه سلوك اولئك العائدين منهم الى بلادهم واحتمالات قيامهم بأعمال تخريبية تدربوا عليها في ساحة القتال السورية.
ونتيجة لذلك جرى اعادة نظر واضحة في مواقف الدول الغربية من الحرب الجارية في "سوريا". فالحرب التي أريد لها أن تكون حربا طويلة ممتدة في الزمن، لم يعودوا راغبين في امتدادها طويلا في الزمن، نتيجة ادراكهم المتنامي أن الامتداد في الزمن، انما يعني تجهيز وتدريب مزيد من المقاتلين القادمين من بلادهم، مما يعني مزيدا من الخطر على الدول الغربية، كما يعني أيضا اتساع رقعة المناطق التي تسيطر عليها جماعات القاعدة، وهذا يؤدي الى احتمالات أقوى لسيطرة رجال "القاعدة" و"طالبان" على مقادير الأمور في "سوريا"، لو أتيح لهؤلاء النجاح في اسقاط النظام العلماني فيها. وبدأ تيار في "الولايات المتحدة" خصوصا، يرى في بقاء "الرئيس الأسد" على رأس السلطة، أفضل كثيرا من حلول رجالات القاعدة في مركز المسؤولية في "دمشق". وبطبيعة الحال كان هناك رأي معاكس في الحزب الجمهوري يقوده السناتور المتزمت "جون ماكين"، يطالب، لا بتقديم مزيد من الدعم فحسب للمسلحين السوريين المتمردين، بل يحث على مشاركة الطيران الأميركي في القتال ضد الجيش السوري.
الا أن الحسم في هذا القرار كان للادارة الأميركية الديمقراطية التي يقودها الرئيس "أوباما"، الذي رأى عكس ذلك، رغم رغبته في الحصول على بعض التنازلات لمصلحة التيار الاسلامي، لانقاذ ماء الوجه من ناحية، ولارضاء حليفته "السعودية" من ناحية أخرى. وهكذا بنى آمالا كبارا على مؤتمر "جنيف2" الذي فشل في تحقيق الأهداف الأميركية. ثم بناها على التطورات في "أوكرانيا" على أمل الحصول على تنازلات من "روسيا"، ودفعها لممارسة بعض الضغوط على "سوريا" لتقديم بعض التنازلات، لا كل التنازلات المرجوة منها.
لكن "روسيا" لم تخفها قضية الانشغال ب"اوكرانيا"، وبالتالي لم تقدم التنازلات المطلوبة، بل سعت لتقوية شوكة القوات السورية بارسال دفعة سريعة من طائرات حديثة، اضافة الى جسر جوي من طائرات "الأنتونوف"، كان ناشطا في الشهرين الأخيرين في نقل مزيد من العتاد والسلاح الى الجيش لسوري، كما رددت بعض التقارير الاخبارية والحوارات السياسية على بعض القنوات الفضائية.
وهكذا بات الأمل الآن معولا على "جنيف3" القادم لا محالة وفي جعبته مهمتين أساسيتين: الأولى الوصول الى حل سياسي سلمي يحقق جزءا ولو يسيرا من مطالب الاسلاميين الممثلين ب"الجبهة الاسلامية" و"الجيش السوري الحر"، وذلك ارضاء لهم وانقاذا لماء الوجه، وثانيهما وضع حد لتنامي قوة المعارضة المتشددة المتمثلة بالمجموعات المنتمية الى القاعدة. فالجانب الثاني أمر بات شبه متفق عليه من قبل الأميركيين، الروس، السعوديين، والسوريين بطبيعة الحال الذين لا يكنون الود لتلك الجماعات.
فالمخاوف الغربية من تنامي قوة القاعدة في "سوريا" واحتمالات تحولها الى "افغانستان" أخرى، قد ازدادت وضوحا مع مرور الزمن. فكل من "فرنسا" و"بريطانيا" بدأتا تراقبان رعاياهما الذاهبين الى "سوريا" أو العائدين منها. ودول أخرى هددت بسحب جنسية بلادها من هؤلاء، وكان أبرزهم وأكثرهم حماسا "أستراليا" التي هددت رسميا بسحب الجنسية من رعاياها الذين يقاتلون في "سوريا". وأكدت على ذلك بشكل واضح وحازم، عندما منعت سيدة أسترالية كانت تهم بركوب الطائرة بصحبة أولادها الأربعة، رغبة منها في السفر الى "سوريا" للالتحاق بزوجها الذي يقاتل هناك.
ولكن الأمر الذي كان في غاية الوضوح في هذا الاتجاه، كان تصريحات "جيمس كومي" مدير مكتب التحقيقات الفدرالية الأميركية FBI ، قبل أيام قليلة، والتي عبر فيها عن مخاوفه من تنامي عدد غير السوريين المتواجدين في الساحة السورية واصفا أعدادهم بالآلاف. وقال بأن مثل هذا قد حدث في السابق في "أفغانستان" عام 1980 وأدى الى ظهور القاعدة التي قامت، كما قال، بتفجير البرجين في نيويورك" في التاسع من أيلول عام 2001. وهو لا يريد أن يتكرر ذلك الآن، معربا عن مخاوفه من تنامي القاعدة في "سوريا". وركز "كومي" على مخاوفه ممن سماهم "بالذئاب المنفردة"، وهؤلاء من تدربوا على كيفية اعداد المتفجرات، ومع أنهم قد بنوا لأنفسهم قناعات متأثرة بأفكار القاعدة، الا أنهم لصعوبة التواصل مع تلك المنظمة، يعملون منفردين، وبتمويل ذاتي، ومجهود ذاتي أيضا في اعداد بدائي لبعض المتفجرات. فهؤلاء قد باتوا يشكلون خطرا على الأمن الأميركي. والمثال الذي يذكر على هؤلاء، هي العملية التي نفذت في "بوسطن" قبل عام، خلال مسابقة للركض، ونفذها شقيقان قتل أحدهما وبات الآخر يواجه المحاكمة الآن.
والأمر الآخر الذي بدا أكثر وضوحا، هو تجاهل الرئيس "أوباما" لمطلب "أحمد الجربا" بتزويده بأسلحة نوعية أبرزها صواريخ محمولة مضادة للطائرات، افترض بأنها ستحقق توازنا عسكريا على أرض المعركة، لكونها ستلحق الشلل بغارات الطائرات السورية العسكرية. ووعد "الجربا" بأنه يضمن عدم وصولها الى الأيدي الخاطئة، أي الى المجموعات المنتمية الى القاعدة. ولكن الرئيس "أوباما" اكتفي بالموافقة على قرار للكونجرس الأميركي بتزويد المعارضة بأسلحة محدودة الفعالية وقيمتها لا تزيد عن 27 مليون دولار، وهو مبلغ زهيد ينفق في حرب كهذه، رغم وجود احتمال لم يؤكد، بأن تتضمن صواريخ "تاو" أو "لاو" المضادة للدبابات، علما بأن شحنة كهذه من الصواريخ قد سبق ارسالها للمعارضة التي وعدت بعدم وصولها الى الأيدي الخاطئة، ومع ذلك أثبتت التطورات وصول بعضها الى تلك الأيدي الموصوفة بالخاطئة. وهكذا خرج "احمد الجربا" بخفي حنين، احد الخفين كان شحنة صغيرة من الأسلحة العادية، والخف الثاني منح ممثلي "الجربا" في "أميركا" مركز البعثة الدبلوماسية.
وما يعزز وجود المخاوف الأميركية من تنامي قوة القاعدة في "سوريا" ودول أخرى، هو مشاركة بعثة من الخبراء الأميركيين في توجيه دفة القتال ضد أنصار القاعدة في "شبوة" و"أبين" اليمنيتين، حيث تنامت قوة القاعدة كثيرا. وكذلك ارسالها خبراء الى "نيجيريا" للمساعدة في تحرير أكثر من مائتي فتاة نيحيرية أختطفن من مدارسهن من قبل جماعات "بوكو حرام" الجهادية النيجرية، وقيام "بريطانيا" أيضا بارسال خبراء للمساعدة في ذات الهدف النيجيري، بل واعلان "الولايات المتحدة" يوم أمس، عن استعدادها لتدريب قوات عراقية على الأراضي الأردنية، بهدف مساعدتها على مقاتلة "داعش" العراقية، اضافة الى وجود قوات فرنسية في "أفريقيا الوسطى" وفي "مالي" لمقاتلة منظمات تكفيرية جهادية قاعدية كهذه.
وهذا كله يشكل مؤشرات واضحة على صحوة، ولو متأخرة، في الدول الغربية والأميركية بالذات، على وضوح رؤيتهم تجاه خطر القاعدة الذي يعززه تواصل القتال في "سوريا"، تاركا المجال ل"داعش" و"للنصرة" لتجنيد مزيد من الرجال مع كل يوم يمضي دون الوصول الى حل عادل ومقنع لتلك الحرب، يضمن بقاء النظام العلماني، ويرفض وصول القاعدة الى السلطة، بل ويرفض أيضا انفراد التيارات السلفية الوهابية فيها، لما تنطوي عليه أفكارهم من احتمالات التحول تدريجيا، الى ما هو أشد من السلفية والوهابية التي تشكل أرضا خصبة قابلة للتحول الى ما هو أبعد من ذلك. ألم يبدأ الأمر في "أفغانستان" بمقاتلين سلفيين وهابيين، وتحولوا بعد ذلك بقليل الى "القاعدة" التي بات العالم كله يعاني منها؟

ميشيل حنا الحاج
عضو في جمعية الدراسات الاستراتيجية الفلسطينية (Think Tank).
عضو في مجموعة (لا للتدخل الأميركي والغربي) في البلاد العربية.
عضو في ديوان أصدقاء المغرب.
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية.
عضو في لجنة الشعر في رابطة الكتاب الأردنيين.
عضو في جمعية الكتاب الأليكترونيين الأردنيين.
عضو في اتحاد دول المقاومة: ايران، العراق، سوريا ولبنان.
عضو في تجمع الأحرار والشرفاء العرب (الناصريون)
عضو في مشاهير مصر - عضو في منتدى العروبة
عضو في "اتحاد العرب" (صفحة عراقية(
عضو في شام بوك - عضو في نصرة المظلوم (سورية)
عضو في مجموعات أخرى عديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدم المنازل الفلسطينية وتوسيع المستوطنات.. استراتيجية إسرائي


.. مجدي شطة وا?غانيه ضمن قاي?مة ا?سوء فيديو كليبات ????




.. قتلى واقتحام للبرلمان.. ما أسباب الغضب والاحتجاجات في كينيا؟


.. الجنائية الدولية تدين إسلامياً متشدداً بارتكاب فظائع في تمبك




.. فرنسا.. أتال لبارديلا حول مزدوجي الجنسية: -أنت تقول نعم لتما