الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل طرد عبد الناصر اليهود من مصر ؟

فؤاد قنديل

2014 / 5 / 10
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة



يميل كثير من المحللين السياسيين في الغرب إلى الاعتقاد بأن عبد الناصر طرد اليهود من مصر ، واغتصب أموالهم ويبنون على هذا الاعتقاد نتائج أخري كثيرة استثمرها الصهاينة ضد مصر وعبد الناصر وبالغوا في هذا التصور الذي جعلهم يروجون لفكرة أن عبد الناصر لا يختلف كثيرا عن هتلر. فما هي القصة على نحو دقيق تدعمه الأدلة والأحداث التاريخية ؟

قبل تقييم حالة اليهود في مصر بعد ثورة 1952 لابد من إشارات تاريخية مكثفة لحالة اليهود المصريين قبلها ، وتبدأ ملامح القصة في التشكل بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 حيث أقبل اليهود من بلاد كثيرة للاستثمار في مصر وتأسيس البنوك ، ومحاولة الاستفادة من الحالة الجديدة التي قفزت إليها مصر بصفتها حاضنة لأهم معبر مائي في العالم ، وكان البنك العقاري المصري الذي تأسس عام 1880 أول البنوك وأسسته ثلاث عائلات يهودية هي سوارس ـ رولو ـ قطاوي. وقد لعب هذا البنك دورا خطيرا في الاقتصاد الزراعي المصري فنتيجة القروض التي منحها للملاك الزراعيين أصبح يتحكم في أكثر من مليون فدان من الأرض المصرية الخصبة. كما أسست تلك العائلات بنكين آخرين هما البنك الأهلى والبنك التجاري ، بحيث أصبحت كل أشكال التجارة لابد أن تمر من خلال اليهود .
وامتدت سيطرة اليهود لمجالات أخرى هامة مثل قطاع البترول فقد قام إميلي عدس بتأسيس الشركة المصرية للبترول في بداية العشرينيات، في الوقت الذي احتكر فيه اليهودي «إيزاك ناكامولي» تجارة الورق في مصر.
كما اشتهر اليهود بتجارة الأقمشة والملابس والأثاث حتى أن شارع الحمزاوي والذي كان مركزاً لتجارة الجملة كان معظم تجاره الكبار من اليهود، كذلك جاءت شركات مثل شركة شملا: وهي محلات شهيرة أسسها «كليمان شملا» كفرع لمحلات شملا باريس، وأنشأت عائلة شيكوريل عام 1887شركة شيكوريل الضخمة ، بالإضافة إلى شركة بنتيمورلى للأثاث والديكور التي أسسها هارون وفيكتور كوهين ، وسلسلة محلات جاتينيو التي احتكرت تجارة الفحم ومستلزمات السكك الحديدية ، وكان لموريس جاتينيو دور كبير في دعم الحركة الصهيونية ومساعدة اليهود على الهجرة إلى فلسطين ، وكذلك كانت عائلة "عدس " التي أسست شركات مثل بنزايون ـ ريفولي ـ هانو ـ عمر افندي. كما احتكر اليهود صناعات أخرى مثل صناعة السكر ومضارب الأرز التي أسسها سلفاتور سلامة عام 1947 ، وفي مطالع القرن العشرين بدأت نشاطها شركة الملح والصودا التي أسستها عائلة قطاوي عام 1906. كذلك وصلت سيطرة اليهود إلى قطاع الفنادق فقد ساهمت موصيري في تأسيس شركة فنادق مصر الكبرى وضمت أهم فنادق مصر في ذلك الوقت مثل فنادق كونتيننتال ـ ميناهاوس ـ سافوي ـ سان ستيفانو. وقد نشط اليهود أيضا في امتلاك الأراضي الزراعية وتأسست شركات مساهمة من عائلات احتكرت بعض الزراعات مثل شركة وادي كوم امبو ،كذلك شركة مساهمة البحيرة التي تأسست عام 1881 وامتلكت 120.000 فدان.
وبالإضافة إلى الشركات الكبيرة التي هيمنت على كل ما يدير الحياة في مصر من تجارة وزراعة وصناعة ، فقد كان لليهود حضور لافت في مجال السينما والمسرح والغناء وطبع الاسطوانات وغيرها من الأنشطة ذات الصبغة الفنية الناعمة ، وكان وجودهم جميعا وجودا حيا وذا فاعلية مؤثرة في الحياة المصرية التي لم تكن تحكمها دولة بالمعنى المعروف ، فالملك في ملاهيه ومشاكله ويكاد يكون بلا سلطات ، بينما النخبة السياسية المتمثلة في الأحزاب في حالة شبه دائمة من التناحر ولم يكن هناك من وجود مالى خارج الطائفة اليهودية إلا لشركات بنك مصر التي أسسها الاقتصادي الوطنى الكبيبر طلعت حرب .. بالإضافة إلى بعض المصانع والاقطاعيات الزراعية التي يعمل عليها عدد من الباشوات مثل عبود باشا وفرغلى باشا و ياسين والبدراوي عاشور وغيرهم ، لكن النسبة الأكبر كانت لليهود حتى بدأ القلق يتسلل إلى نفوسهم منذ أوائل الأربعينيات.
يقول المؤرخ الكبير الدكتور يونان لبيب رزق (جريدة الشرق الاوسط – 23يوليو2002)
"على هذا الأساس استطاع اليهود في مصر تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة بلغت أقصاها في الأربعينيات في الوقت الذي كان الاقتصاد العالمي يعاني ركودا نتيجة ظروف الحرب العالمية الثانية واستطاع يهود مصر ان يصبحوا أغنى طائفة يهودية في الشرق الاوسط، ولم يتأثروا بإلغاء الامتيازات الأجنبية عام 1937 أو انخفاض معدلات الهجرة إلى مصر، أو حتى صدور قانون الشركات رقم 138 والذي صدر في يوليو 1947 لتنظيم الشركات المساهمة، لكن كان قيام اسرائيل عام 1948 واندلاع الحرب بين اليهود والعرب أثره في تقلص نسبى لدور طائفة اليهود في مصر، كما هجر مصر عدد لا بأس به بعد حريق القاهرة يناير 1952 الذي يعتقد الكثيرون بضلوع الإخوان في اقترافه ضد الممتلكات اليهودية ، وبعد قيام ثورة يوليو، ازداد الموقف اضطرابا، بعد أن تغيرت موازين القوى بين العائلات اليهودية والسلطة الحاكمة في مصر، فقام معظمهم بتصفية أعماله وأملاكه، وهاجر الكثير منهم إلى أوروبا وأميركا وإسرائيل."
وبعد فضيحة لافون عام 1955.. تلك العملية التي حاول بها الموساد الإسرائيلي إفساد العلاقة بين مصر والدول الأجنبية عن طريق إظهار عجز السلطة عن حماية المنشآت والمصالح الأجنبية. أسرع عدد كبير من اليهود بمغادرة مصر ، جرى تهريبهم بأموالهم عن طريق شبكة «جوشين» السرية التي كانت تتولى تهريب اليهود المصريين إلى فرنسا ـ إيطاليا ـ ثم إلى إسرائيل..وبقى عدد رحل معظمه بعد إصدار القوانين الاشتراكية عام 1961 في حين أصر الباقي على مصريتهم ووطنهم ولم يغادروها.
ومن المهم التأكيد على أن خروج اليهود من مصر بدأ أثناء الحرب العالمية الثانية فقد خشي اليهود من انتصار الألمان في الحرب، والقدوم إلى مصر وتكرار مذابح النازي في مصر ففروا إلى جنوب افريقيا ، وبعد قيام دولة إسرائيل والثورة المصرية أصبحت الهجرة أمرا طبيعيا للأسباب التالية :
أولا - لأنهم اعتادوا الهجرة
ثانيا - لأنهم اعتادوا أن يكونوا سباقين للانتقال إلى كل دولة جديدة كي يبدأوا مشروعاتهم الاقتصادية قبل الآخرين .
ثالثا - الحرب مع العرب .
رابعا - ثقة اليهود بأنهم لن يستطيعوا التعامل مع الثورة الوطنية التى تحاول إنقاذ المصريين الفقراء من الاستغلال .
خامسا - ممارسات الموساد الجهنمية لتشوية صورة القيادة الجديدة
سادسا – قيام بعض اليهود المصريين بأعمال تجسس لصالح إسرائيل وأمريكا
سابعا - شعور اليهود بتصاعد العداء ضدهم بعد عدوان إسرائيل وفرنسا وانجلترا على مصر.

ثامنا – تمصير الشركات والبنوك والمصانع الكبري لصالح الشعب وكان بعضها وأهمها ملكا لليهود الذين يتحكمون بصورة شبه كاملة في اقتصاديات الدولة.

وهكذا تبدو مقولة أن عبد الناصر طرد اليهود من مصر مقولة سقيمة وعارية من الصحة ، أو على الأقل يتعين لمن يتصدى لها أن يضعها في الإطار التاريخى وتأسيسا على الأسباب السابق الإشارة إليها ، والأهم أن يتنبه الراصد للتجربة الناصرية فيما يمس هذا الموضوع إلى أن تأميم الشركات والممتلكات الكبري مصرية كانت أو أجنبية تم اللجوء إليه بعد امتناع الدول الكبري عن تقديم أية مساعدة لمصر سواء في السد أو في السلاح أو في إنشاء المصانع في الوقت الذي تعاني فيه من اقتصاد ضعيف بينما طموحات الثورة للنهضة بلا حدود .
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عبد الناصر لم يطرد اليهود من مصر
زرقاء العراق ( 2014 / 5 / 10 - 13:10 )
شكراُ للأخ الكاتب على توضيح هذه النقطة المهمة حيث انها دعاية صهيونية بحتة
, واعجبتني استخدام كلمة -تمصير- الشركات والبنوك والمصانع الكبري لصالح الشعب بدل من استخدام كلمة تأميم او بالأصح الأستيلاء على اموال يهود مصر
وقد طرد يهود مصر انفسهم من مصر كما حصل بالضبط مع يهود العراق اللذين طردوا انفسهم بعد اكثر من 2500 سنة من مجيئهم الى العراق (والآن يطرد المسيحيين انفسهم من العراق ايضاً)- نفس المشكلة حدثت مع يهود سوريا ويهود ليبيا ويهود تونس والجزائر واليمن وغيرهم

ومن العجيب بأن معضم هؤلاء لم يذهبوا الى اسرائيل الا المرغمين منهم
وحبذا لو اكرمنا الكاتب المحترم بمقال آخر يخبرنا به بالأرقام كيف كان اقتصاد مصر قبل وكيف اصبح بعد خروج اليهود منها, واقتصاد باقي الدول العربية المذكورة اعلاه


2 - السفسطة
محمد بن عبد الله ( 2014 / 5 / 10 - 23:00 )
هل طرد عبد الناصر اليهود؟

طبعا لا وألفين لأ...لا سمح الله !

الراجل كان مثال للأمانة والعدل لم يضار بني آدم واحد في عهده


لكن الله لا يعيده ولا يعيد أي أحد من عينته

خرب البلد وأنقذه عزرائيل من حياة الذل التي استحقها


3 - هل
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 5 / 10 - 23:43 )
الشعب اليهودي كان مضطهدا في جميع بقاع العالم . ونظرا لهذا الإضطهاد وإهانة واحتقار اليهودي في كل مكان فقد كان اليهود ينفرون من العمل المهني عند أصحاب البلد الذي يعيشون فيه فالتجأوا كلهم للتجارة ليكونوا أسياد أنفسهم ونجحوا في ذلك نجاحا كبيرا لأن ذلك بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت . أي مسألة كرامة . وعندنا العرب كان اليهود ممقوتين من طرف الشعوب العربية وهذا معروف . إلى أن قامت دولة إسرائيل فتمت الهجرة وتركوا أملاكهم عرضة للضياع بعد أن باعوا منها ما إستطاعوا بيعه هربا من الذل والعار . ولحد الآن عندما يأتي أحد من العرب على ذكر اليهودي يقول كلمة - حاشاك - كأن اليهودي كلب أو حمار أو براز أو حتى إ مرأة . يقول المثل أيضا في السياق الآخر - كيف تدين تدان - وهذا ما يحدث لنا اليوم عربا ومسلمين فقد صار المواطن العربي والمسلم مهان في بلده لأنه فقير . وأصبحت الناس تعبد المال عبادة حقيقية أما عبادة الله أصبحت بحك الجبهة حتى تصير سوداء لإيهام الناس بالتقوى وذلك من أجل سرقة المال أيضا . والله يخليها سلعة .


4 - بعدهم لم تقم لأقتصاد مصر قائمة حتى يومنا هذا
زرقاء العراق ( 2014 / 5 / 11 - 00:39 )
الخراب الاقتصادي لمصر في اعقاب ثورة يوليو 1952
يقول الكاتب عادل درويش

عصر النهضة المصرية (منتصف عشرينات القرن الماضي)، حيث كان الاقتصاد المصري في مقدمة اقتصادات العالم (عشية انقلاب 1952 كانت بريطانيا مدينة لمصر بما يزيد على 900 مليون إسترليني بالقيمة الحالية)، وكان المتعلمون وأصحاب المهارات الأوروبيون يهاجرون إلى مصر لتحسين فرصهم المعيشية والبحث عن حياة أفضل ومجتمع متحضر - وهي الهجرة التي بدأت منذ بناء الخديو إسماعيل مصر الحديثة - وكان الأرستقراطيون اليونانيون يرسلون أولادهم للدراسة في الإسكندرية (كملكة إسبانيا الحالية صوفيا التي أرسلها أبوها ملك اليونان إلى كلية إسكندرية الإنجليزية للبنات EGC، أفضل مدرسة بنات في حوض المتوسط)، وحكام الهند الإنجليز يرسلون أولادهم إلى كلية فيكتوريا في الإسكندرية.

اخر الافلام

.. مشهد مرعب يظهر ما حدث لشاحنة حاولت عبور نهر جارف في كينيا


.. شبح كورونا.. -أسترازينيكا- تعترف بآثار جانبية للقاحها | #الظ




.. تسبب الحريق في مقتله.. مسن مخمور يشعل النار في قاعة رقص في #


.. شاهد| كاميرا أمنية توثق عملية الطعن التي نفذها السائح التركي




.. الموت يهدد مرضى الفشل الكلوي بعد تدمير الاحتلال بمنى غسيل ال