الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيسي: إعادة إنتاج النظام

ناجح شاهين

2014 / 5 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ليس مفاجئاً لنا أنه لا شيء يتغير في مصر. فذلك يطبق على نحو ليس فيه إلا القليل من الجدة القول المأثور: يبدو أنه كلما تغيرت الأمور أكثر، كلما بقيت كما هي. وقد شهدنا ذلك في التاريخ العربي المعاصر في سوريا ما بعد الاستقلال عندما كان يحدث انقلاب كل ستة أشهر فيبدو كأن الأمور تتغير مع أنها تظل مثلما هي. وذلك ما عبر عنه بشكل فني طريف الثنائي دريد ونهاد في مسرحية "ضيعة تشرين" عندما كان المختار الجديد هو نفسه القديم مع تغيير طاقيته أو طربوشه أو سرواله.
لكن التغيير مع ذلك يحصل في لحظات تاريخية قليلة عندما يكون هناك كتلة اجتماعية قادرة على إسقاط التحالف الطبقي المسيطر عبر ثورة اجتماعية جذرية تقود إلى تبديل الوقائع جوهرياً ومن ناحية بنيوية. غني عن القول إن هذا لم يحدث في مصر. بل إنه لم يكن قابلاً لأن يحدث لأن تلك الكتلة لم تكن موجودة لحظة خروج الناس إلى الشوارع، وهو ما أدى بالطبع إلى الحيرة والإرباك في ظل غياب القيادة والاتجاه والبوصلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهكذا بدا أن بديلاً برجوازياً قد يحل محل الطبقة السياسية التي قادها مبارك ومن قبله السادات. ولكن ذلك البديل المتمثل في الإخوان المسلمين لم يكن جاهزاً بما يكفي لتبني المقولات الليبرالية للثقافة البرجوازية المهيمنة بما يكفي، وذلك على الرغم من تبنيه للمقولات الاقتصادية والسياسية الأساس بما في ذلك الحفاظ على علاقات الود وحسن الجوار مع "إسرائيل". ولذلك لم تتمكن الثقافة السياسية المدينية وخصوصاً في القاهرة من التكيف مع هذا الفرع من الطبقة البرجوازية وتم إسقاطها. ولعل من المفارقات الهزلية في التاريخ أن فرع مبارك بقيادة ضباط العسكر لم يجدوا من تهمة ضد حليفهم الطبقي إلا التخابر مع عدو محاصر وضعيف ومعزول هو حركة حماس الفلسطينية. وذلك يعبر عن الجفاف الذي تتمتع به الطبقة السياسية الممثلة للبرجوازية الحاكمة في مصر. وتلك الطبقة عبرت عن إفلاسها بشكل آخر عندما اضطرت مرة أخرى إلى إحضار رمز عسكري تم إسباغ صفات مختلفة عليه عبر الخداع والتلميع و "تسلم الأيادي، تسلم يا جيش بلادي" وما أشبه من حيل صغيرة يمكن أن تنطلي للأسف على جمهور واسع في مصر والبلاد العربية. وهكذا عادت مصر سيرتها الأولى.
يتلخص برنامج السيسي المدعوم من رجال المال والأعمال والبيروقراطية وممثلي الحكم السابق إضافة إلى أباطرة المال الكبار في مقاومة الإخوان المسلمين: "سوف أتابع الحرب على الإخوان حتى أستأصلهم نهائياً." ولكن هل هذا برنامج سياسي، أو اقتصادي، أو اجتماعي، أو ثقافي، أو تعليمي، أو صحي؟ بالطبع لا، ولكن هذا المسكوت عنه يشير إلى إعادة إنتاج نظام مبارك مع شغل الناس بنقطة فرعية لا تشكل خطة لأي شيء.
السيسي أيضاً يعد الناس بأن يتوقف العسكر عن التدخل في السياسة. لا جرم أن هذا طموح أي انتهازي يقفز إلى لسلطة، لأنه يريد أن يتخلص من منافسة أقرانه من الضباط الطامحين إلى الحكم. ولكن ما أهمية ذلك بالنسبة لطبيعة النظام الحاكم؟ إن داعمي السيسي من دول النفط أمثال السعودية والإمارات يحكمون بدون العسكر، بالطبع هم يحكمون بالاستعانة بأجهزة استخبارية قمعية قوية، ولكن هذا شيء آخر، فهذه الدول لا يحكمها عسكريون، وإنما أسر من السلاطين والملوك الذين ينتسبون لنوع آخر من الحق في الحكم. لكن من المفيد هنا أن نتذكر بأن دعم السيسي من قبل هؤلاء يعطي إشارة قوية بخصوص نوعية السياسة والاقتصاد والاقتصاد السياسي الذي يتواصل في الحياة الاجتماعية المصرية في هذه اللحظة.
متذرعاً بالحرب ضد الإرهاب الجهادي والتحالف بين حركة حماس وحركة الإخوان المسلمين في مصر، قام السيسي بتدمير الأنفاق بين غزة ومصر متفوقاً في ذلك على سلفه مبارك الذي افتقر إلى القاعدة الشعبية التي يمكن أن تمرر مثل هذه الجريمة الكبيرة. وهكذا يتم تقديم خدمات جليلة لإسرائيل لا تخطئها العين. ومن نافلة القول إن الأعمال العسكرية في سيناء وعلى حدود غزة ما كانت لتمر بدون مباركة وتعاون "إسرائيليين" بشكل كامل. ومن هنا فإننا لا نجانب الصواب إن قلنا إن التحالفات السياسية السابقة يتم الحفاظ عليها وخدمة أهدافها على نحو أكثر فاعلية من السابق في سياق معارضة محلية ضعيفة إن لم نقل معدومة (وحتى حمدين صباحي المزعوم أنه ناصري لم يتلفظ ببنت شفة فيما يخص هذا الموضوع). وهذا بالطبع لا يمنع أن يقدم شيء من الفتات المتعفن لمن يريد تناوله: فالرئيس المقبل لمصر لن يقوم بزيارة لإسرائيل طالما أن هذه الدولة لم تسمح ببناء دولة فلسطينية عاصمتها القدس. غني عن البيان أن هذا لا يمنع بالطبع أن يتصل بوزير الحرب موشي يعالون، وأن يتصل كبار ضباطه بنظرائهم "الإسرائيليين". ولكي لا يترك الرجل مجالاً للأوهام فقد أخبرنا على نحو واضح أن مصر دولة تحترم كلمتها. ولذلك فهو ملتزم بالاتفاقيات الموقعة مع الجميع بمن فيهم إسرائيل لأنه لا يستطيع أن يخالف الروح المصرية العظيمة التي لا يمكن أن تخل بالعهود والمواثيق والاتفاقيات. وهو بهذا بالطبع إنما يقوم بدور أخلاقي نابع من الروح المصرية المذكورة.
بالطبع يكمل أعضاء الطبقة السياسية الحاكمة توضيح الصورة فيطل علينا منذ ثلاثة أيام عمرو موسى البطل المعروف بكراهيته لإسرائيل "وبحب عمرو موسى، وبكره إسرائيل، يقول المطرب القادم من عالم كي الملابس إلى الفن عندما يكون في أهبط صوره" ليخبرنا أن على حماس أن تعترف بإسرائيل وأن تتبنى المبادرة العربية للعام 2002 (كدت أنساها والشكر موصول لموسى على موهبته في إحياء الموتى). هكذا تكتمل الصورة. وفي هذا الباب يجب أن نقرأ تهاون السلطات المصرية في إدخال بعض قادرة حماس إلى غزة للمشاركة في المصالحة بين الضفة وغزة. ولا بد أن بعض الأصدقاء في الخليج وغيرها قد توسط في هذا الشأن.
البعض يمني النفس بالرخاء الاقتصادي والديمقراطية التي قد –في باب التمني- تتحقق على يدي الرجل القادم من العسكر، ولكن مع تدريب في علوم السياسة من إحدى الجامعات الأمريكية. وبمناسبة ذلك يجدر بنا أن نخبر القارئ بأن رسالته للحصول على درجة الدكتوراه تقول (وفقاً لتقاليد أساتذته هناك): "إن الشرق الأوسط ليس مستعداً بعد للديمقراطية (الغربية) الكاملة، وإنما لبعض هوامش محصورة ومحددة بعناية من بعض أشكال الممارسة الديمقراطية."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحن مجرمون
عادل الليثى ( 2014 / 5 / 11 - 15:22 )
الكاتب يقول .. تدمير الأنفاق بين غزة ومصر ... جريمة كبيرة
خذوا فلسطينكم وقراءنكم وعروبيتكم وأرحلوا عنا .. فنحن مجرمون


2 - مصر ستبقى روح العروبة
ناجح شاهين ( 2014 / 5 / 12 - 11:26 )
لا أستطيع أخي عادل أن آخذ فلسطيني وأرحل كما أنني لا أستطيع إلا أن أحلم بمصر قوية وناجحة ومزدهرة وقومية وقادرة على قيادة البلاد العربية كلها نحو التحرر والازدهار.

اخر الافلام

.. نواب الجمعية الوطنية الفرنسية.. مفاوضات مرحلة ما بعد الانتخا


.. ما ردود الفعل في أوروبا على نتائج الانتخابات التشريعية في فر




.. حماس تتخلى عن مطلب وقف إطلاق نار دائم كشرط مسبق للتفاوض للإف


.. صور حصرية لحرق مستوطنين شاحنات بضائع ومساعدات في طريقها إلى




.. بسبب القصف الروسي.. دمار كبير في مستشفى الأطفال ومبان سكنية