الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قداس جنائزي جدا

محمد الذهبي

2014 / 5 / 10
الادب والفن


قداس جنائزي جدا
محمد الذهبي
انتبه فزعا وهو يقلب آخر كتاب حصل عليه يحكي عن فترة سابقة من تاريخ دموي، حط ركابه في مدينته التي تعج بالامراض وسوء الخدمات، ادار رأسه في بيت اشبه بالخرابة تركه قرض الاسكان متهالكا ولم يعط رأيا واضحا في مشروعية انتمائه لهذا الوطن، لم يزل يحصد النجوم ويكلم العذراوات في ليله الطويل المصحوب باحاديث الغزل المملة، والتي تركت لديه كما هائلا من التصورات الجنسية عن ليلة البارحة، وهو يطوّح بفكره عن ليلة اخرى من عذابات الخيال الازلي، عاد الى كتابه وهو يهم بقراءته عن آخره ليجد سبب الهالة الكبيرة التي يرسمها اصدقاءه حول هذا الكتاب العجيب المقتبس من قصة اجنبية، والذي كان سببا لسوء فهم بينه وبين احد الندامى في جلسة الخميس الماضي، انه كتاب حصد جائزة خطيرة، حاول العودة الى الروايات الكبيرة التي قرأها ومنها فاوست الذي ابرم عقدا مع الشيطان لبلوغه قمة السعادة مقابل تسليم روحه في النهاية، حاول ان يبحث في خزانته القديمة عن روايات اخرى يتكلم فيها الموتى ويعودون الى الحياة، فحشر انفه في رواية اخوان رولفو بيدرو بوراما التي نشأت في عالم ميت اعادت معظم شخوصه الى حياة فضل الكثير من الابطال عدم العودة اليها.
انشغل كثيرا بقضية الجوائز الادبية والايدي التي تحركها، وكان معجبا جدا بسارتر الذي رفض تسلم جائزة نوبل، والتي احتج بها على مناظره في جلسة الخميس الفائت، كل هذه التداعيات مرت امام عينيه، وهو يراجع جميع القصص الخبرية التي كتبها في الصحيفة التي كان يعمل بها ابان فترة الاحتراب الطائفي، فجاءت الشابة المسيحية مركريت، والشاب الجامعي يونان، وتفجيرات الكنائس التي ساهمت في اختفاء مكون كبير من المجتمع العراقي واضمحلاله تدريجيا، كانت تداعيات من نوع آخر ترجمها قصائد واعمدة متنوعة، حتى الشاب الذي وضعوا على وجهه الجريدة لابعاد منظر شفتيه المزمومتين من شدة الخوف اثناء تلقيه سيلا من الاطلاقات، والرجل ذو البدلة البيضاء وربطة العنق والذي كان مستقرا خلف مقود سيارته في منطقة الكمالية ببغداد، والذي غادر حياته في ازدحام افتعله احد القتلة عندما وضع سيارته بمواجهة السير فقطعه ثم ترجل من سيارته وهو يضع قناعا على وجهه ويمسك بيده بندقية كلاشنكوف ليصوبها الى رأس الضحية بسرعة كبيرة، مايدعو الى الظن ان المقنع كان مجرما مدربا وانه لم يكن صاحب ثأر يريد الانتقام، عاد الى ذهنه القداس الذي حضره مع بطرس صديقه والذي غادر العراق على اثر البكاء المر الذي يشاهده لاول مرة في الكنيسة الموجودة قبالة مدرسته الابتدائية في منطقة الحبيبية ببغداد، وعاد سريعا الى الاطلاقات الطائشة التي تخرج من فوهات البنادق لتنذر بخراب آت لا محالة، وهو يعدو قاطعا الازقة فيما يتناوشه حفيف الاطلاقات من كل اتجاه، الجثث المجهولة حضرت سريعا الى ذهنه وهو يكمل قراءة الكتاب والتي كان يستفتح صباحه على رائحتها او سحب الكلاب السائبة لها من اقرب مزبلة الى داره، انه قداس جنائزي يابطرس بكل معنى الكلمة، قداس اعاده اليه الكاتب بعد ان استقرت ذاكرته، وعاهد نفسه انه سيترك القبح وسيسير بسرعة نحو الجمال، لكن بيدرو بورامو شدت انتباهه فقد كتبت بعد فترة الحرب الاهلية المكسيكية، وها هو يقرأ ثانية ادب مابعد الحرب الاهلية العراقية، رأى ان كل شيء ينبي بوجود الاسطورة، وان الافلام الاميركية التي دائما تحاول طرق باب البطل الاسطوري او المجرم الاسطوري، والذي يعده عالم من العلماء تخصص في علم الجينات صارت اقرب الى التصديق، وهو لايستبعد ان يكون المخلص على الابواب مخلص ربما يحمل جميع التناقضات والمتشابهات في مجتمعه، وسيعود ثانية الى ممارسة طقوسه الجنائزية بعد ان يصبح الانتقام هو غاية في ضمائر الناس اكثر منه طريقة لتطهير المجتمع، سيكون هناك الكثير من اللامعقول والكثير من الابطال الخرافيين، والقرار الصائب هو المشاركة في قداس جنائزي واحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج